الجوع لسوريا تحت نعال اسرة الاسد
بقلم: عصام خوري
31 كانون الثاني/ 2019
قبل ان تغفو قالت لامها العاجزة برد برد… وبعد لحظات اغمضت عينيها، ولم تفتح تلك الاعين لليوم، هذه حال الطفلة آية التي فارقت الحياة مع امها في منطقة تحت سيطرة النظام السوري. اية احدى ضحايا جشع السلطة التي استغلت موجة الصقيع القاسية التي مرت على الشرق الاوسط بداية عام 2019، لتحقق ارباحا يستفيد منها المتنفذون والمرتبطين بالاجهزة الامنية السورية.
فقد اعتاد السوريين التدفـئة عبر استخدام مادة المازوت، الا ان اسعار هذه المادة ارتفعت لتصل لمبلغ (185 ليرة سورية للتر الواحد في مراكز الوقود المرتبطة مع الدولة)، ولكن هذه المادة غير متوفرة بسبب العقوبات الاقتصادية على سوريا، مما جعل السوريين يستخدمون مادة الغاز للتدفئة.
سعر جرة الغاز في المراكز الحكومية (2800 ليرة سورية، اي ما يصل الى 5.6$)، ولكن مافيا تجارة الغاز المتعاونة مع الجهاز الامني السوري، تقوم بالحصول على جرار الغاز قبل وصولها للمستودعات الحكومية، وتقوم بدورها ببيعها على المستهلكين واصلة لمنازلهم بسعر (6000 ليرة سورية اي ما يعادل 12$) في مدينة اللاذقية، وفي مناطق ريف حمص تصل للمنازل بمبلغ (4000 ليرة سورية اي ما يعادل 8$).
ومع شح المحروقات “مادة المازوت وارتفاع اسعاره” اصبحت الكثير من الاسر تعتمد التدفئة بالغاز كوسيلة وحيدة، لذا اي اسرة تحتاج لجرتين في الشهر الواحد لتؤمن الحد الادنى من التدفئة، ويضاف لها جرة ثالثة للقيام بالطهي، اي ان كلفة المحروقات في الشهر الاحد عند اي اسرة هي ما بين (24$-36$)، وبما ان متوسط مدخول الاسرة السورية (30000 ليرة سورية، اي 60$) فان الغاز وحده يقضي على نصف مدخول الاسرة، اما بالنسبة للاسر الفقيرة جدا، او اسر النازحيين الذين فقدوا مواردهم المالية بفعل نتائج الحرب الاهلية، فهؤلاء اصبحوا مضطريين لانتظار دورهم امام المؤسسات الحكومية ضمن طوابير مذلة قد تفرض على احدهم الانتظار يوم كامل للحصول على جرة غاز واحدة.
العقوبات الاقتصادية وايجاد البدائل:
العقوبات
الدولية تجاه سوريا بدأت عام 2012 بعد تعنت النظام في تحقيق تغير سياسي، واستخدامه
لغة السلاح ضد الاحتجاجات التي اطلقها الشعب في آذار 2011، وادت تلك العقوبات لشلل
في الحياة الاقتصادية السورية لفترة اشهر، ولكن النظام ما لبث وان ابتدع قنوات
تجارية جديدة جعلته يتهرب من العقوبات الاقتصادية عبر وسطاء في لبنان وبعض الدول
التي ينشط بها رجال الاعمال المرتبطين بحاشية النظام. طبعا هذا الامر ادى لرفع
الاسعار على المواطنيين بمختلف السلع، واعطى الشرعية للنظام السوري بان يلغي الدعم
الحكومي على مواد المحروقات والخبز مما جعل الاسواق السورية مرتبطة بسعر صرف
الدولار.
وهذا يعني انتهاء حقبة الدولة الداعمة
للاقتصاد المحلي، وبدأ مرحلة تحرر السوق من سلطة رقابة وزارة التموين التي تراقب
اسعار. بالتأكيد السوريين لم يحبذوا هذا التوجه، ولكنهم لا يستطيعون التمرد،
فالخطاب الرسمي موجه نحو التعبئة الشعبية ضد كل من يتظاهر واتهامه بتهمة العمالة
للغرب الامبريالي، او لصقه سمة الارهاب الراديكالي الاسلامي.
