انتصار الاخوان المسلمون عبر روسيا
بقلم: عصام خوري
“انتم المثقفون ودعاة ما يسمى حقوق انسان عددكم لا يتجاوز 200 عنصر وفي ابعد تقدير 500، ومع المتعاطفين معكم لن تتجاوزوا الالف، يعني باستطاعتنا وضعكم جميعا في زنزانة واحدة حتى تتثاقفوا فيما بينكم ونرتاح منكم” الكلام لعميد في جهاز امن الدولة عام 2007، وقد ترفع هذا العميد بعد عبارته هذه الى رتبة لرتبة لواء.
بالتاكيد كلام هذا العميد كان صحيحا قبل عام 2011، ولكن بعد آذار 2011، وجدنا ان عدد من يناصر دعاة المجتمع المدني قد تجاوز رقم المليون وفي اكثر من مدينة سورية، كانت تلك مفاجأة لنا قبل ان تكون مفاجأة للاجهزة الامنية السورية، لم نعرف في حينها من هو مع الاخوان المسلمين او من هو معنا، فحركة الاخوان المسلمين حركة سرية استطاع حافظ الاسد اقصائها عن المجتمع السورية وتحويلها لاقلية سياسية ضمن مجموع الاقليات السرية السياسية السورية. ولكن تلك الاقلية كان لها ثأر مع النظام الامني السوري، وهذا الثأر لم يقبلوا بحله سياسيا فتحالفوا مع داعمين اقليمين ليضخوا السلاح في المجتمع السوري السلمي محولين الثورة الشعبية الى حرب اهلية وفق تصنيف الصليب الاحمر عام 2012، طبعا هذا التحول صبّ في مصلحة النظام الامني السوري الذي لم ولن يفهم يوما آليات التغيير السياسية، لانه مشبع بروح السادية والقمع. طبعا الحرب الاهلية وفرت للنظام الامني الذريعة لان يغالي في قتله للمدنيين محولا حربه الاهلية الى حرب دينية قذرة راح ضحيتها الكثير من شباب الشيعة والسنة في بلاد الشام والعراق.
انتصار الاخوان المسلمين عام 2018 على الاسد:
بعد اجتماع سوتشي في كانون الثاني 2018، حصل توافق روسي-تركي- ايراني مفاده تسليم تركيا منطقة الشمال الغربي السوري، على ان تلتزم تركيا وشركائها الخليجيين بوقف الدعم المالي والعسكري لاذرعهم العسكرية في الغوطة الشرقية قرب دمشق، لهدف تهجير اهلها الى الشمال السوري. وخلال فترة قياسية “شهرين” تحقق انتصار كاسح للروس وحلفائهم السوريين والمليشيات الشيعية في الغوطة الشرقية ادى في نهاية المطاف لتهجير اكثر من 200 الف نسمة من الغوطة الشرقية نحو الشمال السوري.
كانت تلك الصفقة واحدة من انجح الصفقات المؤسسة لتكوين هوية حقيقية على الارض السورية لتنظيم الاخوان المسلمين، الذي يمتلك عسكريا القوى الاكبر في الشمال الغربي السوري، عبر ما يسمى “جبهة تحرير سوريا” التي تضم كتائب عسكرية مدعومة من الاستخبارات التركية. وهذه الكتائب ستحصل وبمباركة دولية على دعم عسكري كبير كي تقضي على تنظيمات متطرفة آخرى مثل (الحزب التركستاني، هيئة تحرير الشام)، مما يخولها ان تخلق كنتون سوري منعزل عن مناطق سيطرة النظام، وفي هذا الكنتون هي قادرة على تأسيس هيكل مؤسساتي موالي لافكارها وما كانت لتحلم به زمان حافظ الاسد، مما يعني ان اسرة الاسد خسرت مساحة واسعة من سوريا الى خصمها التاريخي الاخوان المسلمين المدعوم تركيا وقطريا.
خسائر السعودية والمرابح التركية:
فشلت السعودية بالدفاع عن اذرعها العسكرية في سوريا، حيث بدأ “جيش الاسلام” الممول سعوديا بمغادرة الغوطة الشرقية نحو الشمال السوري، مما سيجعله فصيلا عسكريا بلا سلاح ثقيل وتحت وصاية الاستخبارات العسكرية التركية المعروفة بتحالفها مع دولة قطر العدو الاول للمملكة العربية السعودية. وبالتاكيد سيضطر مقاتلي جيش الاسلام التحالف مع خصمه في الغوطة “فيلق الشام” المدعوم من الاخوان المسلمين في جيش واحد في ادلب وريف حلب الشمالي ليوجها سلاحهما معا بتوجيه من تركيا ضد مقالتي حزب العمال الكوردستاني وتنظيم النصرة الارهابي.
تركيا بهذا الشكل ستقاتل الارهابيين بصفوف امامية من السوريين، وستسعى لان توطن اسرهم في الشمال الغربي لتخلق جدارا عربيا ضد احلام التوسع الكوردية في الشمال السوري، وعملها هذا لن يكون احتلالا مباشرا، بل سيتشابه مع زمن الوصاية السورية على لبنان التي امتدت لما يقارب الثلاثين عاما مابين (1976-2005) استطاع من خلالها النظام السوري تاسيس حليف طائفي استراتيجي له هو “حزب الله وحركة أمل”، وكما يبدو تركيا ستفعل الامر ذاته عبر “حركة الاخوان المسلمين”.
خسارة المخابرات السورية الطائفية:
استطاع حافظ الاسد تشكيل جهاز امني ضخم، ونوعه بطوائف سوريا مجتمعه، و جعل مفاتيح القرار بيد عشائر العلويين الكلازية في قناعة منه انهم سيكونون الاكثر اخلاصا لضمان استمرار حكم اسرته في سوريا لمدة طويلة. ولكن هؤلاء الطائفيين العسكريين لم يكونوا بدهاء حافظ الاسد، فخسروا بطائفيتهم الامنية مساحات كبيرة من سوريا، لتصبح سوريا اليوم مقسمة لثلاثة مناطق رئيسية.
1- منطقة تحت النفوذ الاميركي: وفيها اهم الثروات النفطية وسلل الغذاء السورية “قطن، قمح”.
2- منطقة تحت نفوذ الاخوان الاتراك: الذين سيسلموها للاخوان المسلمين.
3- منطقة المدن الهامة (دمشق، حلب، اللاذقية): وهي منطقة تحت النفوذ الروسي.
كل السوريين اليوم باتوا مدركين انهم ألعوبة بيد القوى الاقليمية والدولية الكبرى وتحديدا “روسيا واميركا”، والشخصيات التي تطل على الاعلام من المعارضين وصولا الى بشار الاسد ماهي الا كومبارس لتمرير مشروع وحيد وهو تقسيم سوريا وجعلها اشلاء متناحرة ومتحاربة يكون ضحيتها الوحيد الشباب السوري.
اما دعاة حقوق الانسان الذين لم يتجاوزوا في عددهم ال500 شخص قبل عام 2011، فقد زاد عددهم وباتوا منتشرين في عموم المناطق السورية، واصبح صوتهم اقوى والاهم انهم الوحيدين الذين لم يتلوثوا بالدماء، وعليهم واجب جديد وهو ان يوسعوا قنوات عملهم ليخلقوا سوريا الجديدة للسوريين.