مساعي السيطرة على الثورة السورية تكشّف خلافات الاسلاميين والعلمانيين
*كلنا شركاء- مراسل المحليات- دمشق*
لم تكن المشادّات الكلاميَّة التي وقعت بين ناشطين « علمانيين واسلاميين » معارضين، في تظاهرة مناهضة للنظام السوري بمدينة سراقب بريف ادلب مجرد حادثة محلية، الواقعة كانت في منتصف شهر شباط العام الجاري تسبّبت في كسر سارية علم الاستقلال ورميه بالأرض. وبعد الخلاف وفي نفس التظاهرة رفعَ العلمانيين أعلام الاستقلال الذي أصبح رمزاً للثورة وهتفوا « وحدة حرية دولة مدنية », أما الاسلاميين رفعوا الأعلام السوداء التي كتبَ عليها (لا الله الا الله محمد رسول الله) وهتفوا « وحدة حرية دولة اسلامية ».
لعلَّ هذه الحادثة كانت مقدمة لسلسلة حالات تكّررت بعدها لتكشف حجم الاحتقان الذي قد يُفجر الصراع في أي لحظة بين قوى علمانية تسعى إلى عدم صبغ الثورة السورية بصبغة دينية أو عرقية او مذهبية من جهة، وقوى إسلامية تسعى جاهداً لفرض الخلافة الإسلامية والعودة إلى التشريع الحنيف من جهة أخرى.
وائل ابراهيم أحد الناشطين من حي بستان القصر بمدينة حلب ملقب بـ “ابو مريم” اشتبكَ مع القوى الإسلامية التي تسيطر على التشكيلات العسكرية والهيئة القضائية في شمال سوريا، تم استدعائه من قبل الهيئة الشرعية التابعة للجبهة الاسلامية في حلب الى مقرها ووجهت له تهم (رفض الخلافة الاسلامية واهانة راية التوحيد والتعامل مع النظام)، الهيئة استندت في أدلتها على مقطع فيديو نشر على موقع « اليوتيوب » ورغم نكران “أبو مريم” التهم إلا أنه لم يلغِ قرار حكم الهيئة بضربه 10 جلدات.
“أبو مريم” يروي كيف بدأت الخلافات بينه وبين الإسلاميين المتشدّدين, يقول:” بدأت القصة بخلاف بيني وبين أحد المتظاهرين الاسلاميين عندما حاول رفع لافتة اسلامية أمامنا, يريدون تسيس المظاهرات للمطالبة بالخلافة الاسلامية”
وفي المقطع المذكور يظهر فيه “أبو مريم” ويمسك لافتة من أحد المتظاهرين ويرميها ويشير بأصابعه بأن لا يعيد رفعها. ولكن بحسب الناشط وائل ابراهيم فإن المحكمة التي امتثلَ أمامها استمدت شرعيتها بقوة السلاح، وهو لم يعترف بالمحكمة ولا بشرعيتها وقال” أنا لا اعترف بمثل هذه المحكمة التي حكمت علي بـ 10 جلدات والتهم الي وجهت إلي”.
الحادثة لم تكن هي الأولى من نوعها التي تعرض لها الناشط أبو مريم, إذ قامت جبهة النصرة بضربه وسجنه عشر ساعات على خلفية هتاف له في احدى المظاهرات قال فيها « كل الجيش حرامي، أسدي وحر وإسلامي » هذه الجبهة قبل عدة أيام بايعت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وعلى لسان المسؤول العام لها أبو محمد عبد الله الجولاني.
الدول المانحة لتشّكلات الجيش الحر وعلى رأسها « السعودية وقطر وتركيا » تتناغم مشاريعها مع مساعي القوى الإسلامية التي باتت تسيطر على معظم الكتائب وألوية المعارضة, إنهاء الدولة العلمانية في سورية وفرض الخلافة الاسلامية قبل الوصول الى صناديق الاقتراع.
