اللجنة الدستورية بين الواقعية وإغراق التفاصيل
بقلم: عصام خوري “الناس نيوز“
صفة “الحرب الأهلية السورية” المرفوضة من المعارضة والسلطة السورية، باتت وفق قرار مجلس الأمن 2254 (2015) أمرا واقعيا، حيث ينص مجلس الأمن على ضرورة إصلاح دستوري يطرح للموافقة العامة، كإسهام في التسوية السياسية في سوريا، على أن يشارك فيه ممثلين من السلطة، والمعارضة، والمجتمع المدني.
فعليا هكذا إجراء طالما أنه لا يتم في العاصمة السورية، ويجري في جنيف وتحت إشراف الأمم المتحدة، لهدف جمع طرفين متخاصمين، فهو وبدون أدنى شك يقع ضمن تصنيفات الحرب الأهلية، وموافقة المعارضة والنظام السوري على هكذا الطرح هو تشريع منهما بأن الثورة السورية تحولت إلى حرب أهلية.
اللافت في قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، أنه لم يدرج أولويات في معالجة الملفات المتنازع عليها بين السوريين، فمثلا ملف المعتقلين والمختفيين قسريا الذي يمثل ركيزة الملفات التي تطالب بها المعارضة منذ عام 2011، تحول إلى ملف شبه منسي، وبات الاهتمام الأممي قائما على الهيئة العليا للمفاوضات، واللجنة الدستورية.
حيث صرح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 23 أيلول/سبتمبر 2019: “اللجنة الدستورية يمكن، ويجب أن تكون بداية المسار السياسي للخروج من المأساة، نحو حل يتماشى مع القرار 2254 (2015)، الذي يلبي التطلعات المشروعة لجميع السوريين، ويرتكز على التزام قوي بسيادة البلاد، واستقلالها، ووحدتها، وسلامة أراضيها. ويجب أن يكون إطلاق اللجنة الدستورية، وعملها مصحوبين بإجراءات ملموسة لبناء الثقة، فيما يقوم مبعوثي الخاص بتنفيذ ولايته لتسهيل المضي بعملية سياسية أوسع إلى الأمام”[1].
ولنفهم واقع عمل اللجنة الدستورية علينا في البداية، التعرف على أبرز مهامها، وهي:
- مراجعة دستور 2012 الذي أعده النظام السوري في سياق التجارب الدستورية الأخرى.
- تجسيد المبادئ الاثني عشر الحية السورية الأساسية[2] نصا وروحا في الدستور السوري.
- تعديل الدستور الحالي “2012”، أو صياغة دستور جديد.
تقنيا العمل الدستوري ضمن فريق متجانس وموحد الهدف، هو أمر مضني ويحتاج لخبرات ومشرعين مميزين، وجميعنا ندرك أن النظام السوري تعايش ما يقارب 39 عاما مع دستور عام 1973، الذي كرّس عبره نظام السلطة المطلقة لحزب البعث على الدولة والمجتمع، ومنها نحو أسرة الأسد، لذا كان الدستور 2012 حدثا كبيرا بالنسبة لنظام أمني عصيّ عن التطوير والتحديث.
من هنا ندرك أن صياغة دستور جديد ضمن اللجنة الدستورية، ستكون أمرا شديد التعقيد لمشرعي النظام السوري، وقد يستغرق ذلك عقودا من المفاوضات داخل اللجنة الدستورية، لذا من الأفضل للمعارضة العمل على تعديل دستور 2012، بحيث يغدو أكثر حيوية وتوازنا مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
إلا أن دستور 27 فبراير/شباط 2012، تعمّد في بنوده وجود ثغرات دستورية تجعل المبادئ الاثني عشر غير ممكنة التحقيق، وهو ما يتنافى مع مهام اللجنة الدستورية، فمثلا، تنص المادة الرابعة من المبادئ الاثني عشر، على التالي:
(تكون سوريا /الجمهورية العربية السورية (2) دولة ديمقراطية (3) غير طائفية تقوم على التعددية السياسية والمواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين والجنس والعرق، مع الاحترام الكامل وحماية سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء والمساواة الكاملة بين جميع المواطنين والتنوع الثقافي للمجتمع السوري، وصيانة الحريات العامة بما في ذلك حرية المعتقدات).
بالتأكيد هذه المادة جميلة، ولكنها تتعارض مع الشرط الذي يحدد منصب رئيس الجمهورية العربية السورية (دين رئيس الجمهورية بالإسلام) مما يعني أن السوريين الأيزيدين، والسوريين المسيحيين، والسوريين اليهود المولودين في سوريا مواطنين غير متساويين مع باقي فئات المجتمع السوري.
