الحوار المبتور
بقلم: عصام خوري
السياسة ليست حالة مثالية، فالكثير من مجرمي الحروب اصبحوا اليوم زعماء سياسيين كما هو الحال في لبنان، ولك
ن هذا الامر لم يتم الا بعد عقود من المصالحات التي اشرفت عليها قوى دولية واقليمية.
للأسف التاريخ يعيد نفسه اليوم على الارض السورية، في ظن دولي ان ما يحدث على الارض السورية هو فقط نزاع عسكري افرز حالة ارهابية تقلق العالم اسمها “الدولة الاسلامية”، واصبح السؤال الاعتيادي في عموم دوائر القرار التي نزورها “في حال استجبنا لطلب الشعب السوري بنزع الديكتاتور من كرسي الحكم، من سيكون البديل؟” .
نعم هو سؤال مقلق للجميع. وللأسف الكثير من معارضي النظام لا ينظرون لجوهر السؤال، بل يفكرون بمسبباته ومبرراته، فبنظرهم ان الاسد هو من شوه ثورة الشعب السوري، وهو الذي افرج عن المجرمين وسلحهم كي يعسكروا الثورة، ويصبح امام الاسد حجة بانه يحارب جماعات الاسلام السياسي العسكرية التي انتجت تنظيمين مدرجين على لوائح الارهاب… نعم الاسد فعل كل ذلك واكثر من ذلك، ولكننا الان امام لوحة عسكرية معقدة غنية بالمليشيات المسلحة، وعلينا اليوم ان نتعاطى معها جميعها على انها واقع وليست نتيجة.
فالاسد بعيون المجتمع الدولي هو رئيس فاشل، ولو كان ناجحا لما استعان بالجناح العسكري لحزب الله المدرج على لوائح الارهاب، نعم الاسد اليوم في اضعف حالاته، فالإسرائيليين يقصفون سلاحه وهو عاجز حتى عن الرد الشفوي الذي كان يردده قبل سنوات “نحتفظ بحق الرد”.
ولكن في المقابل هناك جماعات مسلحة لا تحمل قيم “الحرية والعدالة” التي نادى بها الثوار، وهؤلاء ينظرون للديموقراطية على انها جريمة وعمالة للغرب الكافر، لذا هذه الجماعات لم تحتضن المعارضة السياسية التي تتخذ من تركيا مقرا لها، وللأسف المعارضة السياسية لا تمتلك الادوات التنفيذية التي تجبر هذه الجماعات للانصياع للغة العقل والحكمة، من هنا يصبح موقف المعارضة السياسية موقفا ضعيفا كما هو موقف الاسد.
مجمل هذه المعطيات جعلت مفاوضات جنيف بمثابة مفاوضات الضعفاء، بينما القرارات السياسية النافذة ترسم من قبل المفاوضين الكبار “الروس والاميركيين” الذين يسعيان ضمن جملة قنواتهم على تحييد اللاعبين الاقليميين عن الملف السوري، ليكون العنوانين العريضين للمفاوضات هما: ((محاربة الارهاب وفق التصنيف الدولي، سوريا ديموقراطية علمانية كما نص اجتماع فينا))
ووفق هذين التصنيفين علينا بالفعل ان نبحث المستقبل فلا يمكن لأي سوري ان يعيش مع ارهابيين، فالأسد كما هو داعش يعذب في السجون ويقتل عبر آلته العسكرية المدنيين، والاسد الاب والابن لم يكونا يوما علمانيين، انما كانا يتاجر بشعار بالعلمانية كم تتاجر جماعات الاسلام السياسي العسكرية بالدين الاسلامي، وعندما قرر الاسد مضطرا كتابة دستور جديد بعد اندلاع الاحتجاجات، وضع مادة دستورية تمنع ترشح السوريين من الطائفتين الأيزيدية والمسيحية لمنصب رئيس الجمهورية، في تعبير واضح منه على انتهاك قيم المواطنة!
لذا مفاوضات جنيف عبر عنوانيها العريضين هي مفاوضات في صف قيم ثورة “الحرية والكرامة” التي انتفض من اجلها الشعب السوري، ومهمة مفاوضي المعارضة ان يسعوا لإبراز التشابه بين اسرة الاسد والتنظيمات الارهابية التي لا يجب التغاضي عنها. وتوضيح ان وجود الاسد هو عنصر يعزز تنامي الارهاب في المنطقة، كما هو عقبة امام عودة اللاجئين الذين فاق عددهم اربع مليارات وفق تصنيفات مفوضية الأمم المتحدة لللاجئين. لذا من واجب المعارضين التركيز على اهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة، واجراء تغيرات ادارية تدريجية بالتزامن مع وضع آلية لتخلي الاسد عن كرسي الحكم ويجب اقناع الروس بهذا الامر فهم من يملك العصا الغليظة لتنفيذ هذا المخطط، وبالتأكيد الاميركيين سيدعمون هذا التوجه.
في علم السياسة لا شيء مستحيل، ومهمة مفاوضي المعارضة ان يمنعوا مجرمي الحرب من ان يصبحوا زعماء سياسيين كما هو الحال في لبنان والا سنرى مستقبلا الطفل حافظ ابن بشار الاسد زعيما سياسيا على جبال العلويين في الساحل السوري، وهو امر مهين للطائفة العلوية التي تمتلك مفكرين وكتاب وليست بحاجة للصوص سرقوا سوريا طيلة نصف قرن كي يمثلوها.
المصدر: https://issamkh.com/2016/04/10/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%AA%D9%88%D8%B1/