الربيع العربي مازال في بداياته
(ديفيد رود من كتاب المقالات في رويترز والاراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الشخصية)
عمان (رويترز) – بعد أن أطاح الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي عبر عضو في الكونجرس الامريكي خير تعبير عما يدور في خلد الكثيرين في واشنطن.
فقد قال “الجيش هو المؤسسة الوحيدة المستقرة في ذلك البلد.”
وفي وسائل الاعلام الغربية انتشرت محاولات تشريح الربيع العربي بما في ذلك تقرير خاص نشرته مجلة الايكونوميست على 15 صفحة وطرح السؤال “هل فشل الربيع العربي؟” وكانت الاجابة “هذا الرأي سابق لاوانه في أفضل الأحوال وخطأ في أسوأها.”
وهنا في الاردن كان الربيع العربي مصدر إلهام لاحتجاجات طالبت الملك عبد الله الثاني بتسليم السلطة لحكومة منتخبة ثم تلاشت. ولم تؤد حملة على وسائل الاعلام أغلقت السلطات فيها 300 موقع على الانترنت الشهر الماضي إلى احتجاجات تذكر.
وقال لبيب قمحاوي وهو من الشخصيات المعارضة واتهم في العام الماضي بمخالفة قانون يحظر على الاردنيين العيب في الذات الملكية “نحن نشهد عودة سريعة إلى الدولة البوليسية… ستجد أن كل شيء خاضع للسيطرة.”
ومع ذلك يقول محللون ومعارضون ومسؤولون سابقون في الحكومة إن الربيع العربي توقف هنا ولم ينته تماما. فالمشاكل الاقتصادية الاساسية التي أدت للاحتجاجات التي أطاحت بحكومات في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا مازالت قائمة. ويخطيء الحكام العرب والمسؤولون الامريكيون إذا اعتقدوا أن بوسعهم الاعتماد على القادة العسكريين والملوك في تحقيق استقرار طويل الاجل.
قال روبرت بلتشر محلل شؤون الشرق الاوسط في مجموعة الازمات الدولية “الطاقة السياسية التي انطلقت في مختلف أنحاء العالم العربي والاردن في 2011 لم تتبدد. والمشاكل التي ولدت من رحمها الانتفاضات العربية لم تحل.”
فما الذي يحدث في الاردن إذن؟ بكل بساطة الاردنيون ينظرون شمالا إلى سوريا وإلى الجنوب الغربي حيث مصر وترتعد فرائصهم مما يرونه. لقد خففت الحرب الأهلية الوحشية واشتباكات الشوارع من الرغبة في التغيير السريع. ورغم أن الملك عبد الله يقيد حرية التعبير هنا فلا وجه للشبه بينه وبين قسوة الرئيس السوري بشار الأسد. كذلك فإن الأحداث في مصر جعلت الشبان العلمانيين في الاردن يكرهون الحياة تحت حكم الاخوان المسلمين. وباختصار فالاردنيون ينتظرون.
وقال علاء فزاع رئيس تحرير أحد المواقع التي كان مآلها الاغلاق “أنا أقل عداء تجاه الملك لانني شهدت ما يمكن للاسلاميين أن يفعلوه. أرى ما يحدث في المنطقة. وأنا في انتظار الوقت المناسب للهجوم.”
والمشاكل الاقتصادية بالغة الضخامة في منطقة تقل أعمار 60 في المئة من سكانها عن 30 عاما. ولن يقبل الجيل الأصغر الحريص على اقتناص الفرص الاقتصادية ونيل الحقوق السياسية الاساسية بعودة دائمة إلى حكم الفرد. وهذا القول يصدق على الأردن.
فقد خفض الركود الاقتصادي العالمي النمو الاقتصادي في الاردن من ستة في المئة إلى ثلاثة في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية. ويبلغ معدل البطالة الرسمي في الاردن 12.5 في المئة ويزيد المعدل إلى مثليه للبطالة بين الشبان. كما تدفق أكثر من 550 ألف لاجيء سوري على الاردن الذي يعتمد على المساعدات الخارجية ويحتاج إلى كل قطرة من النفط والمياه ويبلغ عدد سكانه ستة ملايين نسمة.
