أوليفييه روا في شوارع طهران…مفككا أساطير الخميني
لم يكن المشهد في إيران بعد الثورة الإسلامية، كما يصور عادة بوصفه تصديرا للثورة، بل هو تثوير للتشيع الشرق الأوسطي، وإعادة تشكيل اجتماعي لنطاق مفكك البنية، حديث العهد بالتمدين على يد أكليروس محلي تكون قبل الثورة.
في عام 1979 شهدت منطقة الشرق الأوسط أحداث الثورة الإسلامية في إيران، وهنا برز آية الله الخميني، الرجل الكهل القادم كطلقةٍ من القرن الهجري الأول، بفكرة “ولاية الفقيه”، التي صاغها خلال فترة التدريس في النجف، والتي تقول إنه لا وجود لمجتمع إسلامي دون دولة إسلامية، وإنّ الشيعة يملكون مؤسسة دينية تستطيع أن تحدد من هو الأعلم، وما هو أفضل للمسلمين، وبالتالي فعليها أن تمسك زمام الأمور العليا.
ومع هذا التحول كان الإسلام وعلاقته بالسياسة يُقرأ هذه المرة من زاوية ما يحدث في طهران، كما بدا غالبية المتابعين لما يحدث مندهشين وحائرين في تفسير ما جرى.
وبعد هذه الأحداث بسنوات سيلقي المستشرق الأمريكي برنارد لويس مجموعة من المحاضرات في شيكاغو 1986 عن ما حدث، لكن عوضا عن ذهابه للميدان، كما فعل في مصر بعد عام 1967، وهذا أمر لم يكن متاحاً لأي أمريكي بكل تأكيد، سيكرر في هذه المحاضرات، التي ستنشر لاحقا في كتاب بعنوان «لغة الإسلام السياسي» ما فعله بعض المستشرقين التقليديين في قراءتهم للحدث من خلال العودة بالمفردات التي يذكرها بعض مريدي الخميني حول الثورة والفتنة إلى التاريخ.
وهنا بدا لويس أيضاً حائرا بين فكرة أنّ الإسلام هو نظام ثيوقراطي، كما يظهر مع الخميني، وأنّ الملالي في إيران يصنعون شيئا جديدا تماما في العقيدة الإسلامية، فالمذياع الذي بث منه قائد الثورة خطبه ورسائله، كان من صنع الحداثة، كما يقول في دراسة أخرى له صدرت عام 1996 بعنوان “الشرق الأوسط مغربناً رغم أنفه”.
الباحث الفرنسي أوليفييه روا حول ثورة آية الله الخميني والشرق المفقود: الثورة الدينية تدمر نفسها بنفسها ونظام الملالي خسر الصراع من اجل العقول والقلوب.
في هذه الأثناء أيضا، كان الباحث الفرنسي أوليفييه روا، القادم من عالم الفلاسفة، يعبر الحدود الإيرانية بين الفترة والأخرى، للإطلالة على ما يحدث في أفغانستان وأهلها.
وفي المدينة الجامعية في باريس، كان يختلط بالمعارضة الإيرانية، ذات الاتجاه الإسلامي ـ اليساري، التي عادة ما كانت تقرأ كتب علي شريعتي، ولذلك عندما بدأت الثورة الإسلامية، أخذ يتابعها عن قرب في فرنسا، كما شاهد فصولاً منها أثناء عودته من أفغانستان، ومكوثه في إحدى الولايات الايرانية لمدة شهر.
وقد بدت له إيران للوهلة الأولى وكأنها تسير في ازدهار مع ولادة نظام جديد، خاصة أنّ الناس أخذوا يتكملون من دون خوف، كما كان بإمكانه الذهاب إلى كل مكان من دون التعرض للتفتيش، لكن لن تمر سوى فترة قصيرة، حتى عاد سجن أيفين الشهير في زمن الشاه لاستقبال أصدقاء الثورة في الأمس.
المصدر: قنطرة