أين الوطن السوري
بقلم: عصام خوري
لم يتصور أي من الفرقاء في سوريا ان تتطور الاحداث في هذا البلد لحد يصعب بعده العودة للوراء، فعقارب الزمن حملت بجعبتها كل الالم والحقد الكامن في النفوس، هذا الحقد تفجر جميعه في لحظة واحدة تحت عنوان واحد هو سأنتصر واسحق الاخر، كثيرون تكلموا عن صنع السلام وضرورة وقف العنف ومنهم منظمي مؤتمري جنيف1 وجنيف2، ولكن هذا الامر لم يتم وكما يبدو لن يتم سريعا، فبناء السلام في أي مجتمع يعاني نزاع عسكري، يحتاج توافر النقاط التالية:
1- رغبة الفرقاء ببناء مرحلة سلام: وللاسف طرفي الصراع العسكري مقتنعان تماما ان الخيار الوحيد هو فناء طرف منهما.
2- وجود حامل اجتماعي وسياسي يفرزه المجتمع المحلي يدفع نحو تعزيز الرغبة بالسلام: ميدانيا يوجد هذا الحامل ولكن طرفي النزاع العسكري يقضيان عليه بمختلف الطرق كي يبرران وجودهما، فالنظام ما يزال لليوم يعتقل النشطاء السياسيين تحت حجج غبية مثل:
– محرض على التظاهر
– يتكلم بمجال حقوق الانسان في فترة الحرب وكأن النظام كان قد سمح بهذا الامرقبل الحرب
– وهن نفسية الامة: السؤال اليوم عن أي امة سورية يتكلم المشرع!!
– اضعاف الشعور القومي: للاسف حول النزاع العسكري حالة المجتمع من مجتمع قومي عربي الى مجتمع نزاع قومي اثني وطائفي، بغباء من النظام نفسه، وان قرر النظام ان يحاكم احد بهذه التهمة عليه ان يحاسب نفسه من اعلى الهرم حتى اخمصه.
– النيل من هيبة الدولة: قسم من الشعب عندما يهتف “الشعب يريد اسقاط النظام” هو يعبر عن رغبة شريحة شعبية، يفترض بالنظام ان يفعل خطوات لارضائها كي لا تنهار هيبة الدولة، ولكن الدولة السورية باتت بعين الاجهزة الامنية وقسم آخر من الشعب “الموالي” على انها ملكية خاصة للاسد.
اما المعارضة العسكرية: عند بدأت التظاهرات السلمية كرس بعض الشبان فكرة ان النظام المجرم يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين السلمين، ومن الواجب ايجاد فريق مسلح يدافع عن مظاهرات السلميين، بهذا التوجه الغريب اصبح هدف هؤلاء الشباب استمرار التظاهرات، بدل ان يكون الهدف هو اسقاط النظام، واعجب النظام بهذه الفكرة فبادر لتطويق مناطق التظاهرات واعطائها سمة الاستقلال عن المدن، واصبحت اسم تلك المناطق ساحات الحرية، كمثال “في مدينة اللاذقية ساحة الحرية كانت في حي الرمل الفسطيني البعيد عن مركز المدينة وتقطنه غالبية اجتماعية فقيرة مهمشة اجتماعيا وسياسيا” وفي حال قرر البعض من سكان مدينة اللاذقية ان يتعاطف معهم، ياتي الرد الشعبي المدعوم من ضخ المجتمع المخابراتي المتوغل في الشعب “هل ترضى ان يحكمك ابن حي الرمل والسكنتوري المتخلف؟؟”، طبعا هذا الامر يندرج على احياء دوما وداريا والمعضمية في دمشق، وحي صلاح الدين في حلب…. وهنا يتوضح تماما ان الفقير في سوريا ليس مواطنا سوريا ويحمل نفس هوية الثري او المتوسط.
