الطريق …العثرات نحو «جنيف2»
تفاقُم أزمة النازحين السوريين والنزاع العسكري على الأرض السورية، دفع 17 دولة إلى فتح أبوابها لهجرة السوريين، وفق ما صرّح به رئيس المفوضية العليا للّاجئين التابعة للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
توازياً، يتصارع أطراف الأزمة السورية على تحصيل ظروف مؤاتية ليفرضوا من خلالها شروطهم على طاولة مؤتمر “جنيف2″، المتوقع عقده منتصف تشرين الثاني المقبل.
التفاوض أو فرض المسارات:
كان الهاجس الرئيس للنظام السوري رفض الحديث عن تخلّي الرئيس بشار الأسد عن السلطة، وعدم التطرّق لترشّحه لولاية ثالثة تاركاً ذلك للزمن، ولعلّ سلوك النظام هذا الطريق هو ورقته الوحيدة للتفاوض، فإن تخلّى عن إحداها، سيسقط حتماً في براثن اللاعودة… لذا فإنّ النظام سيتمسّك بصلاحيات الرئيس والوزارات السيادية “الداخلية، الدفاع، الخارجية”، وقبوله بحصول المعارضة على الوزارات الأخرى، مردّه توزّع الحقائب الوزارية بينها بصيغة تُعزز إنقسامها، فيظهر كالطرف الأقوى في إدارة أمور البلاد.
فأهمية الوزارات السيادية تكمن في النقاط التالية:
– إنّ تخلّي النظام عن وزارة الدفاع، يعني تخلّيه عن قيادة الجيش، الذي يمثّل اليوم الحاضنة الأولى التي تدافع عن مناطق الموالاة وخصوصاً الطائفة العلوية التي ينحدر منها غالبية ضباط الجيش السوري، وهذا الأمر لا يريده المجتمع الدولي، ولربما كان هذا سبب ترحيب الفرنسيين بوزير الدفاع الأسبق الجنرال علي حبيب “العلوي” على أراضي فرنسا، رغبة منهم في أن يقود حبيب مرحلة إنتقالية عسكرية، تحافظ على ما تبقّى من ضباط الجيش السوري، تلافياً لتكرار التجربة العراقية.
– إنّ تخلّي النظام عن وزارة الداخلية للمعارضة، يعني أنّ الكثير من الملفات السرّية ستكون في يدها، وهذا سيسبّب مستقبلاً سلسلة من العقوبات على شخصيات من النظام ضمن مشروع قادم، وهو”العدالة الإنتقالية” فكل مجرم يجب ان يدفع ثمن جريمته.
– وزارة الخارجية: وهي أهم وزارة في عيون سكان قصر الشعب في دمشق، فهي المكلفة الدفاع والتفاوض على ملفات جدلية مثل محاكمة مجرمي إستخدام الكيمياوي، أو مجرمي الحرب في محكمة لاهاي. وبما أنّ الأزمة السورية حوّلت سوريا إلى مسرح صراعات دولية وإقليمية، فالنظام بات يعرف قيمة هذه الوزارة بشكل أوضح من المعارضة المنقسمة لعدة كتل تتوزع بين معارضة هيئة التنسيق التي يتزعمها في الخارج د.هيثم مناع، ويقودها من الداخل المحامي حسن عبد العظيم، معارضة الخارج المتمثلة بالإئتلاف الوطني بقيادة أحمد الجربا، المعارضة الديموقراطية الممثلة بإتحاد الديموقراطيين السوريين بقيادة ميشيل كيلو، المعارضة المسلحة غير المدرجة على لائحة الإرهاب، المعارضة التي ابتكرها النظام الممثلة بكتلتي الوزيرين قدري جميل وعلي حيدر.
طبعاً فإن “جنيف2” ربما يكون هدية وزير الخارجية الأميركية جون كيري للمعارضة السياسية السورية، التي فشلت في زرع سلطتها على الأراضي المحررة، وهو أيضاً هدية لوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف وإلى نظام الأسد، الذي فشل في إعادة سيطرة جيشه على أرجاء البلاد.