محمد الشامي شاب في الثلاثين من عمره ملتحٍ حلق شاربه وشعر رأسه, وعند السؤال عن ملامحه أنها توحي بأنه ينتمي للتيار السلفي قال” لا أبداً: هذه كانت ملاحم الرسول الكريم والسلف الصالح”
يحمل شهادة معهد متوسط للمحاسبة, عمل في تنسيقيات الثورة في أحياء دمشق, كان يصور وينضم المظاهرات. بعد ارتفاع درجة العنف المُمنهج من قبل النظام, قرر تشكيل كتيبة عسكرية, أطلق عليها اسم (كتيبة الناصر صلاح الدين) عديدها قرابة مائة عسكري منتشرة في عين ترما بالغوطة الشرقية بريف دمشق. لا ينكر رغبته بانتقال السلطة إلى الاسلاميين, يقول محمد ” أنا إسلامي وسطي غير متشدد أرغب أن تنتقل السلطة إلى الحكم الإسلامي المدني الذي يعتمد على إرساء الديمقراطية ومذهب الدين الاسلامي الحنيف ولكن بشكل تدريجي بالتوافق مع الشعب “
محمد أكد أن سورية وخلال عقود شهدت كل أشكال الحكم بدءاً من النظام الملكي وانتهاءً بالنظام الاشتراكي البعثي, كانت جميعها مستبدة ودكتاتورية. ويرى أن من حق الاسلاميين استلام السلطة وإعطائهم الفرصة. يقول ” في سوريا بشكل عام مجتمع متدين يحن بطبيعته إلى الحكم الإسلامي, من الطبيعي أن ينحاز الشعب لمن يحمل الفكر الإسلامي الذي يحض الناس على الجهاد والتضحية في سبيل الله “
داريوس أوسي ناشط مدني علماني التوجّه من مدينة راس العين( سري كانيه) كما يطلق عليها اكراد المنقطة. نزح هو وعائلته عن مدينته بعد دخول الكتائب الاسلامية إليها, وصف دخولها انها جاءت لتحرر المدينة من سكانها؛ قال” دخول الكتائب الإسلامية إلى مدينة سري كانيه من الحدود التركية وحمايتها من قبل القوات التركية هو دليل واضح على إن تلك الكتائب ليست لها علاقة بالثورة السورية، بل هي عبارة عن ميلشيات مسلحة غايتها إفراغ المنطقة الكردية من سكانها”
تلك الكتائب الاسلامية والمعروفة بـ « غرباء الشام » كانت السبب في تشّرد عائلته إلى ثلاث دول, حيث نزح والداه وقسم من إخوته إلى تركيا, وبقي أخوان له في سوريا, أما هو وزوجته وأولاده فقد نزحوا إلى كردستان العراق. يضيف قائلاً ” رأس العين تضم الكورد والعرب والسريان والأرمن والتركمان والشيشان، لم يقبلوا بتلك الكتائب وليس لهم حاضنة اجتماعية، تسببوا في قصف طيران النظام للسكان الآمنين بالقذائف الصاروخية، مما أدى إلى هجرة أكثر من أربعين ألفاً من مواطنيها إلى تركيا والقرى المجاورة”
ويرى أبو عبيدة قائد ميداني في لواء اسود الغوطة بريف دمشق ” أن الدول الغربية عموماً وأمريكا خصوصاً لن تتعامل مستقبلاً إلا مع الاسلاميين سواء أكانوا معتدلين او متشددين”
وأضاف “الاسلاميين سيحكمون سورية مستقبلاً, وتغيبهم او عدم الاعتراف بهم ستشكل عقبة حقيقية في أي اتفاق أو تسوية سياسية لأنهاء الصراع الدائر منذ عامين”.
* خلافات الاسلاميين مع العسكر في تشكيلات الجيش الحر:
الخلاف امتدت الى تشكيلات الجيش الحر, الاسلاميين كانوا اول من شكلوا الكتائب المسلحة وانتشروا بسرعة لاسيما في الاطراف وارياف المدن لانتشار حاضه اجتماعية للجيش الحر. السلفيين والجهاديين لا ينكر احد شدة بأسهم وإخلاصهم لمبادئهم واستعدادهم العالي للتضحية والشهادة، هم الأبعد سياسياً عن شعارات الحرية والديمقراطية. وهم كذلك الأكثر استسهالاً للتجاوزات والأعمال الانتقامية ضد النظام، وما يزيد الأمر تعقيداً زيادة أعداد المقاتلين الاجانب الوافدين من الخارج لنصرة الإسلام في بلاد الشام، وتدخل المال السياسي في تمويل بعضها وخاصة الأكثر تطرفاً.