وقال عريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات السياسية هنا إن أكبر المخاوف التي يعبر الاردنيون عنها في استطلاعات الرأي ليست سياسية.
وقال “الاولويات الخمس القصوى للأردنيين اقتصادية. ستجد أن الاصلاح السياسي رقم 10 أو 11.”
ومما يحسب للملك عبد الله (51 عاما)أنه واحد من أكثر ملوك الشرق الاوسط ليبرالية. فبعد أن ارتقى العرش في عام 1999 أشاد به كثيرون ووصفوه بأنه من المجددين. إلا أن اصلاحاته تباطأت في السنوات الأخيرة وتراجعت شعبيته.
وأثار مقال رسم صورة للملك ونشر في مجلة “ذي اتلانتيك” في شهر مارس اذار ضجة في الاردن. فقد نسب المقال الذي شكك فيه القصر الملكي إلى الملك انتقاده الشديد لقادة بالمخابرات وللاخوان المسلمين وشيوخ قبائل ودبلوماسيين أمريكيين وزعماء في المنطقة بل وعائلته. وقال إن الساسة المحليين أخفقوا في الاستفادة من الاصلاحات التي طبقها وسخر من البرنامج الاجتماعي والاقتصادي لاحد الأحزاب الوليدة.
ونسب المقال إلى الملك قوله “الأمر كله عبارة عن ‘سأعطي صوتي لهذا الشخص لانني من قبيلته’. أما أنا فأريد من هذا الشخص أن يضع برنامجا يبدأ الناس على الاقل في فهمه.”
لكن منتقدي الملك يصرون أن اصلاحاته وهمية. فالأردن له رئيس وزراء ومجلس نيابي منتخب لكن بوسع الملك أن يعزل رئيس الوزراء وأن يحل البرلمان حسبما يتراءى له. وفي السنوات الخمس الأخيرة عزل الملك ستة رؤساء حكومات.
ومن حسن حظ الملك عبد الله أن الجناح الاردني لجماعة الاخوان المسلمين يفتقر للحكنة السياسية مثل جماعة الاخوان في مصر. وقد قاطع الاخوان الاردنيون الانتخابات التشريعية هذا العام. وسمح الاقبال المعقول على التصويت للملك عبد الله أن يعلن أن الانتخابات تمتعت بالمصداقية لتصبح أكبر كتلة معارضة في البلاد بلا صوت في البرلمان.
وفي الوقت نفسه وفي ضوء القتال المستعر في سوريا وسعي وزير الخارجية الامريكي جون كيري لاستئناف مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين فإن واشنطن في حاجة إلى الملك عبد الله. وفي الاونة الأخيرة سكتت الاصوات المطالبة بالاصلاح القادمة من واشنطن.
وقال بلتشر المحلل بمجموعة الأزمات “في عام 2011 كانوا يطالبونه بالاصلاح بل وبسرعة. أما الان فقد أصبحت الرسالة أضعف كثيرا.”
ولاتزال المشاكل الاقتصادية الكبيرة قائمة في الاردن. وفي الشهر المقبل ستبدأ الحكومة تنفيذ زيادة في أسعار الكهرباء متفق عليها مع صندوق النقد الدولي وتأجل تطبيقها لفترة طويلة. وعندما نفذ في الخريف الماضي خفض في دعم الوقود يطلبه الصندوق تفجرت أعمال شغب.
ومن الخيال المحض أن يصدق المرء أن بوسع الملوك والقادة العسكريين أن يحققوا الاستقرار في الشرق الاوسط اليوم. وعلى عبد الله أن يطبق اصلاحات اقتصادية كاسحة ويعمل على القضاء على الفساد ويشرع في تسليم السلطة لحكومة منتخبة. وعلى واشنطن أن تشجعه في كل خطوة خلال هذا المشوار.
فلا يمكن ارجاع عقارب الساعة إلى الوراء في الشرق الاوسط. في الاجل القصير ينتظر أن تشهد المنطقة مزيدا من الاضطرابات. وفي الأجل البعيد سيتحقق الاستقرار من خلال النمو الاقتصادي لا من خلال نمو حكم الفرد.
من ديفيد رود
(المصدر : رويترز)