انفجار بيروت والقصة الكاملة
بقلم: عصام خوري
ذعر اللبنانيين بانفجار يوم ٤ أغسطس/ آب ٢٠٢٠ الذي تسبب بخسارة اللبنانيين لأهم مرفأ في لبنان وهو مرفأ بيروت الذي تعود ادارته التشغيلية لشركة الحاويات المملوكة لشركة CMA التي يرأس مجلس ادارتها رجل الاعمال السوري-الفرنسي جاك سعادة، والمعروف أن سعادة شخصية مقربة جدا من دوائر القرار الفرنسية، ولعل هذا هو السبب الرئيسي الذي دفع الرئيس ماكرون لزيارة لبنان وتفقد مرفأه.
العنبر ١٢:
يدار مرفأ بيروت حكوميا من قبل فريق اداري يتزعمه حسن قريطم، الذي كان في هذا المنصب زمان حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري “عندما كان لديه دعم من الحكومة السعودية زمان الملك عبد الله، ولكن الدعم انقطع عنه في زمن ولي العهد سليمان بن عبد العزيز”، واستمر نفس هذا الفريق في مرفأ بيروت مع حكومة الرئيس حسان دياب “الموالية لحزب الله”.
في ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٣ دخل لمرفأ بيروت سفينة روسية تحمل علم دولة جمهورية مالديفيا، وهي محملة بشحنة كبيرة مقدارها ٢٧٥٠ طن من نترات الأمونيوم مصدرها أوكرانيا وتنقل هذه الحمولة إلى موزامبيق، ولكن هذه الباخرة احتجزت في مرفأ بيروت بسبب مخالفتين بحقها، وفي شهر أيار/مايو ٢٠١٤ تم إقرار تفريغ حمولة الباخرة، واحتجازها ضمن العنبر رقم ١٢.
اللافت للنظر أن العنبر ١٢ قادر على استيعاب حمولة أكبر من كمية ٢٧٥٠ طن من نترات الامونيوم، ومع ذلك كان مغلق ولم تحمل فيه أي حمولة شرعية طيلة ٦ سنوات.
قوة الانفجار والسرقة:
تم الانفجار الساعة السادسة وثماني دقائق مساء في العنبر رقم ٩، وبعد ٣٣ ثانية امتد الانفجار نحو العنبر ١٢ مسببا انفجارا هائلا، وسبب وفق مقياس رختر قوة زلزالية توازي ٤.٥ حسب المرصد الأردني للزلازل، ودمر الكثير من المباني في الاحياء المجاورة للمرفأ (حي الكارنتينا، الدورة، زيتونة بي، الجميزة)، واللافت للنظر أن قوة الانفجار كسرت زجاج الكثير من المنازل التي تبعد قرابة ١٠ كم من المرفأ مثل منطقة (المنصورية، سن الفيل).
بالتأكيد هذا الانفجار هائل، ولكن عبر تقصينا لقوته ندرك أن قوته أقل بكثير من كمية نترات الامونيوم المخزنة في العنبر رقم ١٢، حيث أن كمية نترات الامونيوم تعادل ما يقارب ٦٨٧ طن من مادة ال TNT، وتبلغ الطاقة التدميرية لأي طن من TNT ما يعادل ١.١٦٢مليون طن كيلو ساعي، مما يعني أن كامل الكمية ستسبب ٧٩٨.٢٩٤مليون طن كيلو ساعي، أي ما يعادل ٢.٨٧٤ MJ
وفعليا هذه الطاقة التفجيرية يفترض بها أن تزيل العاصمة بيروت بشكل كامل، لان قوة قنبلة هورشيما تعادل ١٥ طن من مادة ال TNT، ولكن واقع التدمير لم يكن بالحجم الحقيقي لحجم المواد المخزنة، وهذا بالتأكيد يضعنا أمام الاحتمالين التالين:
١- السرقة: السلطات الإدارية المشرفة على العنبر ١٢، هربت قسم كبير من مواد نترات الامونيوم وباعتها بطرق غير شرعية، حيث من الوارد جدا أن تباع للنظام السوري الذي يستخدم مواد نترات الامونيوم في البراميل المتفجرة التي ترميها مروحياته على احياء المدنيين.
٢- السلطة الإدارية: باعت شحنة نترات الامونيوم، والعنبر ١٢ هو مستودع سلاح لحزب الله.
الحكومة اللبنانية:
بعد عدة أيام من انفجار بيروت، ظهر رئيس الامن العام اللبناني عباس إبراهيم، وصرح بأن جهازه الأمني أعلم حكومة دياب وعون بوجود كمية كبيرة من نترات الامونيوم في مرفأ بيروت، الا أن كلا الطرفين لم يتحركا سريعا، وبعد تصريح عباس إبراهيم المحسوب على حزب الله، ظهر الأمين العام للحزب موضحا أن حزب الله لا يخزن أسلحة في مرفأ بيروت.
أما رئيس الحكومة حسان دياب فما كان منه ألا وان أعلن عن استقالة حكومته، وأتهم الحكومات السابقة بهذه الفعلة ليخلي مسؤوليته.
وبظل غياب وجود حكومة لبنانية حالية، طالب رئيس الجمهورية ميشال عون من دياب أن يسير أمور الحكومة لحين تعيين حكومة جديدة، وفي ٣١ آب/أغسطس ٢٠٢٠ تم تكليف مصطفى أديب بتشكيل حكومة جديدة في لبنان.