فسوريا اليوم الغنية بأمراء الحرب، تعاني من أوجاع التشتت الأمني والسياسي والإقتصادي، وغياب الخدمات والتطرف، ما حوّلها إلى ساحة تصفية، لاعباها الإقليميين هما إيران والسعودية، ولاعباها الدوليين هما الكرملين والبيت الأبيض. من هنا تجرّأ الأسد على التصريح علناً بضرورة إقصاء الأوروبيين عن المشاركة في جنيف2، في حين جاء الردّ الفرنسي بوصف الأسد كمجرم حرب.
الأوروبيون ودعم الديموقراطية
“الحرية والكرامة” شعاران لطالما ردّدهما الشعب السوري في تظاهراته، لكنّ الحرية لن تقبل أن يتبدل القمع العسكري بالقمع الديني، والأوربيون حكماً لا يريدون لجارتهم سوريا أن تصبح منطلقاً لتسلط الجماعات الراديكالية الجهادية، من هنا نفهم دعمهم لمشروع إتحاد الديموقراطيين السوريين الذي استقطب أكثر من 350 معارضاً وناشطاً سورياً في اسطنبول ما بين 28 و30 الشهر الماضي، والذي ينادي بدولة مدنية، ما يعني وجود خط أوروبي هدفه تقليص حجم الإسلام السياسي في سوريا.
في حين كان رد الكتل الإسلامية المختلفة المدعومة مالياً من الخليج العربي الحليف للأميركيين والأتراك، أننا الأفعل عسكرياً، ولن نرضى الذهاب إلى جنيف2 من دون شرعية ركيزتها خلع الأسد من منصبه، فأدرج 13 لواء إسلامي بيان رقم “1” مبيّنين فيه عدم الإعتراف بحكومة أحمد طعمة والإئتلاف إذا قبل بالتفاوض مع الأسد، ثم أتبع هذا البيان بتشكيل “جيش الإسلام” المكوّن من 51 لواء وكتيبة إسلامية تحت قيادة قائد لواء الإسلام زهران علوش.
من هنا بات الروس مضطرين للتصريح بقبولهم مشاركة المعارضة المسلحة في مفاوضات “جنيف2” مما يعني، احتمال وفاق مستقبلي بين “الروس والإسلاميين الجهاديين”، ويقابله في الضفة الأخرى احتمال وفاق “أميركي- إيراني” ساهم الروس بتحقيقه في ظلّ صفقة لترتيب الشرق الأوسط، والمحصلة المتوقعة:
حكومة إنتقالية سورية ذات صلاحيات واسعة تكون رئاستها لأحد أركان المعارضة، دستور ديموقرطي توافقي يراعي الشريعة الإسلامية، حصول المعارضة على وزارة سيادية كحد أدنى، ظهور نجم حبيب ومناف طلاس كطرفين توافقيين يعزلان الجيش عن الصراعات السياسية، ويحملانه مسؤولية قيادة عمليات ضد التنظيمات المتطرفة، وإشراك عدد كبير من تنظيمات الجيش الحرّ الى جانبهما، ضمان إستمرار حكم الأسد لنهاية ولايته، إقرار شكل إداري مستقبلي في سوريا يلغي السمة اللامركزية في الحكم، وطرح نظام إقتصادي منفتح.
طبعاً إذا تمّ التوافق أو لا، فعلينا توقع نقاط بالغة الأهمية في المرحلة المقبلة، ومن أهمها:
– تنامي الإغتيالات السياسية والعسكرية، ومساعي تنظيم دولة العراق والشام في فرض نفوذها في الشمال السوري، فضلاً عن تنامي الإستفزازات بين الكتل الكردية والعربية حول الهوية في الجزيرة السورية، وقتل عدد كبير من مقاتلي PKK ضمن الأراضي السورية بالتنسيق مع الإستخبارات التركية، واستمرار عمل لجنة نزع الأسلحة الكيماوية، وتدمير قسم كبير من الكيماوي السوري، إنحسار النفوذ الإيراني في دمشق، تحسّن مقبول في سعر صرف الليرة السورية واستقراره، الترهيب للنظام السوري باحتمال نقل ملفاته إلى جنيف2، ليقبل بتقديم تنازلات دائمة، إشعال حرب بين تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية وغيرها من تشكيلات الجيش الحرّ، الى جانب تنامي دور القبيلة في إدارة ملفات الخدمات والثروات في المناطق الشرقية “النفط، الغاز، القمح، القطن”.