جرائم الحرب.. من الهولوكست إلى جحيم غزة
إعداد: د. هند بداري
“جرائم الحرب” عبارة تتكرر من حين لآخر بعد وقوع النزاعات المسلحة، وتصاحبها عادة تساؤلات شائكة، يرددها الضمير الإنساني العالمي، مثل من المسئول عن هذه الجرائم؟ ووما هو تعريفها قانونيا؟ وهل سينال مرتكبو هذه الفظائع من قتل وإعتقال وتعذيب وإغتصاب عقابهم الرادع ؟
جرائم الحرب فى القانون
ويقصد بجرائم الحرب وفق ميثاق محكمة “نورمبرج” العسكرية الدولية لسنة 1945 م وقوع إنتهاكات لقوانين الحرب وأعرافها، بما فيها قتل مدنيين في أرض محتلة أو إساءة معاملتهم أو إبعادهم ، وقتل أسرى حرب أو إساءة معاملتهم، وقتل رهائن، وسلب ملكية خاصة.
وكانت اتفاقيات “جينيف” لسنة 1949 م، أول معاهدة قانونية إنسانية تحتوي جرائم حرب، مثل القتل العمد، والتعذيب، والتدمير الواسع للملكية أو الاستيلاء عليها بشكل لا تبرره الضرورة العسكرية وبشكل تعسفي، وإجبار أسير حرب أو مدني على الخدمة في قوات الدولة الخصم، وإبعاد أو نقل أو اعتقال مدني محمي بشكل غير شرعي.
ووسع البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 م مظلة حمايات اتفاقيات جينيف لغير المشاركين بالنزاعات الدولية، فأصبحت الانتهاكات تشمل تجارب طبية معينة، والهجوم على مدنيين أو مواقع مجردة من وسائل الدفاع، والاستعمال المخادع لشارة الصليب أو الهلال الأحمر، وقيام دولة بنقل قطاعات من سكانها إلى أرض تحتلها، والإبطاء غير المبرر في إعادة أسرى الحرب إلى أوطانهم، وغيرها. وعلى الدول، حسب اتفاقيات جينيف والبروتوكول الإضافي الأول، أن تحاكم الأشخاص المتهمين بانتهاكات قانونية جسيمة أو تسليمهم إلى دولة مستعدة لمحاكمتهم.
ويرى ستيفن آر. راتنر أستاذ القانون في جامعة “تكساس” فى كتاب “جرائم الحرب: ماذا ينبغى أن يعرف الجمهور؟” أن جرائم الحرب هي تلك الانتهاكات لقوانين الحرب – أو القانون الإنساني الدولي – التي تعرض شخصاً للمسئولية الجنائية الفردية. ويعتبر الحكم بالإعدام على بيتر فون هاجنباخ سنة 1474 م في النمسا لارتكابه أعمالا وحشية وقت الحرب، أول محاكمة حقيقية على جرائم الحرب.
وبعد الحرب العالمية الأولى، اعتبرت بعض الدول انتهاكات معينة لقوانين الحرب جرائم، معظمها مقنن في اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907م، مثل استخدام الأسلحة السامة، والتدمير التعسفي للمدن، والهجمات على المواقع غير المحمية والمؤسسات الدينية والثقافية، وسرقة الممتلكات العامة والخاصة. بينما لا يوجد في القانون الدولي، إلا قواعد قليلة لتنظيم السلوك في النزاعات الداخلية، التي تعتبرها عدة دول جزءً من تشريعها المحلي.
وقد نصت المادة الأولى من اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، التي أعتمدت بقرار من الأمم المتحدة عام 1968م ،على أنه لا يسري أي تقادم علي هذه الجرائم بصرف النظر عن وقت ارتكابها.
وتعتبر إسرائيل من أكثر الدول اتهاماً في جرائم حرب بالشرق الأوسط، فبناءً على وثائق الأمم المتحدة، والأرشيف الإسرائيلي المدني خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، تتعدد المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد العرب بدء ً من الحرب الإسرائيلية العربية سنة 1948م، فعلى سبيل المثال، شهدت قرى مجد الكروم وبعنا ودير الأسد وغيرها خلال عملية (حيرام)، ذبح نحو 250 مدنياً ومعتقلاً أثناء إطلاق نار شرق تل أبيب.
