تقرير: مفهوم المنطقة الامنة في الجنوب السوري وخياراتها
بقلم: عصام خوري
منسق مركز التنمية البيئية والاجتماعية
لم تنجح المعارضة السورية خلال السنوات الخمس الماضية في اقامة منطقة آمنة، ورغم كثافة التصريحات المطالبة بها سواء من الجانب التركي او السوري المعارض، ولكن المجتمع الدولي تجاهلها، لا بل فضل دعم الاطراف الكوردية السورية في حربها ضد تنظيم الدولة الاسلامية الامر الذي اعلى من قوة التنظيمات الكوردية وجعها خصما للامن القومي التركي حسب تصريحات رئيس الوزراء التركي اردوغان، هذا الامر دفع الاتراك لان يتحركوا وبشكل منفرد للولوج عبر مدينة جرابلس ثم انتشروا في المناطق الحدودية الممتدة غرب الفرات مشكلين منطقة جغرافية تحت نفوذهم، لا ندري تماما ان كانت هذه المنطقة ستستمر وتنجح وماهي هويتها المستقبلية، ولكن الملاحظ ان النظام السوري لم يعارضها ميدانيا ولم يقصف بصواريخه الاراضي التركية كما صرح مرارا عام 2012 .
المناطق الامنة هي مناطق قادرة بإدارتها الذاتية على حماية المدنيين وهي تأخذ الاشكال التالية:
الاحتلال:
هو وسيلة من الوسائل لمنع اجرام دولة ضد شعبها، وهذا الامر تمّ في عدة دول، بحيث توفر الادارة العسكرية التي تحتل البلد تنظيما اداريا للمناطق الخاضعة لسيطرتها، كمثال يوغسلافيا.
الانتداب:
تأتي باطار شراكة دولة مع طرف سياسي او عسكري من اهل البلد، بحيث يكون الطرف الثاني مسؤولا عن ادارة البلد بالعلن، بينما تكون التعينات الادارية النافذة والرئيسية بيد الدولة المنتدبة، كمثال التجربة السورية في لبنان.
الديبلوماسية الناعمة:
وهو مفهوم يعتمد اسلوب الشراكة وفق اطار المصلحة المشتركة عبر وسيط نزيه، اي قد تلجأ الدول المختلفة لتنسيق انشطتها عبر الامم المتحدة او مؤسسة دولية تقوم هي الاخيرة بتنسيق الاعمال مع المدنيين.
آليات تطبيق المنطقة الامنة:
اي مؤسسة او دولة ترغب بالتحضير لإقامة منطقة آمنة عليها في البداية تحضير مجموعة من الدراسات الجيو-استراتجية التي تتناول أبعاد اقامة تلك المناطق مع عرض تفصيلي لواقع المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية للسكان، وبالتأكيد يجب تحضير فريق سياسي قادر على التفاوض واعداد حملات ضغط على الدول والحكومات لإقناعها بضرورة اقامة هذه المناطق الامنة، وفي الملف السوري يجب دائما التركيز على جانبين رئيسيين:
الاول: جانب حقوق الانسان، هذا الجانب يجب ان يراعي عموم جوانب حقوق الانسان، وعدم التركيز على حق وإهمال باقي الحقوق، فشريعة حقوق الانسان لا يمكن تجزئتها.
الثاني: حل ازمة اللاجئين، وهذا يتطلب اقناع الاطراف الدولية وخاصة الاطراف التي تعاني من كثافة اللجوء لأراضيها بضرورة المساهمة بتوفير منطقة آمنة تمنع مبررات اللجوء، وتسمح للمجتمع المدني بتطوير نفسه وادواته داخل المنطقة الامنة، وهذا بالتأكيد سيقلص حجم اللجوء الكبير نحو الدول الاوروبية، ويخفف من الاعباء المفروضة على المفوضية السامية لحقوق اللاجئين.
الثالث: مكافحة الارهاب، المناطق الامنة هي مناطق خالية من المظاهر المسلحة باستثناء اقسام الشرطة، لذا لا مبرر لوجود مليشيات مسلحة تدعي حماية المدنيين، فإجمالا هذه المناطق آمنة لذا العمل المسلح سيكون خارجها، كما ان المدنيين انفسهم سيتشجعوا لطرد العناصر الارهابية من مناطقهم فعموم المجتمع السوري متدين ولكنه وسطي لذا لن يقبل باستمرار وجود من يروج للفكر الارهابي، والشخصيات الجهادية ستضطر في هذه الحالة لترك المنطقة الامنة والاصطدام بشكل مباشر مع النظام دون ان تكون بين المدنيين، وهذا بالتاكيد سيؤدي لتصفية عموم مجرمي الحرب الاهلية السورية سواء اكانوا من النظام ام من المعارضة وعلى راسهم ارهابي “تنظيم النصرة، الدولة الاسلامية، حزب العمال الكوردستاني، حزب الله، وبعض المليشبات العراقية، عناصر من الحرس لثوري الايراني”.
