عن خليل معتوق
بقلم: د. هيفاء بيطار
اشتهر المحامي خليل معتوق بالدفاع عن المعتقلين السوريين، خصوصاً السياسيين، ومنهم الشابة، طل الملوحي، التي اعتقلت وهي قاصر، قبل الثورة السورية بسنتين، ثم صدر بحقها حكم بالسجن خمس سنوات بتهمة التجسّس لحساب دولة معادية وقبض أموال (!). وتطوّع المحامي معتوق للدفاع عنها، فقفز إلى جانبها وراء القضبان، وأصبح المُتهم والمحامي في الخانة نفسها.
هو معتقل منذ عام 2012، وأسباب اعتقاله غير معروفة، كما أسباب حوادث كثيرة في سورية، حتى أن عنوان عيشنا أصبح اللامعرفة، فكل شيء مُغلف بالضباب. لا نعرف مثلاً أية آلية تحكم انقطاع الكهرباء وعدد ساعات التقنين، ولا سبب انتعاش السوق السوداء وبيع تجار معروفين الدولار واليورو، وهم يعملون لصالح شخصيات رفيعة المناصب ولا تخضع لمحاسبة ومساءلة. ويبلغ ربح كل تاجر بالدولار الواحد عشر ليرات أو أكثر، وفجأة وبعد أشهر، ينقض القانون على هؤلاء التجار، ويزجهم في السجن أسابيع أو بضعة أشهر، وعلى الأغلب يتم ابتزازهم، ثم يخرجون ليمارسوا المهنة نفسها.
لا نعرف شيئاً في سورية، لا نعرف لماذا لا يُزج بآلاف المحامين الذين جمعوا المليارات من ابتزاز أهالي المعتقلين الذين يقصدونهم لمعرفة أمكنة اعتقال أولادهم، وما إذا كانوا أحياء أم أمواتاً، ولكل سؤال تسعيرة، وقد تبلغ تسعيرة السؤال مليون ليرة. وربما لهذه الحالة من الغموض والمعرفة فوائد غير ملحوظة، إذ يستحيل أن يُصاب المواطن السوري بالخرف، لأن عقله منشغلٌ دوماً بحل الألغاز. ولا نعرف لماذا المحامون النصابون طليقون، والدولة تعرف أنهم يبتزون الناس المساكين، ولا نعرف لماذا يُسجن المحامي الشجاع المدافع عن حقوق المعتقلين، خليل معتوق، وما تهمته، وأية جريمة يُمكن أن ترتكبها مُراهقة في السابعة عشرة، كطلّ الملوحي، وكيف تحمّلت هذه الشابة وآلاف مثلها الاعتقال والتعذيب؟ كيف يمكن أن تفهم أو تصدق أن طالبة ثانوية عامة، مثل طل الملوحي، متآمرة مع دولة أجنبية عدوة وتقبض أموالاً؟ تجعل هذه التهمة فرائصنا تتقصف رعباً، نحن الذين في السجن الكبير، هي ومحاميها في السجن، يا لروعة المساواة في سورية، يتساوى المُتهم مع المحامي المدافع عنه.
يسألونني في سورية لماذا لم يتم عرض فيلم “هوى” المأخوذ عن روايتي “هوى”، وقد اشترت حقوق الرواية المؤسّسة العامة للسينما، وكانت المخرجة، واحة الراهب، وكاتب السيناريو، رياض نعسان آغا، وبطولة سلاف فواخرجي. يقبع في صندوق، كما المحامي خليل معتوق وطل الملوحي وراء القضبان. قال بعضهم إن الفيلم لم يعرض، لأن المخرجة وكاتب السيناريو من المعارضة، لكن كلامهم أغضب من قالوا إن الأهم بطلة الفيلم الموالية للنظام موالاة مطلقة. وهناك مسلسلات وأفلام كثيرة تم تصويرها في سورية، وبمال سوري ولم تعرض، بينما أفلام مخرجين موالين تُعرض وتُمول وتخصص لها حملة دعائية كبيرة. ومن الجنون أن يتباهى مسؤولون في النظام السوري بعودة النشاط المسرحي إلى اللاذقية، وبنجاح مؤتمر عن الفن عُقد في دمشق، وثمّة مدينة تحولت إلى مسلخ اسمها حلب، يموت كل يوم مئات من أبنائها، وتحولت مشاهد استخراج أطفال فيها من تحت الأنقاض إلى مسلسل يومي.
كل سوري واثق أن خليل معتوق محام شجاع وشريف وغير مرتش، ويطالب آلاف بالإفراج عنه، على صفحات التواصل الاجتماعي. وقد سألت عنه معتقلاً سياسياً سابقاً اعتقل 16 عاماً، وكان من رابطة العمل الشيوعي، فنصحني أن لا أكتب عنه، وأن لا أجعل منه أيقونة، وقد تعجبت من قوله، فالشعب السوري يريد أن يفهم ما يجري من اللغة الخُلّبية التي يتحدّث بها الإعلام عن اعتقال أشخاصٍ بتهمة المسّ بهيبة الدولة، أو وهن عزم الأمة (!). أي شخص هذا يستطيع أن يوهن الشعور القومي لـ 23 مليون سوري؟ أنت في سورية لا تفهم شيئاً، إذ ينشغل الجميع بحل الألغاز.
بالإذن من الصديق الذي ضاع شبابه في المعتقل، أعتبر خليل معتوق أيقونة الحق والشجاعة في مهنة المحاماة والدفاع عن حقوق المظلومين، بعد أن صارت هذه المهنة أشبه بالسمسرة وتديرها الرشى، وأصبح شعار المحامين الأحرار الذين يعيشون في وطنٍ تحول إلى سجنٍ كبير أو كفن “من يدفع أكثر يربح الدعوى”.
المصدر: العربي الجديد