المسيحيون في رأس العين من مكون رئيس إلى أقلية
“راشو عينو” هو الاسم الذي اطلقه مسيحيوا منطقة الجزيرة على المدينة التي ساهموا بتاسيسها وهم الان يبتعدون عنها رويدا…رويدا..
هذه المدينة التي عرّب اسمها النظام السوري لتصبح باسم “رأس العين” في حين اصر الكورد فيها على تسميتها باسم “سري كانييه” ولعل تعدد الاسماء لهذه المدينة حتى هذا اليوم هو دلالة على مدى الخلافات الثقافية والقومية التي تعيشها الجزيرة السورية التي تحمل فيها اكبر تنوع اثني وطائفي في سوريا.
مركز التنمية البيئية والاجتماعية وعبر مستشاره في اقليم الجزيرة السورية يقدم لكم جزء من مقال نشره في موقع كلنا شركاء بتاريخ 6كانون الاول 2016 يتناول الوجود المسيحي في هذه المدينة:
بقلم: المحامي حسن برو
رغم الاختلافات السياسية والدينية والمذهبية كانت العلاقات الاجتماعية بين أبناء المنطقة جيدة بشكل عام ، وكان النظام دائماً يعمل باتجاه توتير العلاقة بين المكونات، أو زرع بذرة الفتنة لتظهر بين فترة وأخرى بشكل توترات فردية تأخذ طابع صراع طائفي أو ديني سرعان ما كان يتم تطويقها من قبل العقلاء بين الأطراف والأحزاب الكردية والتي كانت تسعى دائماً لكسب المكونات الأخرى إلى جانبها.
وبشكل عام قامت الطائفة المسيحية كأقلية تحافظ على الحياد في مجمل التوترات الحاصلة في مدينة رأس العين، باستثناء القلة منهم كانت تقوم بتأييد سياسات النظام ضد الكرد في جميع المشاريع “العنصرية المطبقة بحق الشعب الكردي ومنها الاحصاء الاستثنائي والحزام العربي” وأخرها ما حصلت من أحداث في آذار/مارس 2004، إلا أن الكنائس المسيحية كانت تقوم بضبط الأمور وعدم التدخل أو التوتير مع جيرانهم الكرد رغم محاولة النظام المتكررة من خلال أجهزتها بخلق هذه التوترات أو عدم الوئام بينهم.
كما أن غالبية المسيحيين كأحد أطراف التحالف الملي التي كانت تبتع لعائلة إبراهيم باشا الملي كانت تعطي العلاقة مع الكرد خصوصية لهم، وتخلق التوازن النفسي لهم في وسط تسلط النظام البعثي وتفضيل العنصر العربي العشائري على غيره من المكونات.
الطوائف المسيحية في المدينة:
الأغلبية يقطنون المدينة بعد أن هاجر القسم الأكبر منهم إلى المدن الداخلية (حلب – دمشق) بعد أن تركوا القرى والزراعة لقلة مردودها وعدم تغطيتها حاجاتهم وهم لا ينتمون إلى أصول عشائرية لكنهم يتوزعون اجتماعياً حسب المذاهب الدينية (سريان أرثوذكس – سريان كاثوليك – أرمن أرثوذكس – أرمن كاثوليك)، ولكن ونتيجة لبعض العوامل الاجتماعية والصراعات الداخلية في كل مذهب بدأوا يأخذون طابعاً عشائرياً يتمثل بالتسمية المكانية لأصل كل فئة فتم تسمية “القصوارنة” أي الجماعة التي تنتمي أصولها لقرية القصور و”الأزخنيين” الذين ينتمون إلى أزخ و “الطوارنة” الذين قدموا إلى القطر من جبل طور.
وبالمطلق ساهم المسيحيون وبخاصة الأرمن بعد تعرضهم للمذابح على يد الطورانيين بين عامي 1911 و1915 بتأسيس مدينة رأس العين، لأن أغلب سكان المنطقة كانت تعيش حالة من البداوة إلى منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وكانت العشائر الكردية والعربية تجوب المنطقة بحثاً عن الكلأ والماء، بينما ظهر الاستقرار بشكل واضح بعد فترة الاستقلال وتسديد الحدود السورية التركية وترسيمها بشكلها النهائي 1939.
ومن أبرز الشخصيات المسيحية التي كانت لها بصمة واضحة في التقدم الاقتصادي والاجتماعي في المدينة هي شركة “أصفر ونجار” والتي كانت تقوم باستئجار الأراضي الزراعية من أبناء عائلة إبراهيم باشا الملي وتستجر مياه الخابور لزراعتها إلا أن جمال عبد الناصر قام بتأميم تلك الشركة إبان الوحدة بين سوريا ومصر عام 1961.
