حديث من امرأة إلى – سي السيد الليبرالي –
كان علي أن أسمعك لاحقا وأراك لأفهم حجم الكارثة. وددت بسذاجة الحلم لو بقيتَ فكرة، لكنت جعلت مني “دون كيشوت” بالنسخة المعربة تبرز بعض إبداع العرب في الوهم أو الحلم أو سمه حتى الأمل. لا يهم.
“من كثرة الأشجار أضعنا الغابة”. لست بحاجة حقا لأردد الان هذه المقولة التي لطالما رددها ذلك الأستاذ الجامعي الكريه على مسامعنا. استهوتني فكرة الربط بين كل هذا الشرود في أفكاري وبينك أنت. الأيام تمر والكثير من الأفكار تتحول إلى “عقدة” تلاحق حاملها بقدر ما يلاحق هو فيها الناس من حوله. وأنت استحلت فكرة.
ما بين شعار وآخر، استوطنتَ واقعي، استهويتَه وبكيتَ زواله. كان علي أن أراقبك مرة بعد مرة وأنت تحتسي الشاي وتتحدث عن حقوق المرأة، إنسانيتها وحريتها، وأن أتأمل زوجتك وهي تلملم ما خلفتَه من عشاء، ثم تنهي احتساء الشاي، تناوله لزوجتك وتطلب منها أن تحضر لك السجائر، تضع ساقا على ساق وتواصل حديثك. لم تخف عن عيناي تلك الومضة التي تلتمع في عينيك كلما تحدثت عن وجوب تحرير المرأة، تذكرني دائما بمحارب يتوق لأرض معركة، أي أرض وأي معركة، بعد أن باعه الزمن للنسيان.
لاحقا، حين تحادثنا، كأي مثقفين يلوكان الأحلام كلاما، أسهبتَ في شرح فكرتك عن الدور الذي تستطيع أن تلعبه المرأة في تغيير المجتمع، بل انها وحدها قادرة على فعل ذلك. وأنا فهمت بأن الدور الذي تقصد بأن على المرأة أن تلعبه ينبع أساسا من حريتها ومن القرارات التي ستتخذها بناء على هذه الحرية. لذا كان من الصعب علي أن أفهم العلاقة بين كل هذا الحماس لحرية المرأة وبين معاداتك لمنطق امرأة أخرى يرى أن حريتها مسؤولية، وليست مجرد لعبة.
لاحقا، فهمت قواعد اللعبة، فأن تتعاطف مع المرأة لا يعني أن توقف اضطهادها، ولا يعني أن تتحول المرأة بنظرك إلى إنسان كامل، بل يعني أن تتناول من عقلك بعض الأفكار النسوية، وقت الحاجة، تعلنها على الملأ معبرا فيها عن عصريتك وليبراليتك، لتعود بعدها “سي السيد”، وليس مجرد “سي سيد” بل “سي سيد” بشرف، “سي السيد الليبرالي”، حيث على المرأة أن تشعر بالامتنان لك، لأنك “تناصر” تحريرها.
فهنيئا لك منصبك العصري القديم…