وبما ان رواتب الموظفيين لم ترتفع بتناسب مشابه لعجلة غلاء المعيشة، اصبح عموم الشبان مضطريين للعمل في المليشيات المسلحة بغية حصولهم على رواتب مالية تجعله يؤمنون الحد الادنى من المعيشة لاسرهم، حيث يتراوح راتب المقاتل في المليشات الداعمة للنظام شهريا ما بين (50$-80$)، وهو راتب لا يمكنه الحصول عليه في وظائف الدولة في سنوات العمل الاولى.
من هذا الواقع نشأ ما يسمى اقتصاد الحرب، فغالبية هذه المليشيات شكلت حواجز عسكرية لتفتيش السيارات العابرة منها، وكل حاجز لدية مخصص مالي من اي سيارة تعبره، مما حول تلك الحواجز الى مراكز جني اموال لقائد المليشيا الذين بدورهم يوزع تلك الاموال على شكل رواتب لجنوده، والبقية منها يتقاسمها مع الاجهزة الامنية. طبعا هذا الواقع اسس لحركة فساد مكشوفة لكل السوريين ولكن لا امكانية لقهر حملة السلاح، فهم من يديرون اليوم حركة الاقتصاد السورية.
قانون قيصر، والعقوبات الاميركية الجديدة:
صادق مجلس الشيوخ الاميركي يوم 23 على جملة عقوبات تطال النظام السوري، ضمن مشروع قانون تشريعي تحت مسمى “قانون قيصر”، ولن تعتمد بنود هذا المشروع الا بعد مصادقة مجلس النواب والرئيس دونالد ترامب عليه، ولعل جمله العقوبات الصادرة عن هذا القرار هي الاعلى طرحا من قبل الحكومة الاميركية تجاه النظام السوري، ومن ابرز بنودها:
1- عقوبات على الكيانات والشخصيات التي توفر الدعم للحكومة السورية في النقاط التالية:
– قطع تبديل الطائرات العسكرية، وقود الطائرات.
– معدات او تقنيات تساهم بتوسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية.
– خدمات في اطار الاعمار وتنمية القدرات الهندسية.
2- عقوبات بحق اي كيان او شخص يعمل في اطار المليشيات التي تدعم النظام السوري، حتى وان كانت مرتبطة بايران او الاتحاد الروسي.
3- عقوبات على البنك المركزي السوري وكل الكيانات الاقتصادية المرتبطة به والتي تساهم في غسيل الاموال.
5- تحظر جميع المعاملات العقارية على ملكيات الشخصيات السورية المرتبطة بالنظام او بدعمه اقتصاديا او تجاريا في الولايات المتحدة الاميركية.
6- يمنع منح التاشيرات لدخول الولايات المتحدة، وتلغى التاشيرات الممنوحة للشخصيات المرتبطة بالنظام السوري او التي تدعمه اقتصاديا او سياسيا او تجاريا.
ويرتبط مشروع سيزر بمشروع اكبر يدعم حلفاء واشنطن في الشرق الاوسط، حيث يتضمن مشروع القرار النقاط التالية:
1- تمديد المساعدات الامنية والدفاعية لاسرائيل لمدة 10 سنوات قادمة.
2- تعزيز
التعاون الدفاعي الاميركي مع الاردن.
3- مواجهة مقاطعة البضائع الاسرائيلية في الولايات المتحدة.
من هنا ندرك ان مشروع قانون سيزر في حال اقراره لن يكون هدفه النظام السوري وحده، بل سيتعداه لنفوذ ايران وروسيا في المنطقة ان قررتا الاستمرار بدعم النظام السوري. وهذا بالتاكيد لن يحرج ايران المعاقبة اساسا من ادارة ترامب التي تخلت عن صفقة الاتفاق النووي الذي ابرمه الرئيس أوباما. ولكن سيحمل على ايران اعباء اكبر في دعمها للاقتصاد السوري، وهذا يعني انهاك اضافي للاقتصاد الايراني قد يدفعها في النهاية لمغادرة سوريا وتحقيق المطلب الاسرائيلي- الاميركي- الخليجي التي عجزت موسكو عن تحقيقيه.
