ما بعد الإنتخابات الرئاسية السورية وأولويات المجتمع الدولي
مراكز الدراسات التي تعتمد آليات الحرب الناعمة، تعتمد فكرة عريضة في آلية تغييرها للأنظمة وهي: (القضاء على العدو ليس بقتله مباشرة، بل بإبطال مبادئه)، ووفق هذا الأساس تأتي التحركات الدولية بين أروقة السياسة الهادئة، لتصنع مظلة داعمة للمعارضة السياسية السورية، بينما النظام منهك في تبرير وجوده عبر انتخابات لا يرضى عنها سوى حلفاء دمشق القلائل، مقارنة مع مجموعة «أصدقاء سوريا».
المجتمع الدولي بادر بالفعل بسلسلة تحركات دبلوماسية لإشعار النظام السوري أنّه ضعيف، ولا مبرر حقيقياً لقيامه بمسرحية الإنتخابات التي يقوم بها رئيس سابق وشخصيتان غير معروفتين من الشارع السوري .
مؤشرات
نستطيع هنا إيجاز الرأي الدولي عبر المؤشرات التي حملها الأسبوعان الماضيان لعملية الإنتخابات السورية:
– إفتتاح مكاتب للمعارضة السورية في أميركا ولندن.
– الوعود الفرنسية الكبيرة للمعارضة السياسية، وتقدّم فرنسا بمشروع نحو مجلس الأمن بهدف إحالة مرتكبي جرائم الحرب السورية إلى محكمة الجنايات الدولية، وطبعاً قوبل هذا المشروع بفيتو مزدوج «صيني-روسي» .
– منع الإنتخابات الرئاسية في كلّ من سفارات سوريا في ألمانيا وفرنسا والسخرية منها.
– طرد السفير السوري من أهم دولة جارة لسوريا حالياً هي «الأردن»، تزامناً مع معلومات حول دعم وشيك لجبهة الجنوب السوري، والسماح بالإنتخاب للسوريين في الأراضي الأردنية بعد طرد السفير الأردني وتعيين بديل عنه لكن من المعارضة!
طبعاً هذه مؤشرات هامة في عمر الأزمة السورية، وتأتي قوتها من خلال تزامنها مع قرب الإنتهاء من ملف الكيماوي السوري، ومحاولة قتل ما أمكن من طرفي النزاع العسكري المصنّفين دولياً بالإرهابيين، «حزب الله»، و»جماعات القاعدة»، خصوصاً بعد اشتراك مقاتلي «حزب الله» في معركة حلب، التي تمثّل اليوم أهم تمركز لمقاتلي «جبهة النصرة»، وبدء مرحلة تصفيتهم مثل القيادي «فوزي أيوب» الملقّب بأبو عباس، وهو المصنف وفق « FBI»على أنّه من أخطر الإرهابيين «حيث اعتقل أيوب لدى إسرائيل عند بدء الإنتفاضة الفلسطينية عام 2000، ثم أُفرج عنه بعد ثلاث سنوات في عملية تبادل عام 2004، ثم اتهم في ميتشيغن يوم 5 آب 2009 باستخدامه جوازات سفر أميركية مزورة بهدف الدخول الى إسرائيل».
أمّا مقاتلو النخبة لدى «حزب الله» باتوا على أعتاب حلب، ويخوضون اليوم معاركهم ضد «القاعدة»، وهذا بطبيعة الحال أمر يفرح المجتمع الدولي، لأنّه في النهاية سيؤدي إلى تصفيتهم مع مقاتلي «القاعدة».
أسباب تأخير الدعم
من هنا علينا توقّع تأخر المجتمع الدولي في تقديم الدعم العسكري للمعارضة السياسية من أجل إنهاك المعارضة الإسلامية، وصولاً إلى مرحلة إضعافها أمام تيارات عسكرية معتدلة ومحتضنة من قبل «حلف شمال الأطلسي» ومجموعة أصدقاء سوريا، وهذا ما حاول الرئيس الأميركي توضيحه في كلمته من نيويورك في 29 الشهر الماضي.