وفي 1956م، اجتاحت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي قطاع غزة، و قتلت نحو 500 مدني. وفي سبتمبر/ أيلول 1982م، وقعت فظائع في حرب لبنان، حيث ارتكب الجيش مجزرة في مخيم صبرا وشاتيلا، راح ضحيتها نحو 3000 آلاف فلسطيني مدني، وتم إبعاد أرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها، من منصبه بناء على توصية لجنة التحقيق.
ورغم الدعوى التي أقامها المحامي شبلي ملاط أمام القضاء البلجيكي في يونيو/حزيران 2001 م، ضد أرييل شارون وشركائه في المجزرة، بددت محكمة العدل الدولية – بطريقة غير مباشرة – احتمالات محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بتهمة ارتكاب “جرائم حرب” لمسئوليته في مجازر “صبرا وشاتيلا، حيث أصدرت فى فبراير/ شباط 2002 م قراراً يعتبر “كل الوزراء” يتمتعون بحق الحصانة من المقاضاة.
هذا غير مجزرة مخيم جنين عام 2002 م، التى قتلت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلية نحو 58 فلسطينياً داخل منازلهم. وتلتها مجزرة أطفال شاطئ غزة في يونيو/ حزيران 2006م، عندما قامت الطائرات الإسرائيلية بتمزيق جثث الأطفال والنساء بالقنابل. وفي العام نفسه وقعت مذبحة “قانا الثانية”، التي قامت فيها قوات إسرائيل بقتل عشرات المدنيين الذين احتموا بمخيم لقوات الطوارئ الدولية.
ثم شهد قطاع غزة في فبراير/ شباط 2008 م عملية وحشية بحجة القضاء على حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وصفها وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك بهولوكوست أو إبادة عرقية، وراح ضحيتها أكثر من 1000 شخص.
وعقب عدوان إسرائيل على غزة فى أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2008 م، تضمن بلاغ صدر عن منظمة العفو الدولية أن بعثتها إلى قطاع غزة عثرت على أدلة دامغة على الاستخدام المكثف للقنابل الفسفورية في أماكن مرتفعة الكثافة السكانية. ولهذا السبب دعت دوناتيلا روفيرا رئيسة قسم الأبحاث في المنظمة إلى إجراء تحقيق دولي مستقل في “تجاوزات الطرفين”.
كما رفعت عدة منظمات عربية وغربية لحقوق الإنسان دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية لإدانة إسرائيل بارتكاب حرب إبادة فى عدوانها الأخير على غزة كاستهداف المدنيين وقصف المستشفيات ومنع الإغاثة الإنسانية وغيرها.
جرائم .. سجن أبو غريب
وفي رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، أعلنت منظمة العفو الدولية أن الانتهاكات المنسوبة إلى عناصر من القوات الأمريكية داخل سجن “أبو غريب” في بغداد تمثل جرائم حرب، ودعت المنظمة إلى إجراء تحقيق في هذه الانتهاكات.
ورغم ادعاء وزير الدفاع الأمريكي “رونالد رامسفيلد ” بأنها تمثل “استثناءً” وليست “نمطاً أو ممارسة ثابتة”، فقد كشفت المنظمة عن استخدام القسوة ضد المعتقلين على أيدي عناصر أمريكية. وفي يوليو/ تموز 2008م، عرضت المنظمة بلاغات عن تعذيب المعتقلين العراقيين وإساءة معاملتهم على أيدي قوات التحالف، في مذكرة إلى الحكومة الأمريكية وسلطة التحالف المؤقتة في العراق. ومن بينها الضرب والصعق بالصدمات الكهربائية والحرمان من النوم، ولم تتلق المنظمة أي إشارة على فتح تحقيق فى هذه القضايا.
ولم تقتصر تلك الانتهاكات على سجن “أبو غريب “، فقد ذكر العديد من المحتجزين في القاعدتين الأمريكيتين بجرام وقندهار في أفغانستان أنهم تعرضوا للتعذيب وغيره من صنوف المعاملة القاسية أو المهينة، كما تقاعست الإدارة الأمريكية عن الالتزام باتفاقيات “جنيف” فيما يتعلق بالمعتقلين في قاعدة “جوانتانامو”.