في حال نجحت احدى المنظمات او الدول في اقناع الاطراف المتنازعة دوليا واقليميا حول الملف السوري بضرورة اقامة المنطقة الامنة، فهي بحاجة لتحقيق احد الشروط التالية:
قرار تحت الفصل السابع:
هذا الامر يتطلب قرارا من مجلس الامن يفرض اقامة المنطقة الامنة، وفي حال قرر النظام السوري خرق هذا الامر فانه سيتعرض لضربات عسكرية، فعليا امكانية الحصول على هذا القرار بعد استخدام الروس والصينيين للفيتو ثلاث مرات الى صف النظام السوري هو احتمال بسيط، ولكنه احتمال يجب ان يؤخذ بالاعتبار خاصة ان ارفق بدراسات تقنع الاطراف الدولية بأهمية اقامة المنطقة الامنة ضمن شقيين الاول شق يتعلق بحقوق الانسان، والثاني يتعلق بالمصلحة الدولية والاقليمية التي تنهي ازمة اللاجئين التي تؤرق العالم.
توصيات ملزمة:
بحكم وجود شركاء دوليين للنظام السوري “روسيا: الدولة العضو في مجلس الامن” “ايران: الدولة الخارجة من العقوبات الدولية” فان هذه الدول قد تفرض على النظام السوري تجاهل الجنوب السوري، محذرة اياه بانها ليست مستعدة ان توسع انشطتها العسكرية جنوبا، وهذا الامر سيفهمه النظام السوري المنهك بمعارك متعددة في الشمال والوسط.
بما ان الطرفين الاردني والاسرائيلي يبتعدان تماما عن فكرة ارسال قوات برية لضبط المناطق التي خرجت عن سلطة النظام السوري، لذا خياري الانتداب والاحتلال هما خيارين مستبعدين، كما ان خيار الحصول على قرار ضمن الفصل السبع هو خيار ايضا مستبعد. لذا الارجح ان تتم المنطقة الامنة وفق “توصيات ملزمة” عبر تطبيق استراتيجية “الدبلوماسية الناعمة”. ومع ذلك علينا التفكير بالخيارين السابقين:
الاحتلال للارض السورية:
هو خيار من الصعب تحقيقية خاصة بعد وجود قواعد حربية للروس والاميركيين في الداخل السوري، فالروس سيمنعوا اي طرف اقليمي من احتلال كل سوريا، وايضا الاميركيين لن يفعلوا ذلك، فكلا الطرفين الاميركي والروسي هما بحالة حوار حول الملف السوري، وفي الجنوب السوري لا توجد مصلحة للأردنيين او الاسرائيليين للقيام بهذا الامر، فالجيش الاردني جيش صغير وان اقدم على هذا الامر سيطلب دعما اميركيا وهذا يعني تحول الاردن لقاعدة اميركية مستمرة وهو امر مكلف اقتصاديا على الحكومة الاردنية، كما ان الحكومة الاسرائيلية التي تخلت عن الجنوب اللبناني لن تقدم على هذا الامر، لان هذا الامر سيرتب تبعات من الصعب توقعها خاصة وان المنطقة متخمة بالمليشيات العسكرية المختلفة الاهواء والميول، ايضا الشعب السوري في الجنوب ليس على علاقة طيبة مع الجانب الاسرائيلي.
الانتداب:
تمتلك الدولتين الاسرائيلية والاردنية المؤهل القانوني الذي يخولهما التدخل البري وتحقيق انتداب وهو القرار الدولي “محاربة الارهاب” الذي استندت له الحكومة التركية في اجتياحها للحدود السورية غرب الفرات، فالتنظيمات الارهابية متواجدة بالجنوب السوري بأعداد متفاوتة وابرزها (حزب الله، فتح الشام/النصرة سابقا/، داعش) تنشط هناك، كما نشط تنظيم داعش على الحدود التركية السورية.