فكما يبدو أنّ الأميركيين وحلفاءهم قرروا ترك الإنتخابات الرئاسية على حالها، مع محاولة الإستخفاف بأي نتيجة تحققها تمهيداً نحو عدم الإعتراف بها، ثم سيبادرون إلى تزويد المعارضة السياسية بالسلاح، بعد ان ترتب بيتها الداخلي بإشرافهم الذاتي عليها، حيث سيشترط على الجهات الحاصلة على السلاح ان تستخدم هذا السلاح ضد طرفي الصراع الإرهابيين وفق التصنيف الدولي (حزب الله، دولة العراق والشام الاسلامية، جبهة النصرة).
بينما الروس كانوا أسرع في تنفيذ الأجندة الدولية لمحاربة الإرهاب، وطبعاً بتوافق مع الولايات المتحدة، والتأكيد على هذا الأمر هو توجيه نظام دمشق لضرورة دعم الأكراد بالسلاح يقيناً منهم ومن الأميركيين، ان الأكراد سيضطرون إلى توجيه هذا السلاح ضد تنظيمي النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية» ISIS».
وبهذا الأسلوب تكتمل وعود خطاب القسم للرئيس أوباما حول محاربة الإرهاب، فالمقاتلون الأكراد في سوريا جلّهم من مقاتلي «PKK « المصنف كحزب إرهابي، وبذلك يستطيع المجتمع الدولي أن يفرض على الجماعات الإرهابية القتال في ما بينها تمهيداً لمرحلة التدخّل الأكبر.
تقسيم سوريا
معطيات ستوضح لنا قريباً أنّ المجتمع الدولي قسّم الدولة السورية إلى قسمين رئيسين:
قسم مضطرب: ويتمثّل بمناطق الإشتباكات المستمرة، وسيتركّز في الشمال السوري، وستكون الغلبة فيه في النهاية للمعارضة السياسية المتمركزة في
اسطنبول.
قسم قلق: وهو قسم المناطق التي يسيطر عليها النظام حالياً، ومتوقع ان تظلّ هذه المناطق شبه مستقرة. طبعاً ولا يهم إن بقي النظام فيها، ام تحوّلت لطرف معارض أو حتى لحكومة إنقاذ وطني «معارضة-نظام»، لأن الحكم في هذه الرقعة الجغرافية سيكون حكماً مختلفاً في آرائه عن آراء وشعارات حكومة الأسد الأب والإبن الفضفاضة.
فالخصخصة وسياسات إعادة الإعمار ستكون ضمن أولويات المرحلة المقبلة، وطبعاً المال لن يكون لزعماء المافيا القدماء عند النظام، أمثال حمشو ومخلوف، بل سيكون عبر شركات إعادة إعمار هامة، وضمن رقابة دولية نافذة برعاية وإشراف إقليمي «سعودي-ايراني».
السلام مع إسرائيل
ولا يهم إن كان الحاكم في هذه المنطقة مقتنعاً بمشروع السلام مع اسرائيل أم لا، بل المهم أن تلغى المزايدات والشعارات التي أطلقها حزب «البعث العربي الإشتراكي» في أدبياته، فما ينتظر سوريا الجديدة مختلف جذرياً عن أحلام السوريين أنفسهم. والسبب الرئيس في انكسار أحلام السوريين أنّهم سلّموا بلدهم للمجتمع الدولي المتناحر نحو تحقيق مكاسبه الخاصة، وهذه المكاسب بالطبع لن تكون في مصلحة السوريين أنفسهم.
فأدبيات السياسة تعلمنا تاريخياً أنّ الدول الكبرى تقدّس مصالح أحزابها الوطنية أولاً، ومن الخطأ ان يظنّ كل من طرفي الصراع في سوريا أنّ طرفاً دولياً معيناً ملزماً أخلاقياً مساعدتهم بالمجان.
فالسياسة تبنى على المصالح، والمصلحة الدولية اليوم تقتضي بأن يُقضى على الجماعات الإرهابية وعلى كل الداعمين والمموّلين لها.
(المصدر: الجمهورية)