محاكمات “نورمبيرج ”
أثناء الحرب العالمية الثانية، بدأت مساعى إنشاء محاكم لمجرمى الحرب، تنفيذاً لرغبة حكومات قوات الحلفاء في معاقبة مجرمي الحرب النازيين بطرق مشروعة، حيث أصدر زعماء كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد السوفيتي السابق في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1942 م، أول بيان رسمي مشترك يسجل عمليات قتل جماعية لليهود الغربيين.
ثم أقر إعلان “موسكو” فى أكتوبر/ تشرين الأول 1943م، الذي وقعه الحلفاء أنه وقت وقف إطلاق النار يتم إرجاع المسئولين عن جرائم الحرب إلى الدول التي ارتكبوا جرائمهم بها بحيث تتم محاكمتهم طبقًا لقوانينها، أما معاقبة مجرمي الحرب فى جرائم غير محددة الموقع فتم بواسطة قرارات مشتركة من حكومات قوات الحلفاء.
وقد عقدت محاكمات المسئولين الألمان أمام المحكمة العسكرية الدولية في “نورمبيرج” بألمانيا أمام قضاة يمثلون قوات الحلفاء، حيث قامت المحكمة العسكرية بمحاكمة 22 من مجرمي الحرب الرئيسيين خلال عامى 1945 و1946م، بتهم التآمر وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقد حكمت على 12 من المتهمين بالموت، وعلى 3 متهمين بالسجن مدى الحياة، وعلى 4 متهمين بأحكام سجن تتراوح بين 10 إلى 20 عاماً، بينما أطلقت سراح 3 من المتهمين.
ثم عقدت المحكمة العسكرية الأمريكية تحت رعاية المحكمة الدولية العسكرية 12 محاكمة أخرى لضباط ألمان ذوي رتب عالية، وحاكم النواب العموميون في الفترة بين ديسمبر/ كانون الأول 1946 م وأبريل/ نيسان 1949 م، 177 شخصاً و97 مدعى عليهم.
وقد ترك موظفو الحلفاء محاكمة جرائم القتل الرحيم للمحاكم الألمانية التي تم إعادة تنظيمها، لأن مرتكبي الجرائم والضحايا من الألمان. وحاكمت ألمانيا الفيدرالية نحو 925 مجرماً خلال الفترة النازية. ومن الانتقادات التى تعرضت لها المحاكمات الألمانية – خلال الفترة من 1960 و1970 م – أنها تضمنت الكثير من الإعفاءات للمجرمين المسنين أو الذين ادعوا أنهم خضعوا لأوامر زعمائهم، ولا يزال البحث مستمراً عن مجرمي الحرب النازيين حتى الآن.
محاكم جرائم الحرب
تُعد محاكمات نورنبيرج من أشهر المحاكمات التي شهدها التاريخ المعاصر، وتناولت في فترتها الأولى مجرمي حرب القيادة النازية، وفي الفترة الثانية الأطباء الذين أجروا تجارب طبية على البشر. وعقدت أول جلسة في 20 نوفمبر/ تشرين الثانى 1945 واستمرّت حتى 1 أكتوبر /تشرين الثانى 1946.
وتأسست المحكمة عام 1943م، حين التقى أقطاب الحلفاء الثلاثة الكبارفي العاصمة الإيرانية طهران، وقرروا معاقبة المسئولين عن جرائم الحرب خلال الحرب العالمية الثانية.
وفى منطقة البلقان، حكمت محكمة الجزاء الدولية للنظر في جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة – في مرحلة الاستئناف – على الجنرال الصربي البوسني راديسلاف كرستيتش بالسجن 35 عاماً بعد إدانته بتهمة المشاركة في جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في مذبحة “سريبرينيتشا “عام 1995م التي راح ضحيتها مسلمون بوسنيون، ثم خفضت العقوبة في 2 أغسطس/ آب 2001 م.
وفي 27 مايو/ أيار 1999 م، أصدرت المحكمة قراراً يتهم سلوبودان ميلوسوفيتش بصفته رئيس يوغوسلافيا الفيدرالية سابقاً و4 آخرين من كبار قيادات حكومته وجيشه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاك قوانين الحرب. وتضمن القرار إصدار أوامر إلى الجيش اليوغوسلافي بقتل مدنيين ألبان في كوسوفو وتعذيب آخرين وتدمير ممتلكاتهم وتشريدهم. وفي 11 مارس/ آذار 2006 م، عثر عليه ميتا في مركز الاعتقال الذي كان محتجزاً به في “لاهاي”.
