عرفتك من لونك
قصة حقيقية، بقلم: عصام خوري
منذ طفولتي وانا اعاني من ازمة الهوية، فعندما كانت امي تسير بي في الشارع كان جميع صديقاتها يوصوفنني بالفرخ الفرنجي. وعندما بدأت في تلقي الدورات التدريبية في مختلف انحاء العالم، كان جميع من القاهم يستغربون انني من سوريا، والسبب لون بشرني، وعيوني. ولما توسع نشاطي الحقوقي في عدة بلدان عربية كان الجميع يشكك اني سوري والسبب لهجتي التي يقولون انها مزيج من اللبنانية والفلسطينية والمصرية، والغريب ان اللهجات الثلاث متباعدة لحد كبير.
وفي اول مؤتمر حضرته في للبنان، جاءت شابة جميلة الى بهو الفندق وسالت كل الحضور عن أسماؤهم، ومرت امامي ولم تسألني، وبعد ان انتهت من الجميع، سألت بصوت عالي يا اساتذة، هل شاهدتم الأستاذ عصام خوري من سوريا.
فنهضت من كرسي وقلت لها: انا عصام.
فردت لي بثقة: مستحيل، يعني اسفه، بس تخيلتك شخص كبير بالعمر.
فعليا ردة فعل هذه الشابة كان مشابه لردات فعل عموم رؤساء الفروع الأمنية السورية الذين حققوا معي لأول مرة، فالكل يتصور شكلي كرجل في العقد السابع او السادس بسبب اهتمامي بالسياسة والاقتصاد والدراسات الاستقصائية.
ولعل أبرز تعليق حصلت عليه من أحد رؤساء الفروع الأمنيين الهامين: يا ابني ما تزعل مني بس انت جحش، يعني شب مثلك لازم يطبق بنات، مو يطبق مقالات تسببلوا وجع راس، وتشغلنا!
وعندما استقريت في نيويورك، المدينة التي تحوي كل جنسيات العالم تفاجأت بان جميع من التقيهم في الشارع، كانوا يظنوني من روسيا او اوكرانيا، حتى الروس أنفسهم كانوا يوقفونني في الطريق لسؤالي عن موقع يبحثون عنه وطبعا يكون بلغتهم الروسية وليس الإنكليزية.
أي باختصار شديد انا كشكل صعب كثير اقنع الاخرين باني سوري، لا اعرف لماذا!
ولكن هناك شخص واحد اكتشفني من اول نظرة حسب قوله!
عام ٢٠٠٥ بعد مقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري، طرد الجيش السوري من لبنان، وظهرت نزعة عنصرية عند الكثير من اللبنانيين لدرجة ان الكثير من السوريين تجنبوا زيارة لبنان ذلك العام، ولكني لم اكترث لهذه التخوفات، فانا كشكل صعب ان أميز كسوري كما اسلفت سابقا.
فشاركت بمؤتمر لمجتمع المعرفة والمصادر المفتوحة وكانت اقامتنا في فندق الانتركونتينانل في شارع الحمرا، كان الحضور من مختلف الدول العربية، ولم يكن هناك أي متطوعين من اللبنانيين لمساعدة الحضور على التعرف على لبنان بعد الانتهاء من ورشات العمل. فقررت ان أقوم بهذا الدور لكوني الوحيد الذي زار لبنان أكثر من مرة، وبعد الانتهاء من ورشات العمل سرت كقائد لمجموعة الأكاديميين والحقوقيين العرب نحو مطعم عند صخرة الروشة، وبعد ساعتين عدت بالجميع نحو الفندق ولكن عبر شارع آخر كي يروا معالم أخرى من المدينة. وخلال سيرنا كنت الاحظ مرور سيارة سوداء مفيمة بهدوء جنبنا كل دقيقتين، ويطل منها رجل غليظ الملامح، يرمقتي بتمعن مع زملائي بدون ان يعطي أي تعابير.استمرت تلك السيارة في مطاردتنا حتى وصلنا الى شارع مقطع بحواجز حديدية، لم أكن اعرف السبب، فهذا الشارع لم ازره الا مرة واحدة في حياتي، وعند تلك اللحظة فوجأت بتوقيف السيارة وخروج ثلاث عناصر يحملون رشاشات، وثلاثتهم يمتازون بمظهر يشابه الشبيحة في سوريا أي (بذقن طويلة، عضلات المفتولة، وراس محلوق بالموس). سال أحدهم زملائي، عن بلدننا.
وكانت الأجوبة: السودان، ليبيا، البحرين، تونس، الجزائر، الأردن، العراق. حتى وصل دوري، وانت من وين؟ عند تلك اللحظة، قلت في قلبي اكلنا خرا!.
اجبت بصوت لطيف: من سوريا.
فابتسم الشبيح اللبناني: وكأنه حصل على جائزة نوبل، وقال لأصدقائه: شفتوا قلتلكم، وأشار بيده بلغة المنتصر (انا عرفتك من لونك، يا سوري… جاي على بيت الشهيد رفيق الحريري باجريك؟)
قلتلو: ليش وين البيت؟
فاشار لأصدقائي: هذا بيت الشهيد جايين عليه ومعكم هذا السوري! وبدكم ما نوقفكم؟ فنظر لي الجميع بنوع من اللوم مفاده: “تضرب انت وهيك قيادة سياحية، اخرتها رح نتوقف على ايد هيك جحش”.
فرددت: نحن أسفين بس الحقيقية ما منعرف انو هون بيت رفيق الحريري.
فجن الشبيح اللبناني: اخراس ولا سوري، بعدين قبل ما تذكر اسم الشهيد لازم تترحم على روحوا فهمت، وانتوا خبروني بتحبوا الشهيد رفيق الحريري، ولا لأ؟
فرد الجميع: نعم نحب الشهيد، واسترسل بعضهم في ذكر مآثر الراحل علنا نخلص من محاضرة الشبيح اللبناني. ولكل الشبيح استرسل بذكر كل افضال الراحل على الشعب اللبناني، وعلى الامة العربية والإسلامية، واستمر بمحاضرته قرابة الربع ساعة، ثم طلب من الجميع البسبورات للتأكد من وضعنا القانوني.
ثم أرسل سيارة الى الفندق ليتأكد من ارقام الغرف. استغرقت تلك الإجراءات قرابة الساعة من الزمن، وقبل ان يعيد لجمع زملائي البسبورات: اعتذر على التأخر ، وطلب من الجميع ان يتمنوا الخير والطمأنينة لروح الراحل الشهيد رفيق الحريري.
ثم حول نظره لي، ولوح ببسبوري بشكل تهكمي، وقال: وانت يا سوري اكيد معهم بهذا المؤتمر؟ ابتسمت له، كيف شايف انت؟
فرد لي باستهزاء: شايفك واحد سوري، ومن لونك كشفتك.