طبعا هذا الخيار يفترض توافقا دوليا لدعم غرفة الموك لتنفذ هذا الامر على الحدود الاردنية، وبالتأكيد لن يخول القوات المتعاونة مع الموك العمل بالمثل على الحدود الاسرائيلية كون الاخيرة خارج غرفة الموك، مما يعني ضرورة ان تنسق الاطراف السورية المعارضة مع الحكومة الاسرائيلية لتقوم بهذا الامر بشكل سري او بشكل علني.
وان تمعنا حقيقية بعمل غرفة الموك خلال السنوات الاربعة الماضية ندرك ان هذه الغرفة لم توفر مضادات طيران لمسلحي لمعارضة اي انها لم تضع بحسبانها تمكين المعارضة المسلحة من توفير غطاء جوي يحميها، وبهذا الشكل تحولت معارك المعارضة في الشمال الاردني الى معارك كرّ وفرّ. اما على جانب الحدود الاسرائيلية فالأمر كان مختلفا، فما ان تصاب الاراضي الاسرائيلية باي شظية او صاروخ حتى يأتي الرد الاسرائيلي موجعا للنظام، وهو ما دفع النظام لتجنب ضرب الحدود الإسرائيلية السورية، وهذا بالفعل امر يجب التأسيس عليه في اي تحرك قد يؤسس مستقبلا لمشروع منطقة آمنة، فالنظام السوري يهاب المجابهة مع اسرائيل ليقينه بانها دولة حاسمة في خطوطها الحمراء.
من هنا نفهم ان نجاح الانتداب في عموم الجنوب السوري يجب ان يتم بالتنسيق مع الجانب الاسرائيلي الجهة الوحيدة التي تمتلك الاليات التنفيذية لتحقيق هذا الغرض، ولكن هناك معوقات تمنع تدخل اسرائيل بالملف السوري من ابرزها:
1- العلاقة مع غرفة الموك:
الدولة الاسرائيلية ليست عضو في غرفة الموك، كما ان العلاقة بين ادارة نتنياهو واوباما ليست بالشكل المميز، وقد يتم تغيير هذا الامر وفق نتائج الانتخابات القادمة في الولايات المتحدة. هذا طبعا ان افترضنا ان ادارة نتنياهو فد ترضى بخيار المنطقة الامنة شمالي اسرائيل والاردن، لان هذا الخيار قد يسبب تزايد بشري كبير في لجنوب السوري وهو امر قد يكون مقلق لحكومة نتنياهو امام الكنيست .
2- ضرورة بناء شراكة اجتماعية وسياسية مع اطراف سورية:
التربية القومية التي نهلها السوريين في المدارس جعلت الشرخ كبير بين السوريين والاسرائيليين، وليتم ردم هذا الشرخ على الاسرائيليين القيام ببرامج اعلامية وتثقيفية واغاثية كبيرة لتقرب بين المجتمعين، وبدورهم المثقفين من الطرف السوري عليهم واجب محاولة تشجيع الحوار، والبدء ببناء برامج ثقة. وفعليا القيام بهذه البرامج مجتمعة يحتاج عدد كبير من السنين، لذا نحن نستبعد هذا الخيار فنتائجه غير مضمونة 100%، ونرجح خيار الدبلوماسية الناعمة.
مفهوم الديبلوماسية الناعمة:
نتيجة كثرة الدول التي تتداخل مصالحها على الارض السورية، ونتيجة الخلافات الدائمة فيما بينها حول المصالح الداخلية والخلافات حول تصنيف الفصائل المتحاربة بات من الصعب التنسيق فيما بينهم ومع الشعب السوري بشكل مباشر، خاصة وان الكثير من مؤسسات المعارضة واحزابها فقدت الثقة بتصريحات العديد من سياسي الدول الكبرى، وايضا العديد من استخبارات الدول الكبرى اصابتها الصدمة نتيجة بيع بعض الفصائل الاسلحة المسلمة لها الى التنظيمات الارهابية، من هنا كان ضروريا ايجاد شريك جديد يستطيع ان يزرع توافقات جديدة في الملف السوري.
الدبلوماسية الناعمة تفترض وجود شريك يخدم الدول الاقليمية ويخدم السوريين بنفس الوقت، في المناطق جنوب سوريا هذا الشريك قد يكون الدولة الاردنية، ولكن لن تقدم الاردن على هذا الامر ان لم تاخذ موافقة كاملة من عموم “مجموعة الدول صديقة سوريا+ دولة اسرائيل+ الاتحاد الروسي” وهذا الامر قد يكون صعبا بغياب وجود اسرائيل في غرفة الموك، ايضا قد لا توافق عليه روسيا .
