الـعُـقـدة الـسّـوريّــة
بقلم: يوشكا فيشر “احد مؤسسي حزب الخضر الالماني”
الصراع في سوريا يجري على ثلاثة مستويات على الأقل: المحلي، والإقليمي، والعالمي. وبسبب السماح للتناحر هناك بالتفاقم والإنتشار، قُتِل نحو 250 ألف إنسان، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. وقد أعلنت وكالة الأمم المتحدة للاجئين هذا الصيف أن عدد اللاجئين الذين فروا من سوريا بلغ أربعة ملايين، بالإضافة إلى 7.6 مليون نازح داخليا. ومن ناحية أخرى، تحول تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا إلى واحد من أعظم التحديات التي واجهت الإتحاد الأوروبي على الإطلاق.
كما تحولت الحرب الأهلية الدائرة في سوريا إلى واحدة من أخطر الأراضي الخصبة لتوليد الإرهاب المتأسلم، كما أظهرت الهجمات التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أنقرة، وبيروت، وباريس، فضلاً عن تفجير طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء. وعلاوة على ذلك، تسبب إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية في تعظيم الخطر المتمثل في انجرار القوى الكبرى إلى الإقتتال بشكل مباشر. ذلك أن تركيا، بوصفها عضواً في حلف شمال الأطلسي، مؤهلة للحصول على مساعدات عسكرية من الحلف في حال تعرضها للهجوم.
ولا مناص، لكل هذه الأسباب، من إنهاء الحرب في سوريا في أسرع وقت ممكن. فليس الأمر أن المأساة الإنسانية هناك تتفاقم بمرور كل يوم تقريباً فحسب؛ بل وتتعاظم أيضاً المخاطر الأمنية الناجمة عن الحرب.
في أعقاب الهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس في الثالث عشر من نوفمبر، نشأت فرصة جديدة لإنهاء معاناة سوريا، لأن اللاعبين المهمين كافة (باستثناء داعش) أصبحوا الآن على استعداد للجلوس معاً إلى طاولة المفاوضات. ولكن برغم اتفاق كل الأطراف على محاربة داعش أولاً وقبل كل شيء، فيظل السؤال الأكبر القائم الآن هو ما إذا كانت عازمة حقاً على القيام بذلك.
يُعَد الأكراد في شمال سوريا والعراق المقاتلين الأكثر فعالية ضد داعش، غير أن طموحاتهم الوطنية تضعهم في خلاف مع تركيا. وتخوض كل من إيران والمملكة العربية السعودية الحرب ضد الأخرى في المقام الأول لأسباب تتعلق بالهيمنة الإقليمية، اعتماداً على جماعات لا تنتمي لدولة بعينها. وتقاتل روسيا سعياً لترسيخ مكانتها العالمية وضد أي شكل من أشكال تغيير النظام.
وبالتالي، تجد روسيا نفسها متحالفة مع إيران في دعم دكتاتورية الأسد، في حين تلاحق إيران بدورها مصالحها الجيوسياسية الخاصة من خلال دعم حليفها الشيعي في لبنان، حزب الله، الذي يشكل الظهير السوري بالنسبة له أصلاً لا غنى عنه. وقد أصبحت فرنسا أكثر جدية من أي وقت مضى بشأن مكافحة تنظيم داعش، في حين تشعر ألمانيا وغيرها من بلدان أوروبا بأنها ملزمة بمساعدتها ــ ووقف تدفق اللاجئين القادمين من المنطقة.
ومن ناحية أخرى، تتحرك الولايات المتحدة بحذر شديد، حيث يريد الرئيس باراك أوباما في المقام الأول تجنب توريط الولايات المتحدة في حرب أخرى في الشرق الأوسط قبل نهاية ولايته. ولكن مع بقاء القوة العالمية الرئيسية على الهامش، كانت النتيجة الحتمية نشوء فراغ قوة بالغ الخطورة، والذي يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى استغلاله.
ولأن الولايات المتحدة ترفض تولي القيادة، وأوروبا أضعف على المستوى العسكري من أن تتمكن بمفردها من التأثير على التطورات العسكرية في سوريا، فليس من المستبعد أن يتحقق الخطر المتمثل في نشوء تحالف بحكم الأمر الواقع بين أوروبا وروسيا بوتن. وهو خطأ فادح، لأن أي نوع من التعاون مع روسيا لن يحتوي أو ينهي الحرب في سوريا. في الواقع، هناك من الأسباب ما يجعلنا نخشى أن العكس هو الصحيح: ذلك أن أي تعاون عسكري مع الأسد ــ وهو هدف بوتين ــ من شأنه أن يدفع غالبية كبيرة من السُنّة المسلمين إلى أحضان المتأسلمين المتطرفين.
ويتجلى هذا الإتجاه بوضوح في العراق. فقد لعبت حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي التي هيمن عليها الشيعة دوراً حاسماً في دفع العراقيين السُنّة إلى التطرف وإقناعهم بدعم داعش. ومن الغباء الشديد أن نكرر نفس الخطأ عمداً في سوريا. والواقع أن إبرام مثل هذه الصفقة لا علاقة له بالسياسة الواقعية، لأن الحرب في سوريا من غير الممكن أن تنتهي مع بقاء داعش أو الأسد في الصورة.
ينبغي لأي تعاون غربي مع روسيا أن يتجنب نتيجتين: الربط بين سوريا وأوكرانيا (فقد نجحت المفاوضات مع إيران بشأن الحد من برنامجها النووي دون مثل هذا الربط) والتعاون العسكري مع الأسد. وبدلاً من ذلك، لابد من محاولة ربط التدخل العسكري ضد داعش، تحت رعاية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالتوصل إلى اتفاق بشأن عملية الإنتقال السياسي التي تبدأ بالهدنة وتنتقل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لسوريا وإنهاء نظام الأسد.
لا يخلو الأمر من تحديات أخرى كبيرة تلوح في الأفق بعيداً عن سوريا: ذلك أن انزلاق العراق إلى الفوضى، وارتباطه الوثيق بالمأساة السورية، يهدد بتحويله إلى مسرح جديد للصراع بين إيران والمملكة العربية السعودية. وما لم يتم احتواء هذا العراك لفرض الهيمنة إقليمية، فسوف تندلع حتماً حروب أخرى بالوكالة، مع كل المخاطر التي ينطوي عليها ذلك.
في نهاية المطاف، سوف تدور رحى المعركة الحاسمة ضد المتطرفين المتأسلمين داخل المجتمع السُنّي. ولكن أي شكل من أشكال الإسلام السُنّي سوف تكون له الغَلَبة ــ النسخة الوهابية السعودية أو نسخة أكثر حداثة واعتدالا؟ هذا هو السؤال الحاسم في القتال ضد داعش وأمثالها. وفي هذا السياق، يتمثل أحد العوامل المهمة في الكيفية التي يتعامل بها الغرب مع مسلميه ــ كمواطنين مرحب بهم ومتساوين مع غيرهم من المواطنين في التمتع بالحقوق والإلتزامات، أو غرباء دائمين وذخيرة لمجندي الجهاديين.
المصدر: (موقع بروجيكت سينديكيت).