بالتأكيد هذه المواد المتعارضة في دستور 2012، هدفها الحقيقي خلق إرباكات بين عموم الأطراف السورية، التي تسعى لإيجاد مخرج دستوري ناضج يخرج البلاد من الحرب الأهلية، فالنظام السوري الذي يدعي العلمانية يحاول إرباك المعارضة السورية التي رفضت ربط الإسلام بدين الدولة، بأنها لم تراعي الإرث التاريخي الممتد من عام 1920 لليوم “حول أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مسلما”، والمضحك بالأمر أن رئيس الجمهورية العربية السورية منذ عام 1970 وحتى اليوم هو سوري علوي، وهذه الطائفة تدرج ضمن الفئات المسلمة في خانة القيد، ولكنها بالحقيقة مختلفة جذريا عن الديانة الإسلامية[3].
وبعيدا عن إشكالية الدين في المادة الرابعة، نرى في نفس المادة عبارة “الفصل بين السلطات”، وهي عبارة تتعارض كليا مع صلاحيات رئيس الجمهورية التي نصها دستور 2012، وهي:
تسمية نوابه وإعفائهم وتفويض بعض صلاحياته لهم. تسمية رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم، وقبول استقالتهم وإقالتهم. رسم السياسة العامة للدولة بالتعاون مع مجلس الوزراء المعين من قبله. إصدار القوانين وردها إلى مجلس الشعب، فإذا أعاد المجلس إقرارها بأغلبية الثلثين اعتبرت نافذة دون توقيعه. المادة لم تحدد مدة بقاء القانون لدى الرئيس دون ردّ أو إصدار قبل اعتبارها نافذة. إعلان الحرب والسلم والتعبئة العامة. إعلان حالة الطوارئ وإلغائها لمدة مفتوحة، بمرسوم يقرّه مجلس الوزراء. اعتماد السفراء الأجانب وتعيين السفراء السوريين لدى الخارج. قيادة الجيش والقوات المسلحة بما فيها إصدار جميع “القرارات والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة”. تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين. رئاسة المجلس الأعلى للقضاء. إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية. | إصدار العفو الخاص ومنح الأوسمة ومخاطبة الشعب. حل مجلس الشعب. اقتراح القوانين. إعداد وإصدار القوانين خارج دورات انعقاد مجلس الشعب أو أثناء انعقادها “في حالات الضرورة” على أن يكون للمجلس حين انعقاده إلغائها، فيما يعرف باسم “المراسيم التشريعية”. جميع الإجراءات السريعة التي يراها مناسبة في حال تعرض البلد للخطر. تشكيل اللجان والجمعيات الخاصة. استفتاء الشعب، ولا يجوز للمحكمة الدستوريّة العليا الاعتراض حتى لو كان موضوع الاستفتاء مخالفًا للدستور. تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، التي من واجباتها محاكمته. إحالة الوزراء إلى المحاكمة. اقتراح تعديل الدستور، بناءً على طلبه أو ثلث أعضاء مجلس الشعب. |
وفعليا صلاحيات رئيس الجمهورية تكرس مفهوم الحكم الرئاسي الأحادي، أي أنها تلغي ما سعى له السوريين في ثورة عام 2011، وما يلاحظ على النظام في مفاوضاته داخل اللجنة الدستورية، أنه متمسك بصلاحيات رئيس الجمهورية الذي يمتلك أهلية ترشحه لمرتين متواليتين كل منها سبع سنوات، دون النظر لفترة حكم بشار الأسد السابقة والتي استغرقت ٢١ عاما، مما يدلل أن المفاوضين الذين أرسلتهم الحكومة مختصين بأمر واحد، وهو وضع العصي في العجلات، لهدف عريض هو تأخير الحل السوري، القائم على خلق حكومة سورية انتقالية، تنهض البلاد من حربها الأهلية، وتوحد الجيوش، والمليشيات المتناحرة في جيش واحد يحمل علم واحد، ويحافظ على وحدة التراب السوري.
لذا من الضروري على الحكومات الراعية لمسار قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، أن تغيير من آليات عمل تشكيل الهيئة الدستورية، بحيث يفرض على النظام السوري وعلى المعارضة إرسال تكنوقراط مطلقي الصلاحية إلى جنيف، مهمتهم الإقامة في جنيف لمدة زمنية محددة لخلق دستور سوري عصري، ومن الضروري لهذه الهيئة الجديدة أن تمارس مهامها بعيدا عن التأثيرات والضغوط الأمنية التي يمارسها النظام الأمني السوري، والقوى الإقليمية، والدولية، لضمانة خروج دستور سوري-سوري، وهو ما يتماشى مع المادة الثالثة من المبادئ الاثني عشر، التي تنص على التالي:
(يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع، ويكون له الحق الحصري في اختيار نظامه السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي دون أي ضغط أو تدخل خارجي، ووفقاً لواجبات سوريا وحقوقها الدولية).
[1] https://specialenvoysyria.unmissions.org/ar/%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9
[2] https://www.aa.com.tr/ar/%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A/%D9%86%D8%B5-%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%A6-%D8%A7%D9%84%D9%80%D9%8012-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9/987557
[3] https://www.etccmena.com/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d8%a6%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b5%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9/