وتعد محاكمة الرئيس اليوغوسلافي السابق الأولى من نوعها لرئيس دولة سابق أمام محكمة دولية يتم الاحتكام فيها إلى أنظمة قضائية لا علاقة لها بدولة المتهم ولا محاكمها.
وقد أنشأت الأمم المتحدة هذه المحكمة في مايو/ أيار 1993 م بقرار خاص، من أجل تحديد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان أثناء الحرب الدامية في يوغسلافيا السابقة. ومنذ تأسيسها أصدرت أحكاما عديدة بحق عسكريين صرب وكروات وبوسنيين أدينوا بجرائم حرب.
وتتكون “محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا” من 14 قاضيا يتوزعون بين القارات: قاضيان من آسيا، و3 من إفريقيا، وقاض من كل من أمريكا الشمالية ومنطقة الكاريبي واستراليا، و4 قضاة من أوربا، وقاضيان من أمريكا اللاتينية.
وتعتبر المحكمة الأولى التي يتم تشكيلها من قبل الأمم المتحدة، على غرار محكمتي نورنبيرج وطوكيو اللتين شكلهما الحلفاء بعد هزيمته ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945م لمحاكمة المسئولين الألمان واليابانيين الذين ارتكبوا جرائم حرب، كما تشكلت بعد هذه المحكمة محكمتان الأولى لمحاكمة مجرمي الحرب في راوندا عام 1995م، والثانية لمحاكمة مجرمي الحرب في سيراليون عام 2001م.
أول هيئة قضائية دولية
أما المحكمة الجنائية الدولية فهي أول هيئة قضائية دولية تحظى بزمن غير محدد لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الفضائع بحق الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشري، وتعد هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة من حيث الموظفين والتمويل.
وتتمتع المحكمة الجنائية بسلطة قضائية إذا كان المتهم في الجريمة ينتمي لجنسية إحدى الدول الموقعة على معاهدة “روما” أو إذا وقعت الجريمة في إحدى تلك الدول. ونظراً لعدم توقيع إسرائيل والولايات المتحدة والصين والهند وروسيا على المعاهدة، فإن مثول مجرمي الحرب بها أمام المحكمة غير ممكن إلا إذا طلب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذلك. ومن الدول العربية التي صدقت على المعاهدة مصر والعراق والأردن والكويت وليبيا والمغرب والسعودية وسوريا وتونس.
وبلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة 105 حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 م. وكان قائد حركة التمرد في الكونغو توماس لوبانجا دييلو من أوائل الذين مثلوا للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب – مثل تجنيد الأطفال فى الحرب الأهلية – منذ إنشاء المحكمة عام 2002 م، كما أصدرت عدة مذكرات اعتقال. ورغم أن مقرها الرئيسى في هولندا، يمكنها تنفيذ إجراءاتها في أي مكان. ولا تملك المحكمة الجنائية صلاحية إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس دولة لم تصادق على ميثاقها، لأنها لا تستطيع ممارسة دورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، كما تقتصر سلطة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد إنشائها.
وتتمثل الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية، فى كل من :
الإبادة الجماعية
تحدد اتفاقية جنيف لعام 1948م حرب الإبادة على أنها “جريمة ترتكب بقصد تدمير كلي أو جزئي لمجموعة وطنية أو عرقية أو دينية “، ففي 1998 م حاكمت المحكمة الجنائية مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا بالسجن مدى الحياة وبينهم جان كمباندا الذي كان رئيس الوزراء، و اعترف بمسئوليته عن إبادة المدنيين التوتسيين.
الجرائم ضد الإنسانية
تنطبق على الأفعال المحددة في نظام روما إذا ارتكبت في هجوم واسع النطاق ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وتتضمن أَْفعالا مثل القتل العمد، والإبادة، والاغتصاب، والنقل القسرى للسكان، وجريمة التفرقة العنصرية، وغيرها.
جرائم العدوان
لم يتم تحديد مضمون وأركان جريمة العدوان في النظام الأساسي للمحكمة كباقي الجرائم الأخرى.