ويعاني لبنان حاليا من غياب إمكانية لوجود شخصية سنية جامعة قادرة على إدارة رئاسة الحكومة، فالشخصيات الأقوى سنيا لهذا المنصب هي:
١- سعد الحريري: وهذه الشخصية أعلنت وبوضوح انها لا ترغب بهذا المنصب بالوقت الحالي.
٢- نجيب ميقاتي: وهو أيضا غير مؤهل لهذا المنصب رغم الدعم السوري له، فلميقاتي صلات مع السعوديين، والسعوديين غير راضيين بعلاقاته ميقاتي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
٣- أشرف ريفي: وهو غير مقبول من حزب الله.
لذا على الأرجح أن يتحول عمل حكومة مصطفى لعمل مشابه لحكومة تصريف الأعمال، حتى حدوث توافقات دولية وإقليمية تفرض رئيس حكومة على كل الأطراف السياسية النافذة في لبنان، أو أن يشهد لبنان حالة فراغ دستورية، وهذا الامر حدث سابقا في لبنان.
ووفق هذا الواقع لدينا الاحتمالين التاليين:
١- الحلف الغربي:
ويفترض مراقبي المشهد في لبنان بسبب وجود محققين من أجهزة الاستخبارات الفرنسية، والألمانية، وFBI في مرفأ بيروت، أن هذا الفريق قد يفرض على حكومة لبنان جملة إجراءات لتنقذه اقتصاديا وتتضمن النقاط التالية:
تعيين حكومة برئاسة سعد الحريري، أو شخصية أخرى من تيار المستقبل يتم التوافق عليها سعوديا-اماراتيا- اميركيا.
أن يظل ميشال عون رئيسا للجمهورية مراضاه للطرف الفرنسي الداعم له.
أن يدار مرفأ بيروت من قوات اليونفل، وبهذا الشكل يضمن عدم نفاذ حزب الله على هذا المعبر الحدودي الهام.
أن تمرر للبنان حزم مساعدات مالية، تساهم بعودة الدولار للأسواق اللبنانية، وتحقيق مستوى انتعاش أفضل في لبنان، ولعل ذلك يحل مشكلة ازمة المصارف التي استولت على أموال المودعين بقرار من البنك المركزي اللبناني.
تقليص نفوذ حزب الله بعيدا عن بيروت.
٢- الحلف الشرقي:
وهذا الحلف هو مدعوم من إيران، وهذا بالتأكيد يعني أن لحزب الله الأداة التنفيذية الأهم فيه، حيث يسعى الحزب للي ذراع او اغتيال أي شخصية تحاول تمرير مشروع الحلف الغربي، وسيفرض الحزب الإجراءات التالية:
١- ضرورة استمرار مثل حكومة دياب، ولهذا السبب تم اختيار “مصطفى أديب” والمعروف عن اديب انه أكاديمي، وعلى صلة قوية مع نجيب ميقاتي وكان سفيرا للبنان في المانيا، أي أنه مقرب من حزب الله وسوريا، وفعليا لن تكون حكومته نافذة بل ستكون مثال جدل لان مصطفى شخصية ليست محسوبة على الاسر اللبنانية التقليدية في عالم السياسة. وكما يبدو إن الإيرانيين يراهنون على خسارة الرئيس ترامب للانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الأول ٢٠٢٠، ففي حال نجاح المرشح الديموقراطي جون بايدن، فالأخير سيساعد بتلطيف الأجواء مع إيران لإبرام اتفاق نووي جديد، وهذا يعني تغاضي الحلف الغربي عن مشروعه في لبنان، وخلال هذه الفترة، أو حتى ان نجح الرئيس ترامب في دورة انتخابية جديدة، فالإيرانيين سيطالبون الروس بان يساعدوا لبنان عبر تسهيل الحركة التجارية بين لبنان وسوريا ليستخدم اللبنانيين مرفأ طرطوس كبديل عن مرفأ بيروت.
٢- أما بالنسبة للعقوبات الاقتصادية على لبنان، فحزب الله غير مكترث بهذه العقوبات، لان موارد الحزب تأتي بطرق غير شرعية وعبر أسلوب العصابات، أما بالنسبة لباقي الشعب اللبناني فأمامه خيارين، أما التهليل لمشروع المقاومة والممانعة المستخدم في (سوريا-حزب الله-إيران- التنظيمات الإرهابية حماس- الجهاد- الحشد الشعبي)، أو الهجرة لخارج لبنان، ومن سينتفض سيتصدى لهم زعران حزب الله، وزعران حركة أمل بالضرب والقتل.
٣- أما أن فرض على حزب الله حرب أهلية، فهو جاهز لها، وسيستثمرها من أجل القيام بسياسات تطهر ضد السنة وتحول لبنان إلى كنتون طائفي غالبيته من الشيعة، وهذا بالتأكيد أمر يفرح المتطرفين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذين طالما سعوا لمشروع تصدير الثورة الإيرانية.
الوضع اللبناني يمثل كارثة حقيقية وينذر بحالة عنف قوية، قد تحول لبنان إلى ساحة حرب أهلية، وقد تستثمر هذه الحرب من أطراف إسرائيلية لمحاولة تصفية الكثير من مقاتلي حزب الله، هذا التنظيم الإرهابي الذي سرق لبنان واللبنانيين لحلم ايران الكبير الذي يهدف لتعزيز التطرف الديني في الشرق الأوسط.