المليارات تتدفق لتسليح المقاتلين وحرائر سورية ضحايا لتجار البشر
عبد الباري عطوان
في محاضرة القاها في جامعة اليرموك في مدينة اربد المحاذية للحدود السورية، اكد السيد حسين المجالي وزير الداخلية الاردني وجود حالات اتجار بالبشر في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، مثلما تحدثت العديد من التقارير الصحافية عن استغلال جنسي بشع للقاصرات السوريات تحت مسميات زواج السترة، في الاردن ولبنان والعراق ومصر وتركيا.
اكثر من مليوني سوري غادروا بلادهم طلبا للامان والعيش الكريم في دول الجوار وهي دول وعدتهم بدعم الثورة السورية واسقاط النظام بالتالي، مؤكدة ان اقامتهم في مخيمات اللجوء ستكون مؤقتة لبضعة اسابيع او اشهر فقط، يعودون بعدها الى بلادهم منتصرين لاقامة نظام ديمقراطي عادل يحقق الرخاء والاستقرار.
الفضائيات العربية مارست اكبر حملة خداع وتضليل للشعب السوري، وكل الشعوب العربية من خلال تقارير قالت انها ميدانية حول قرب سقوط النظام، وقبلها من خلال شهادات شهود العيان، وكان بعض هؤلاء في غرفة اخرى داخل المحطة نفسها او في احد مكاتبها خارج سورية.
هذه الفضائيات المهتمة بما يجري على الارض من مواجهات لا تعير اهتماما كبيرا للسبايا السوريات، ولا تهتم مطلقا بعمليات الاتجار بالبشر، وهي كلمة مخففة للدعارة، مثلما تتجاهل تماما الاوضاع المزرية في ليبيا واليمن، لانها لا تريد ان تدين نفسها وتفضح اجندتها السرية.
ما يحيرني شخصيا هذا الكرم الحاتمي العربي المتمثل في رصد اكثر من عشرة مليارات دولار من اجل دعم المعارضة السورية المسلحة وتسليحها، ولكن لا يرصدون خمس هذا المبلغ لرعاية اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء لتوفير العيش الكريم لهؤلاء وحماية اعراضهم من الذئاب البشرية المتوحشة التي تريد افتراس القاصرات واسترقاقهن تحت مسميات عديدة، ووفق فتاوى جاهزة يطلقها بعض الشيوخ المدعين.
من لا يتحرك لسترة اللاجئين السوريين واعراضهم لا يمكن ان يكون صادقا في ادعاءاته “الفضائية” بالعمل على تحرير سورية من الديكتاتورية، واستبدالها بنظام ديمقراطي وعدالة اجتماعية، ورفع رايات الاسلام الوسطي الصحيح، وكأن سورية بلد يقطنها كفار قريش.
لم نسمع مطلقا بجهاد النكاح في ذروة انطلاق المقاومة الفلسطينية وقبلها الثورة الجزائرية، لم نقرأ ابدا عن هذه الظاهرة في حرب البوسنة، او الجهاد في جنوبي الفلبين وتايلند او الشيشان.
ما يقرب من مليوني عراقي لجأوا الى سورية والاردن اثناء الغزو الامريكي وفي ذروة التفجيرات والسيارات المفخخة عامي 2006 و2007، ولم نسمع عن زواج السترة، او جهاد النكاح، او زواج قاصرات من رجال في الستين او السبعين والثمانين والتسعين ببضعة دنانير مسمومة، والسبب بسيط لانهم وجدوا من يرعاهم ويحمي اعراضهم.
لا نلوم الآلاف من اللاجئين السوريين الذين قرروا وضع حد لمعاناتهم في مخيمات الاذلال والعودة الى وطنهم وبيوتهم، ومواجهة الموت والجوع على بيع بناتهم القاصرات لعواجيز متصابين ببضعة دراهم بسبب الحاجة والفقر.
نعم هناك زيجات شرعية تقوم على التكافؤ وبين ازواج وزوجات متقاربين في السن وبرضاء جميع الاطراف، وهذا امر طبيعي، فالمرأة السورية العفيفة المهذبة وكلهن كذلك، كانت دائما مطمح الكثيرين من الباحثين عن الزوجة الصالحة والسكنى الهانئة، ولكننا نتحدث هنا عن عمليات السمسرة والاستغلال البشع للظروف الصعبة التي يعيشها السوريين الذين يتعيشون على فتات مساعدات الامم المتحدة بينما يدخل على خزائن اشقائهم الذين يريدون تحرير بلادهم من الديكتاتورية اكثر من 700 مليار دولار سنويا كعوائد نفطية لا يعرفون كيف يتصرفون بها.
ما جرى ويجري في سورية حاليا امرا معيبا، وما جرى ويجري في مخيمات اللجوء لابنائها معيب اكثر، ومن يريد “تحرير” سورية عليه ان يقدم النموذج في رعاية ابنائها في هذه المخيمات اولا، وان يثبت عمليا انه ليس بارعا في الهدم وانما في البناء ايضا، بناء الانسان السوري على وجه التحديد، فمن لا يستمع الى استغاثات المحرومين واطفالهم ونسائهم في مخيم الزعتري ويدير وجهه للناحية الاخرى لا يمكن ان يتولى اعمار سورية الذي سيكلف اكثر من مئة مليار دولار.
(المصدر: رأي اليوم)