المكان الوحيد الذي كسر هذه القاعدة كان في مدينة حماه التي زارها السفيران الفرنسي والاميركي رغبة منهما في تعزيز الطابع السلمي داخل المدن لفرض تغيير سياسي على النظام، ولكن تلك الرسالة لم يفهمها الشباب الثائر، او لم يكونوا قادرين على تنفيذها نتيجة الهيكل المخابراتي المؤسس من قبل النظام لقمع أي حراك سلمي.
امام هذه الظاهرة تقلص التوزع الاجتماعي للتظاهرات ضمن المدن وتنامى في الارياف، وبعد فترة زمنية قرر النظام تدمير هذه الاحياء التي تمثل ساحات الحرية الرئيسية التي يغطيها الاعلام، فكانت ذروة الحدث في حي بابا عمرو في حمص، ومع ضراوة النقمة العسكرية للنظام ضد ساحات الحرية هذه، توسعت القاعدة العسكرية للمعارضة وتدفقت التمويلات العسكرية من جهات متعددة وللاسف جميعها كانت جهات غير وطنية بل جهات طائفية صرفة وعبرها تحقق حلم حركات الاسلام السياسي المعارضة في سوريا بان يتحول ثوارها المسلحين القلائل الى كتل عسكرية تمتلك آليات عسكرية ثقيلة وتستقطب فقراء سوريا.
واصبح العسكري المنشق عن النظام هائم في ان ينضم لهذه الجماعات البشرية الطائفية وان يبتعد عنها ليسكن المخيمات كلاجئ، خاصة وان القوى السياسية المعارضة لم تمتلك المؤهل المادي الذي يخولها احتضان العسكري المنشق عن الجيش السوري، وتأطيره بتنظيم عسكري دائم التمويل.
بينما ظل الناشط المدني السلمي يحاول البحث عن آليات عمل تحفذ وجوده السلمي، ولكن هذه الاليات التي تمتلك معايير المواطنة وكشف الحقائق كانت مخيفة لحركات الاسلام السياسي المعارضة القائمة اساسا على رفض الحرية او تكريس الحرية وفق منهج يناسبها وحدها، فبدأت بعمليات اعتقال النشطاء او قتلهم بحجة انهم عملاء للغرب الذي يهدف تدمير الاسلام والمسلمين، كما حدث مع رزان زيتون وزوجها وزوجة المحلل السياسي المعارض ياسين الحاج صالح في منطقة دوما، ونفس الامر تكرر في بلدات كفرنبل وسراقب من ريف ادلب.
نعم طرفي النزاع العسكري المتطرفين هما عدوين لأي حراك سلمي ومدني وطني، لان هذا الحراك يعني زوال السبب الذي وجدا من اجله، وهذا ما توضح من جديد يوم 31/10/2014 عندما اعتقل الامن السوري كل من النشطاء الحقوقيين (عمر الشعار، د.ماريا شعبو، د.جديع نوفل)، وتكرس ايضا عبر اعتقال رئيس تيار بناء الدولة لؤي حسين.
سوريا اليوم تدمرت، ولم نرى صوتا جرئيا واحدا من السلطة يعترف بالمسؤولية ويرغب بالتنحي، كما لم نرى صوتا مسؤولا من المعارضة السياسية يعترف علانية بان مشروعي “الاسلام هو الحل” و”الدولة المدنية التعددية” هما مشروعين لا ينسجمان مع مجتمع تعددي القومية والطائفة والميول السياسية.
سوريا الجديدة امام خيارين لا ثالث لهما، وهي اما تنحو لتكون اول دولة علمانية في العالم العربي تفصل الدين عن الدولة وتحقق عبر هذا الخيار مستوى الامان الاجتماعي الذي يكفل وجود جميع الشرائح الاجتماعية ضمن قانون يلغي التمايزات المؤثرة على الهوية السورية.
واما تكون دولة طوائف قلقة كما هي لبنان اليوم، واية تسميات اخرى ستؤدي حكما لاستمرار شلال الدم على الارض السورية.