أبعد من الكيماوي
بقلم: عصام خوري
” الاسد هزم حياة الرجال والنساء والاطفال الذين لا حول لهم ولا قوة. كان موتا بطيئا ووحشيا بالنسبة للكثيرين، حتى الأطفال الجميلين قتلوا في هذا الهجوم الوحشي” الكلام لدونالد ترامب بعد القصف الصاروخي على قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا
وفق احصاءات اممية وحقوقية عدد القتلى السوريين جاوز 250 الفـ والكثير منهم نساء واطفال، فما هو المتغير في الخطاب الاميركي، ولماذا اتبعت الضربة الجوية بقرار من مجلس الشيوخ ينص على محاسبة مجرمي الحرب؟ وفي اليوم التالي اعطى مجلس النواب الاميركي صلاحيات للرئيس ترامب تمنحه تزويد المعارضين السوريين باسلحة نوعية.
بالتأكيد ان جملة المتغيرات هذه تحمل في طياتها ما هو اعلى من مستوى الاسد ونظامه، فجيو-عسكريا الروس تجاوزوا المناطق المحسوبة لهم، واصبحت قواتهم على اطراف مدينة الباب والى جوار قاعدة عمليات الاميركيين في مدينة منبج. من هنا ندرك ان قاعدة الشعيرات الجوية هي نقطة توسيع نفوذ للروس نحو المناطق الشرقية، وهذا الامر لا يمكن ان تسمح به واشنطن التي اصبح لديها قاعدتين جويتين الاولى في مدينة عين العرب والثانية في المالكية، وان سمحت واشنطن بهذا فكانها تعطي ضوءا اخضرا للروس بان يتمددوا نحو العراق بحجة مكافحة الارهاب، مما يعني وصول ايران نحو البحر المتوسط برعاية روسية.
الاميركيين اختاروا موعد الضربة بعناية فالى جوار ترامب اثناء الضربة كان ضيفه الرئيس الصيني، الذي كان سعيدا بمشاهدة حفيده ترامب تغني بالصينية، في هذا الوقت تحديدا وبينما الروس كانوا بمرحلة تنظيم فيتو جديد في مجلس الامن سقطت 59 صاروخا على مطار يحوي خبراء روس، تلك الصواريخ تجنبت غرفة العمليات الروسية في المطار، في اشارة من الاميركيين للروس اننا نعرف كل شيء فلا تعبثوا. فعليا ضربة الشعيرات لم تكن للاسد بمقدار ما كانت لروسيا التي اصرّ مبعوثها في مجلس الامن على عقد جلسة سرية طارئة في مجلس الامن، فكان الرد الاميركي لماذا سرّية فلتكن علنيه انتم تدعمون ديكتاتور ونحن حماة العالم الحر .
ترامب ربح هذه المعركة، فالاعلام الذي كان يحاربه منذ وصوله للسلطة اعجب بفكرة رئيس يدافع عن الاطفال ضد انظمة ديكتاتورية. و الراي العام توضح عبر استطلاع راي قامت به الهوفتغون بوست عبر فيه 51% من الأمريكيين عن تأييدهم لقرار توجيه الضربات لسوريا، فيما عارضها 32%، ولم يتمكن 17% من المواطنين من تحديد موقفهم من هذه الضربة.
الان لا يمكن انتقاد ترامب، حتى وان لم يستخدم الاسد الكيمائي فمنظر الاطفال القتلى حرك مشاعر الاميركيين، لا بل حرك مشاعر الملايين في عموم انحاء العالم، الامر الذي دفع الحكومة الاتحادية الالمانية يوم 10 نيسان للتصريح بضرورة رحيل الاسد واستبعاد اي حل تحت قيادته. ماذا يريد ترامب اكثر من ذلك فجأة تحول كل منتقديه الى حلفاء، حتى المظاهرات التي تشجب الحرب اقتصرت على العشرات امام برجه في نيويورك وليوم واحد، في حين كانت قبل اسابيع بالالاف وفي كل المدن لدعم المهاجرين ضد قراراته.
اميركا بعد الضربة ليست كسابقها، ترامب اليوم في قمة سعادته، وعليه ان يحافظ على مكاسبه، لذا نرى سياسيه يهددون الاسد ومن يدعمه، بينما نراه يركز على ايران ويتناسى روسيا في اشاره منه لبوتن “تخلى عن طهران والاسد واكتفي بالقاعدة البحرية”، وهذا الامر توضح عبر تصريحي تيريزا ماي وترامب بنفس اليوم “نحن امام فرصة سانحة لإقناع روسيا في أن حلفها مع الأسد لم يعد يخدم مصالحها الاستراتيجية”.
بالتاكيد روسيا لن ترضخ بهدوء، فقد ارسلت بارجتين بحريتين للمتوسط، واعلن بوتن عن رغبته بتعزيز الدفاعات الجوية السورية، لذا جاء قرار مجلس النواب الاميركي ليعيد لاذهان الروس ما حدث معهم في افغانستان، الان بامكان ترامب تزويد المعارضين بما يسقط الطائرات الروسية، فمستشار الأمن القومي في الإدارة الأمريكية هيربرت ماكماستر وضح “أن رئيس البلاد، يسعى إلى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، بالتزامن مع تدمير تنظيم داعش”. مما يعني ان داعش والاسد ومن يدعمها على مسافة واحدة من واشنطن.
ترامب اشعر الاميركيين بنشوة العظمة، وابعد بخطوته هذه الشبهات حول أي علاقة لادارته بالاستخبارات الروسية، وهذا الامر قطع الطريق امام النواب الديموقراطيين الساعين لمساءلته، جميع الاميركيين بما فيهم منافسه السابقين في الانتخابات امثال السيناتور ماركو روبيو كانوا مصريين على معاقبة الاسد حيث صرح امام مشهد الاطفال المنتشلين من الانقاض (لم يكن هذا ممكنا لو لم يحصل الأسد على غطاء من روسيا فلاديمير بوتين، يجب أن يكون هناك مستوى من الغضب، وهذا يجب أن يصبح أولوية، وإلا فقدنا بوصلتنا كشعب وأمة)