وبحسب التقسيم المحلي للطوائف المسيحية في المدينة فأنهم ينقسمون:
بشكل عام البلدة القديمة كان يسكنها المسيحيون والشاشان والملية “عائلة إبراهيم باشا الملي” وأبناء عشيرته من “الديوان وجمال دينا وكويران” ولكن توسع المدينة تم بعد هجرة العرب والكرد من المدن الأخرى باتجاهها.
1-السريان الأرثوذكس: تعدادهم حوالي /70/ عائلة يشكل القصوارنة الثلثين والمردلية الثلث الباقي وتتبع هذه الطائفة التقويم الشرقي (الكرسي الأنطاكي بدمشق)، لديهم كنيسة تدعى كنيسة “مار توما الرسول” للسريان الأرثوذكس المشرف الروحي عليها القس لامع يعقوب بن لويس.
2 – السريان الكاثوليك: هم تجمع لعدة مذاهب كاثوليكية تتبع التقويم الغربي تجمعوا في كنيسة واحدة لقلتهم، يبلغ تعدادهم /22/ عائلة لديهم كنيسة تدعى: كنيسة مريم المجدلية للسريان الكاثوليك، والمشرف الروحي عليها الكاهن حنا ججي بن فرمو.
3- الأرمن الكاثوليك: ليس ليدهم أي كنيسة بالمنطقة، إنما يتبعون لكنيسة السريان الكاثوليك المذكورة أعلاه، وعددهم قليل لا يتجاوز العشر عائلات.
4- الأرمن الأرثوذكس: تعدادهم قليل جداً فقد هاجر أغلبهم إلى حلب، لديهم كنيسة ليس لها أي نشاط ديني بسبب قلة عددهم ولا يتجاوز عددهم العشرة أيضاً.
وبشكل عام هاجر معظم المسيحيون باتجاه أوربا (السويد وألمانيا) بعد أن دخل الجيش الحر للمدينة في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012، حيث كان يغلب على تلك الكتائب أو الجيش الحر الطابع الإسلامي لتتحول فيما بعد إلى جبهة النصرة، وكان اختطاف شابين مسيحيين من قبل الكتائب الاسلامية في عام 2013 سبباً رئيساً للهجرة وهما “يونان قسطنطين يونان وماركو هاكوب ملاطيوس”.
إضافة إلى أن غالبية الاشتباكات التي وقعت في المدينة كانت في المنطقة التي يسكنها المسيحيون.
المشاركة المسيحية في الثورة:
ربما لم يعلن الكثيرون عن تأييدهم للثورة بشكل علني ولكن البعض منهم كان يسر في المجالس الخاصة بوجود أخطاء من قبل النظام في معالجة ملفات الفساد وارتكاب بعض المظالم، إلا أنهم لم يكونوا من المعارضين بشكل عام للنظام، كما ان التخوف من المد الإسلامي وسيطرة الاسلاميين عل الثورة الاسلامية كانت السبب الرئيس من التخوف من الثورة السورية، رغم انضمام بعض الأشخاص على الصعيد المحلي للثورة والخروج في التظاهرات، لكن بقيّ المسيحيون بشكل عام بعيدون عما يجري في الشارع كما مراقبين على الحياد.
المسيحيون بعد سيطرة وحدات الحماية الكردية على المدينة:
هاجر غالبية المسيحيين المدينة باتجاه الدول الأوربية لم يبقى فيها سوى أقل من مئة فرد فقط الآن، وذلك بعد انتهاء الاشتباكات بين وحدات حماية الشعب والكتائب الاسلامية (غرباء الشام والنصرة وداعش) فيما بعد ، رغم أن الادارة الذاتية اهتمت بالمكونات الأخرى وعملت على إظهار نفسها بأن تمثل أخوة الشعوب والمكونات المتعايشة في المدينة والبعض منهم موجود في المجلس التشريعي، كما يشارك حزب الاتحاد السرياني وحزب الديمقراطي الآشوري في جميع الهيئات والوزارات المشكلة من قبل الادارة الذاتية الديمقراطية، كما تشكل السوتورو السريانية إحدى الوحدات العسكرية التابعة للإدارة.
لذلك لم يكن في أعياد هذه السنة سوى قداس واحد في المدينة في كنيسة السريان الأرثوذكس، وبذلك فقدت المدينة إحدى مكوناتها الأصيلة والتي كانت تعتبر المدينة “مدينة التآخي والعيش المشترك” ويشبهها الكثيرون بأنها سوريا الصغرى لتعايش المكونات الدينية والإثنية ففيها الكرد والعرب والسريان والأرمن والشاشان والتركمان والايزيديين والمسيحيين والمسلمين.