إذا أردنا أن نعرف ماذا في سوريا يجب علينا أن نعرف ماذا في باريس
بقلم: سليم بشارة
سارع السوريون للتفاعل مع جريمة باريس كغيرهم إثر الاهتمام البالغ لوسائل الإعلام العالمية والعربية بها . ويصح القول أن جلّهم تسرع في إبداء موقفه دون التعمق بالدلالات العميقة لهذا الحادث الكبير , فمنهم من قابل الجريمة بالتجاهل لأن السوريون يقتلهم البرد والقصف والجوع ولا يجدون الاهتمام العالمي الكافي بإنهاء الحرب التي سببت مآسيهم فلماذا الاهتمام إذا بما يحدث في فرنسا ؟. ومنهم من ذهب بعيدا في نظرية المؤامرة وأن حادثة القتل مفبركة مستندين إلى معطيات إعلامية راجت حول وجود هوية أحد القتلة في السيارة وانتحار الضابط الفرنسي المكلف بالتحقيق إلخ , ومنهم من اعتبر الحادثة فريُة على المسلمين تستهدف ضرب الإسلام وتشويه سمعته , ومنهم من شمت من الغرب معتبرا أنه الصانع الحقيقي للإرهاب الذي يدفع الشعب السوري أثمانا باهظة له .
هذه التقييمات تبدو عاطفية ومتسرعة ولكنها ليست غريبة على شعب لا يعلم حتى الآن على وجه التحديد لماذا حدث ما حدث في بلده ولماذا نحت البلاد نحو هذه الحرب بكل فظاعتها ولماذا لا يقبل النظام بتقديم تنازلات رغم استنزافه شبه الكامل ويصر على تصفية حتى أصحاب الرأي المخالف إما خطفا أو قتلا تحت التعذيب أو بتدبير تهم جنائية لهم ؟. ولماذا لم يتدخل أحد لإنقاذ الشعب السوري من براثن النظام وخاصة بعد مجازر السلاح الكيماوي ؟. ولماذا يتدفق السلاح بوفرة إلى كافة المتقاتلين ولا يتدفق المازوت إلى المخيمات فيموت الأطفال والشيوخ من البرد ؟. ولماذا ترسل ايران رجالها للقتال في سوريا دون ردود أفعال من الدول الكبرى التي يعتقد إنها رسمت منذ وقت طويل خارطة نفوذها في المنطقة العربية ؟. ولماذا يتخاصم أصدقاء الشعب السوري وتتردد أميركا ويحرد الأتراك ؟.ولماذا على الشعب السوري أن يختار بين قمع النظام أوإرهاب الجماعات التكفيرية ؟. ومن غذّى الإرهاب وأوصله إلى مرحلة إعلان الدولة ؟. ولماذا تعجز الأمم المتحدة بهذه الصورة المخزية ؟.
لا شك أن الحدث الباريسي الخطير له ارتباط معين بالأحداث السورية , ليس لأن سوريا خارقة في أهميتها كما يتغنّى بعض من صدقوا سخافات النظام , ولكن لأن الأزمة السورية باتت أزمة دولية مرتبطة بملفات كبيرة وخطيرة لم تحسم بعد ووصلت إلى حافة خياراتها المصيرية , كالملف النووي الإيراني وعلاقته بأمن اسرائيل , وملف القضية الكردية , والأزمة الأوروبية الروسية بشأن أوكرانيا , ونشوء دولة داعش على مساحات كبيرة من العراق وسوريا , وانسداد أفق السلام بين الفلسطينيين ودولة اسرائيل , وتغير خارطة الأنظمة العربية التي أطاح بها الربيع العربي وتلك التي تكافح التهالك والتحلل , والاضطراب في حكم مصر . الخ.
معرفة هذا الارتباط بين الحرب في سوريا وجريمة شارل إيبدو ستجعل السوريين يفهمون أكثر مغزى اجتماع مسؤولي خمسين دولة بالعالم في باريس للتنديد بالارهاب الذي طرق مؤخرا أبواب أوروبا وكندا واستراليا , وتقدير شمولية ارتدادات هذه الجريمة , فقد طالبت اسبانيا بإعادة النظر في اتفاقية الشنغن على صعيد ضبط الحدود ولاقت تفهما أوروبيا وذهبت اسرائيل الى طرح فكرة تأسيس تحالف دولي ضد الإرهاب والتطرف تكون هي طرفا مهما فيه وتوحد اليمين واليسار الأوروبي في التضامن ضد هذا الإرهاب الجديد القديم وسوف يعقد في باريس مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب بمشاركة معظم حكومات الدول العظمى .
إن ما جرى في باريس يشبه إلى حد ما ما جرى في 11 أيلول في أميركا وعلى السوريين من الآن فصاعدا النظر لما يحدث بعيدا عنهم ليتمكنوا من مقاربة واقعية لما يحدث في بلدهم والله المعين .
سليم بشارة : ناشط سوري مقيم في هولندا
(المصدر: اتحاد الديمقراطيين السوريين)