ولكن اغلب الكتائب والالوية العسكرية سواء التابعة للجيش الحر, او تلك التي تأسست بتوجيهات من الجماعات الاسلامية في خارج سوريا مثل الاخوان المسلمين, يكون قادتها مدنيين ولا وجود للقادة العسكريين. لعدة اسباب منها:
* قلة المنشقين العسكرين يقول عنها محمد الشامي قائد كتيبة الناصر صلاح الدين ” ببساطة لقلة عدد المنشقين من العسكر خاصة في اول الاحداث كان معظم المنشقين يلوذون بالفرار خارج سوريا خوفا على ارواحهم وعلى عوائلهم هذا من جهة. ومن جهة اخرى لإنعدام ثقة المدنيين بهم ولا اشمل الجميع ولكن البعض منهم لا نثق بهم”
ولا يخفي الشامي الطمع في السلطة حيث يضيف” يوجد بعض القادة المدنيين طمعوا بالسلطة ورفضهم التنازل عنها لصالح الكفاءة العسكرية بحجة إن هؤلاء المجندين كانوا من مناصري النظام وانهم قد يكونون مندسين من قبل النظام. ولكن السبب الحقيقي هي السلطة والطمع بها”
لواء الاسلام اكبر المجموعات العسكرية في ريف دمشق اسسه الشيخ زهران علوش, وشقيقه اسلام علوش الناطق الرسمي باسمه. لواء الفرقان اكبر لواء عسكري منتشر في جنوب دمشق, اسسه محمد الخطيب الملقب” كلينتون” قادة هذه الالوية العسكرية لا تثق بالمنشقين العسكريين مما يزيد الخلاف بين الجناح العسكري في الجيش الحر وهم قلة من جهة, والمدنيين ذوي الاتجاهات الاسلامية من جهة اخرى.
محمد ابو عزة( 26 سنة- كان موظف في شركة خاصة) الناطق الاعلامي في لواء الفرقان يرى ان ولائهم الكامل لقائدهم المدني كلينتون يقول” ولائنا لقيادتنا المدنية, نحن يجب أن نكون حذرين من الجنود العسكريين لكي لا ينقلبون علينا بعد انتصار الثورة “
كلمات محمد البسيطة كشفت الشكوك من خطر قادم, السوريين وبعد ان خاضوا تجربة الانقلابات العسكرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي, بعد تولي حزب العبث « ذو التوجه الاشتراكي العلماني » السلطة وبقائه في الحكم لأكثر من اربعة عقود, أفقد ثقة الاسلاميين بالعسكر عموماُ.
يضيف محمد” الثقة قد تؤدّي إلى عودة العسكر للحكم في سوريا, لذلك نحن نثق بقادتنا المدنيين فقط”
احد عناصر كتيبة الناصر صلاح الدين التي يتزعمها محمد الشامي كان يدعى عبد الله القرطبي(24 سنة صف ضابط منشق) أصله من درعا جنوب سوريا. كان رقيباً في اللواء 52 اختصاصه سائق دبابة. انشق قبل عام وثلاثة اشهر. بداء كلامه بالقول” بسم الله و الصلاة و السلام على نبينا وقائدنا محمد” تابع ” هذه الحالة من الثورة شكل جديد مضمونه التسلط والاقطاعية والعصبية العائلية مثل لواء شهداء دوما مؤلف من عائلة طه وخبية. ولواء اسود الغوطة مؤلف من عائلة الاجوة. و ثوار الغوطة من عائلة رجب. وهذه الالوية قاموا بانتهاك اعراض بعض العائلات باقتحام بيوتهم وقت خلوها من الرجال, وقاموا بسرقة بيوت المدنيين النازحين, وقاموا بسجن الكثير من الثوار ومحاكمتهم, بطرق لا تمت لأية صلة بالثورة او الدين الاسلامي”
ويضيف القرطبي” تحوي هذه الالوية على قيادات عسكرية ولكن دون فائدة, هؤلاء واجهة يستخدمونهم لجلب الدعم المادي من المجالس والجهات الداعمة فقط, ولكن على ارض الواقع القيادة للمدنيين”
واخيراً: توجت خلافات العلمانيين والاسلاميين عند تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية, حيث برز جناحين داخل الائتلاف:
احدها قادها رئيس المستقيل الشيخ معاذ الخطيب ورياض سيف ومجموعة شخصيات علمانية ليبرالية, والجناح الاقوى المهيمن عليه هو الاسلامي الذي مثله حركة الاخوان المسلمين والقوى المنضوية تحت لوائه.
(المصدر : كلنا شركاء)