المستفيد من مشروع قرار سيزر والمتضرر منه:
تم عرقلة التصويت على مشروع قرار سيزر منذ عهد الرئيس اوباما، لمصالح ترتبط بضرورة ابرام الاتفاق النووي الاميركي مع ايران، وفي ذلك الوقت كان مشروع القرار مهم جدا لاستمرار وجود الجيش الحر، ولكن في عام 2019، وبعد تحويل الجيش الحر الى مليشيا “درع الفرات” المراقبة والمحمية من الجيش التركي شمالي حلب، وانهيار الجيش الحر في ادلب بعد سيطرة جبهة النصرة على عموم المحافظة وعلى اجزاء من ريف حلب الغربي، اصبح البنود التي تمنع تزويد الطيران الحربي والمروحي بالوقود وقطع الغيار امرا غير مهم، خاصة وان الحكومة التركية ابرمت مع الروس اتفاقية خفض تصعيد تمنع الطيران الحربي السوري من ضرب ادلب، واما بالنسبة لمناطق انتشار درع الفرات فالطيران السوري لا يجرأ على مواجهة الاتراك القادرين على اسقاط الطائرات السورية بسهولة.
وبالنسبة لمنع التأشيرات السياحية او الدبلوماسية للسوريين المرتبطين بالنظام السوري لداخل اميركيا، هذا الامر غير مهم بعد اغلاق السفارة السورية في واشنطن، واقتصار التمثيل الرسمي على البعثة السورية في الامم المتحدة. ولكنه قد يمنع اية محاولات رسمية لمحاولة خلق جسور تواصل مع شركات العلاقات العامة ومراكز الدراسات التي تؤثر بالسياسة الاميركية تجاه سوريا ومناطق الشرق الاوسط.
لذا سيكون التأثير الوحيد لقانون سيزر في حال اقر، هو تأثير اقتصادي وسيجعل امكانية استيراد السلع التي تلعب دورا في جلب المحروقات وتصنيعها امرا صعبا، وبما ان عموم دول العالم بما فيها روسيا ستضطر لمنع صادرات الوقود لسوريا، فلن يكون امام النظام السوري سوى النظام الايراني الذي يعاني اساسا من العقوبات الاقتصادية الاميركية، وهذا الامر ادركه الايرانيين فسعوا في يناير/ كانون الثاني 2019 لابرام سلسة اتفاقيات اقتصادية مع النظام السوري، يسمح من خلالها بانشاء مصارف اقتصادية بتمويل مشترك تتجاوز من خلالها كلتا الدولتين نظام التحويل المالي “سويفت” المراقب من الولايات المتحدة. وبهذا الشكل تسعى ايران وسوريا للالتفاف على العقوبات الاميركية قبل اصدارها، طبعا البنوك اللبنانية لن تكون قادرة على مساعدة كلتا الدوليين في تحويلها للاموال عند ابرام اية صفقات تجارية مع دول اخرى، ولكن هذا الامر قد يتم عبر شركات مملوكة من افراد مرتبطين بالاجهزة الامنية السورية والايرانية ضمن صفقات غسيل الاموال التي يبدع فيها رجالات الاعمال اللبنانيين منذ ايام الحرب الاهلية اللبنانية.
وهذا يعني ان العقوبات الاقتصادية لن تأثر بقادة النظام السوري ورجال الاعمال المرتبطين بهم بشكل كبير، فهؤلاء كما وضحنا في مثال تجربة الغاز بداية المقال، باتوا متكيفيين في ادارة الازمات المالية لمصلحتهم الاقتصادية، لانهم يتعاطون مع الدولة السورية وكانهم مليشيا وليس وفق نظام عمل المؤسسات. وهذا سينعكس على الشارع بزيادة روتينية في الاسعار وانخفاض اكبر بقيمة الليرة السورية مما يهمش مدخول الفرد امام فحش الغلاء.
طبعا هذا الامر قد يدفع الشارع السوري للاحتجاج وتأسيس مرحلة سلمية جديدة من الاحتجاجات، وهنا لن يصطدم الجيش مع المحتجيين كما حدث في مظاهرات 2011، بل ستصطدم المليشيات المستنفعة من هذه العقوبات مع الشعب كما يحصل حاليا في تجربة فنزويلا.
وهذا بالتاكيد سيزيد الغضب الشعبي من الوجود الايراني بسوريا لدرجة تدرك من خلاله الحكومة السورية والحكومة الروسية ان على ايران مغادرة سوريا، واللجوء لمرحلة تسوية سياسية تعيد سوريا لحظيرة المجموعة الدولية، طبعا هذا الامر لن يكون بليلة وضحاها وقد يستغرق عدد من السنوات، وهذه السنوات قد يكون عنوانها الوحيد هو “الجوع لسوريا تحت نعال أسرة الاسد”.
Resources:
/ مصدر المادة: رابطة الكتاب والصحفيين السوررين/