قادة أمام المحاكم
ومن أبرز القادة العرب المتهمين بجرائم حرب الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذى حاكمته المحكمة الجنائية المختصة بالعراق في قضايا “جرائم حرب” و”انتهاك حقوق الإنسان” و”إبادة جماعية”، بعد مذبحة بلدة “الدجيل” – التي قتل فيها 148 شخصا عام 1982 م – بعد تعرض موكب الرئيس السابق أثناء مروره بها إلى محاولة اغتيال فاشلة نظمها حزب الدعوة الإسلامية المعارض لحكومته، وفي 5 نوفمبر/ تشرين الثانى 2006 م، أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا قرارها القاضي بالإعدام شنقاً.
وفي 14 يوليو/ تموز عام 2008م، اتهم مورينو أوكامبو مدعي المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني عمر البشير بجرائم حرب و إبادة وجرائم ضد الإنسانية، حيث اشتملت مذكرة اتهامه على عمليات إبادة جماعية ضد جماعات الفور ومساليت والزغاوة العرقية في دارفور من خلال استخدام جهاز الدولة والقوات المسلحة وميليشيا الجنجويد، مشيرة إلى أنهم قتلوا نحو 35 ألف مدني.
فى حين أبدت الحكومة السودانية عدم اعترافها بأي قرار من المحكمة الجنائية الدولية بعد أن طلب الادعاء اعتقال الرئيس ومصادرة ممتلكاته، وفى محاولة لاحتواء الأزمة، أظهرت السودان استعدادها لإنشاء محاكم سودانية خاصة لمحاكمة المتورطين فى جرائم حرب.
والملاحظ أن أكثر المدانين بجرائم حرب من الألمان المتورطين فى هولوكست “اليهود”، مثل رئيس ألمانيا النازية أدولف هتلر (1889-1945م)، ونائب هتلر في الحزب النازي رودلف هس (1894-1987م) ، ووزير الدعاية السياسية في عهد “هتلر” جوزيف جوبلز (1897-1948م).
ومن الأطباء الألمان، أربيريت هايم وهو طبيب انتقل للحياة فى مصر عام 1963م واعتنق الإسلام، مغيراً اسمه إلى طارق فريد حسين، حتى توفي فى 0ا أغسطس/ آب عام ١٩٩٢ م بعد إصابته بالسرطان. ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، تسبب “طبيب الموت” فى قتل ٣٠٠ شخص معتقلين بحقنهم مباشرة فى القلب بالسم والنفط والماء، بعد بتر أعضائهم دون مخدر لقياس قدراتهم على تحمل الألم.
ويليهم القادة المشاركون فى حرب استقلال كرواتيا مثل الرئيس السابق لجمهورية الصرب بيليانا بلافسيتش الذي حكم عليه بالسجن لمدة 11 سنة، وقائد صرب البوسنة في حصار سراييفو ستانيسلاف جاليتش الذي حكم عليه 20 سنة، وتم تشديد الحكم إلى السجن مدى الحياة، والسياسي الصربي رادوفان كاراديتش الذي ظل هارباً من العدالة بعد تنحيه من مناصبه الحكومية طوال 13 عامأً حتى تم اعتقاله في 21 يوليو/ تموز 2008م.
ومن روسيا يوري بادانوف الموظف الحكومي المدان بارتكاب جرائم حرب ضد السكان المدنيين في حرب ” الشيشان”.
وفي أمريكا، يعد ويليام كالى الجندي الأمريكي الوحيد المدان رسمياً بالمسئولية عن مجزرة “ماي لاي” فى حرب فيتنام. ومن السيدات المتهمات بجرائم حرب “ليندى انجلاند” وهى مجندة أمريكية ولدت عام 1982م، وأدينت بالتعذيب بفضيحة سجن “أبو غريب”.
ويطالب العديد من الكتاب والسياسيين بمحاكمة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش على جرائم الحرب التي حدثت أثناء الحرب على العراق وأفغانستان بحجة الحرب على الإرهاب بعد 11سبتمبر/ أيلول 2001 م، وعلى عمليات التعذيب داخل سجن أبوغريب ومعتقل جوانتانامو، وخاصة التعذيب بالغرق الاصطناعي للمشتبه فيهم.
ورغم الجدل حول مدى عدالة محاكمة المتورطين فى جرائم حرب وقدرتهم على إيجاد ثغرة قانونية للإفلات من العقوبة، يظل الأمل قائما ً في القصاص للضحايا مع كل دعوى جديدة تنظرها المحاكم.