ولكنه امر ممكن في المناطق المحاذية لإسرائيل “محافظة القنيطرة” ففي هذه المنطقة لا تأثير كبير لغرفة الموك، كما ان الاسرائيليين والاتحاد الروسي وقعا على مذكرة تفاهم حول الطلعات الجوية، وهذا يعني امكانية ان تتغاضى روسيا عن اقامة منطقة آمنة خالية من السلاح على الحدود الاسرائيلية، وفي حال نجاحها قد تتوسع هذه المنطقة بالتنسيق مع الروس وغرفة الموك لتشمل كل الجنوب السوري وهذا بالتأكيد سيحل مشاكل اللجوء خارج سوريا ومشاكل اللجوء الداخلي. وبما اننا استبعدنا اي تحرك بري اسرائيلي استنادا للخطاب الاسرائيلي الواضح، قد تقدم منظمة دولية على توفير الحماية للسوريين بالتعاون مع الإسرائيليين والسوريين دون ان يكون هناك لقاء مباشر بين الطرفين، وهذا الامر متوفر لمنظمة “آماليا” الاميركية التي وخلال الأشهر الاربعة الماضية وفرت امكانية اسعاف عشرات السوريين المصابين عبر الحدود الاسرائيلية-السورية، طبعا هذا النشاط من مؤسسة اماليا يندرج في اطار برنامج يشرف عليه عدد من الباحثين ليوفروا دراسات كاملة للمشاريع التالية:
1- الدعم الاغاثي، والصحي: بحيث تتأمن الرعاية الصحية واللقاحات للأطفال بالتنسيق مع المنظمات الاغاثية الدولية.
2- الدعم التعليمي: بحيث تتوفر مدارس لعموم السوريين ولكل المراحل التعليمية، بما يتماشى مع المنهج السوري المتبع.
3- الدعم التنظيمي والاداري للمجالس المحلية: بحيث يحمي السوريين انفسهم ويؤسسوا نظام اداري كامل قادر على الانصهار مع النظام السوري عند الاستقرار.
4- اعادة الاعمار: ويأخذ عدة جوانب منها الترميم، وبناء مساكن مؤقتة لإيواء اللاجئين ضمن المعاير الصحية المتبعة، يتوفر من خلالها البنى التحتية الرئيسية “الكهرباء/ الماء/ الصرف الصحي”…
5- تنشيط الاستثمار: عبر دعم مشاريع انمائية ينفذها السكان المحليين، وبذلك يتوفر دخل بسيط للمواطنين.
بالتأكيد هذه المنطقة ان تمت فإنها ستوفر خدمات انمائية كبيرة، وقد تحولها مستقبلا الى بوابة لتنشيط الاستثمار من الجنوب الى عموم الاراضي السورية، وهذا بالتأكيد سيعيد بالفائدة على الاردن واسرائيل، ومن هنا قيد يتم اغراء كلا الدولتين بهذا الامر علهم يدعموا مشروع لمناطق الامنة وفق ميزان “المصلحة المشتركة، وهو امر معروف بتجارب سابقة حصلت في عدة دول عانت من الحرب الاهلية”، ايضا هذا المشروع سيخدم الدول الاوروبية التي تعاني من كثافة ظاهرة اللجوء، وسيخفف من الاعباء الامنية والاستخباراتية للروس في الجنوب السوري لضمان الروس والاميركيين ان هذه المنطقة خالية من التنظيمات الارهابية، وفي النهاية هذا المشروع سيخدم السوريين انفسهم ويمكنهم من تطوير ادوات حكمهم لمناطقهم بدون تدخلات دولية او اقليمية مباشرة، وهذا سيلغي عنهم شعور العمالة التي اتهم بها مسيحيوا لبنان من قبل العالم العربي خلال الحرب الاهلية اللبنانية.
فالحكم في الجنوب سيكون قادما من مجالس محلية ترتبط مع مجلس ادارة منظمة دولية توفر تلك الاخير قنوات التواصل مع عموم الدول التي ترغب بالاستثمار او التنسيق مع ابناء الجنوب السوري، وهذا بالتأكيد سيعني تطوير للجنوب السوري وجعله حاضنة آمنة للمدنيين الفاريين من الحرب، لحين انتهائها بشكل كامل وعودة الدولة السورية الكاملة.
الدراسة تمت بتاريخ : 12/09/2016
المادة باللغة الانكليزية: