نازحات سوريّات في لبنان… بين الدعارة والإتجار والاستعباد
عندما يجري الكلام عن بنات الليل، يعتقد كثيرون أنّ المقصود الفتيات الروسيات أو الأوكرانيات، بعد أن ارتبط اسمهمن بهذه المهنة، وذاع صيتهن في المجتمع اللبناني خصوصاً لدى فئة الشباب. إلّا أنّ حركة النزوح الهمجية التي شهدها لبنان، والتي لا طاقة له على تحمّلها، غيّرت في المعادلة، وأضحى بعض «السوريات» ضحيّة متنفذين يتاجرون بهنّ حتى الاستعباد.
مَن يغوص في التفاصيل أكثر يجد أنّ نسبة عمل الفتيات السوريات في هذه المهنة إلى ازدياد لا بل إنّ الأعداد تتضاعف يوماً بعد يوم خصوصاً أنّ هناك إغراءات تشجع على القيام بهذه الأمور. صباح الطبولي فتاة في العشرينات من عمرها، من بلدة حلب السورية، جاءت وعائلتها هرباً من الحرب الدائرة هناك.
سكنت وعائلتها منطقة بدبا في الكورة وأضحت الشقة التي تسكنها «بيت دعارة» وعلى عينك يا تاجر، حيث تبيع صباح جسدها ومعها أخواتها ووالدتها البا وهي في الأربعينات من عمرها. غالبية الشبان في منطقة الكورة يقصدون الشقة فالأسعار مدروسة تبدأ من عشرين ألف ليرة وتزيد التسعيرة وفقاً للعروض التي تقدّمها الفتيات للرواد. أما تمضية نهار كامل خارج الشقة مع الزبون فلها تسعيرة خاصة رفضت صباح إعطاء معلومات عنها.
الشيخ صدام وبيوت الدعارة
سوق الدعارة كما كل الأسواق في لبنان على تعدّدها مقسّمة ومجزّأة وفقاً لمحاصصات ومحسوبيات محدّدة. وتتميّز الكورة بسوقها الكبير لأنه يمتد من البترون مروراً بشكا وصولاً إلى المناطق الجبلية وأولها بشري. وهذا السوق كان تحت أمرة رجل سوري ملقّب بـ«الشيخ صدام».
للأخير خبرة كبيرة في هذا المجال تزيد عن العشرين عاماً على ما تقول صباح، وهو مَن قضى أعواماً بالإتجار بالبنات وبيعهن في السوق السوداء وسوق الدعارة. كما أنه بدأ يبني علاقات قوية كي يحمي نفسه محلياً هذا ناهيك عن الحماية التي كان يتمتع بها والنفوذ المعطى له من السوريين ولا يزال الى يومنا هذا.
وكان ينشئ في كل بلدة تقريباً من منطقة الكورة بيت دعارة، وقد تختلف البيوت حسب كل بلدة. فظاهرياً قد يكون أحد مكاتب توظيف الفتيات في القلمون هو الواجهة، أما في الواقع فهو بيت دعارة.
ويضمّ المكتب لبنانيات غالبيتهنّ من منطقة الضنّية وطرابلس إضافة إلى السوريات اللواتي لم تكنّ معروفات كما اليوم. والتسعيرة نفسها تسري على اللبنانيات والسوريات، وفي الساعة الواحدة مئة ألف ليرة لبنانية، حيث حصة الفتاة من هذا المبلغ الربع فقط والباقي يُعطى للشيخ صدام.
كما أنه حفاظاً على سرّية عمله كان يرسل سائقين يرافقون الفتيات إلى حيث الزبون، كي لا تقوم البنات بأيّ عمل قد يخالف قانون الشيخ صدام. وكان ممنوعاً على الفتاة أن تكون على علاقة مباشرة مع الزبون لا بل الشيخ صدام كان الرقيب الدائم للبنات اللواتي كنّ يعشن حياة العبودية بكلّ ما للكلمة من معنى.
سلعة لدى أصحاب المصالح
اليوم، ومع حركة النزوح الكبيرة أضحى الإتجار بالسوريات وإرغامهن على الدعارة أمراً اعتيادياً بالنسبة للكثيرين. فالفتاة السورية أضحت اليوم سلعة يتبادلها أصحاب المصالح لتأمين مكسب مادي معين. تقول إحداهنّ وتجهش بالبكاء.
هي ابنة التاسعة عشر من عمرها جاءت من بلدة ادلب السورية واليوم تعمل بائعة هوى وتتنقل في مناطق الشمال كافة وإذا كان السعر مغرياً توسّع نشاطها. تدعى أليسار وما كانت في الاساس تريد العمل لكنّ ظروفها المعيشية الصعبة، كما تقول، أجبرتها على بيع جسدها مقابل المال.
تعرّفت بواسطة إحدى صديقاتها على «المخ بدر السكسك» وهو أحد زعماء عصابات تشغيل الفتيات السوريات. والمعضلة تكمن في أنّ العمل مع الحاج بدر يخضع لشروط جمّة أولها إعلان الولاء التام له والخضوع لأوامره وتلبية رغباته وطلباته مهما كانت.
الأمر الثاني أنّ جواز سفرها سُحب منها طيلة فترة إقامتها في لبنان وبهذا أضحت تشعر أنها مقيّدة ومستعبَدة كلياً. وهي تقول إنها تعيش حياة ذليلة، عليها أن ترضخ للزبون وتنفّذ أوامره حتى إنها في الكثير من المرات تتعرّض للتعنيف الجسدي.
فهناك نوع من التمييز الطبقي لسببين: الأول، لأنها فتاة سورية، فينظر لها الزبون بطريقة دونية على أساس أنها من الفئة الكادحة وتعيش تحت خط الفقر. والثاني، لأنّ البعض أحياناً يسخر منها إذ إنها تبيع جسدها مقابل المال والزبون الذي يسعى جاهداً لاستعبادها ومعاملتها على أنها ليست كائناً بشرياً.
وفي حال لم تنفّذ طلباته فالعقوبة حينها ستكون قاسية عند الحج السكسك الذي يسجنها في غرفة لمدة هو يحدّدها والأهمّ من هذا كلّه أنها تكون في العري الكامل ويدخل بعض الأشخاص المقرّبين من الحج حينها للسخرية منها. وبذلك تصبح للمرة الثانية مجرّدة من حقوقها وإنسانيّتها.
على عينك يا تاجر
ومن بين أكثر المشكلات إلحاحاً، مسارعة بعض اللاجئين إلى تزويج بناتهن المراهقات من لبنانيين لحمايتهنّ من الظروف المعيشية السيّئة وضمان مستقبلهن. هذا في العلن، أو إذا أردنا القول إنّ الزواج هنا واجهة لا أكثر لتغطية الدعارة فتصبح في هذه الحال شرعية مئة بالمئة على ما تقول هويدا وهي سورية ابنة الخامسة والعشرين.
وهويدا تزوّجت من هارون (السيد) وهو من منطقة المنية على أساس أنها تريد السترة في كنف عائلة تحت سقف يحميها من العوامل التي يمكن أن تعود عليها بالضرر. ويوماً بعد يوم راح يتّضح لها أنّ زوجها غيّر معاملته لها بعد أن حقّق مبتغاه الجسدي منها، ليبدأ فرض العمل عليها في الدعارة فهي زوجته وعليها أن تنفّذ ومن ثمّ تعترض إذا كان هناك من اعتراض.
اليوم وبعد مرور عام على زواجها اعتادت على بيع جسدها لأنه في النهاية لا حول ولا قوة لها، وزوجها مستعدّ لتقديمها على طبق من فضة لمن يريد. ولكنّ هويدا قالت كلمتها وأدارت ظهرها ومشت على هواها..
دعارة حرة
ليس في إمكان السوريات الدفاع عن أنفسهن والمطالبة بحقوقهن، وبالتالي هرباً من الواقع المرير الذي يعشن فيه، أضحين اليوم يعملن لحسابهن الخاص. غالبيتهنّ لا يردن العمل تحت أمرة هذا وذاك واستغلالهن. من هنا تنتشر النازحات الجميلات اللواتي لجأنَ إلى طرق غير شرعية لكسب المال بهدف تحقيق حياةٍ أكثر رفاهية وفي رأيهنّ هذه الحياة بلا شك خالية من المشقّات وتَقيهنّ مصارعة المتاعب والشقاء.
هنّ هربن من بلدهن طلباً للحرية وها هنّ اليوم يبعن اجسادهن. فاستغلال السوريات وبيعهن أضحى موضة العصر بالنسبة للكثيرين. في حين هناك امتعاض كبير من المجتمع حيال تقاعس الدولة تجاه هذا الملف وتسييسه ولا سيما أنّ عصابات الدعارة يديرها بعض الساسة وحيتان المال. فمَن يحمي السوريات ويضمن لهنّ البقاء على قيد الحياة؟
(المصدر: الجمهورية)