نداء ضد الجمهوريّة في العالم العربي
بقلم: عهد الهندي
صحيح أن النظام الجمهوري يضمن تشاركية واسعة في الحكم، لكن الوصول الى نظام حداثي كهذا لا يتم بقرار مِن
الأعلى ومن دون تشكّل عقد اجتماعي متطور في شكل طبيعي ينظّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فمقارنة تجربة الملكيات العربية بالجمهوريات، تؤكد أن الأولى كانت أكثر تمثيلاً للشعوب المحكومة وكانت شعوبها أكثر سعادة.
فالنظم الملكية، حافظت على العقد الاجتماعي الطبيعي بين الحاكم والمحكوم، فيما الثانية فرضت عقداً اجتماعيا دخيلاً لا يعبّر عن الواقع.
في الملكيات العربية، هناك عوائل وبيوتات سياسية قديمة في الحكم. فعلاقة المغاربة بسلالة العلويين الفيلاليين الحاكمة تعود الى القرن الثالث عشر، وعلاقة آل سعود بأهل الحجاز علاقة قديمة، حيث يعود تاريخ أول دولة سعودية إلى منتصف القرن الثامن عشر. كذلك الأمر بالنسبة الى العائلات الست الحاكمة في الإمارات (النهيان، المكتوم، القاسمي، النعيمي، المعلا، والشرقي)، وآل الصباح في الكويت، وخليفة في البحرين، وآل ثاني في قطر.
فشعوب هذه الملكيات ترتبط بعلاقات مبايعة قديمة مع العائلات الحاكمة لها. والعقد الاجتماعي الذي يربط ويؤسس للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في هذه البلدان، عقد واضح يؤمن بالحكم الملكي، ولا يدّعي أنه نظام ديموقراطي تمثيلي.
أما في الجمهوريات العربية المصطنعة، فالشكل الجمهوري كان شكلاً حديثاً لا يتّفق مع واقع الحال. لقد حُكِمت الجمهوريات العربية أيضاً من عوائل، إلا أنها عوائل مارقة لم تقوِّ نفسها بشرعية الدم بل بعصبوية طبقية مثل النظام المصري الذي أسّسه عبدالناصر، أو عصبوية طائفية طبقية كنظام الأسد، أو عشائرية على طريقة القذافي. كان غطاء العصبويات هذه أيديولوجيات تدّعي الحداثة، والمفارقة المضحكة أنها كانت ترفض النظام الملكي «الرجعي»!
الفرق الواضح بين الملكيات والجمهوريات، أن الملكيات تحكمها عائلات عتيقة قَبِلها الشعب بطريقة تشبه العقد الاجتماعي الذي نظّر له توماس هوبز، أي التسليم للحاكم المطلق مقابل قيام الحكام بمنح الأمان والاستقرار، أو ربما في بعض الحالات كانت العلاقة تأخذ شرعيتها من نظرية الحق الإلهي في الحكم.
على عكس الجمهوريات العربية، والتي قامت عبرها عائلات هامشية بتنصيب نفسها على شعوب لا تؤمن بها، بطريقة كانت أكثر رجعية من عقد هوبز أو نظرية الحق الإلهي في الحكم، فإنّ الحكّام في الجمهوريات العربية (صدام حسين، حافظ وبشار الأسد، معمّر القذافي)، لم يمارسوا صلاحيات الملك المطلق وحسب، بل كان حكمهم أشبه بحكم الآلهة للعبيد.
شيطنة الملكيات العربية ليست فعلاً تحتكره ماكينات الأنظمة «الجمهورية» العربية، بل أيضاً فئة مهمة من المثقفين العرب. ففي الساحة السورية، تنتمي إلى هذه الفئة فئة سورية تسمي نفسها بفئة «المثقفين السوريين»، وغالبيتها من العلمانيين اليساريين المعارضين للأسد. تسيطر هذه الفئة على المبادرات الفكرية، لأسباب تتعلق بالتاريخ النضالي لها وعلاقاتها القديمة قدم الحزب الشيوعي في سورية ولبنان بالنخب الثقافية اللبنانية، من الوصول لوسائل الإعلام العربية.
إن الطوباوية الفكرية لهذه الفئة منعتها من ممارسة السياسة والديبلوماسية، وحوّلت أفرادها إلى أيديولوجيين يرون العالم من باب حقوق الإنسان والديموقراطية وحسب. وهذا ما دفع بالإسلاميين الأكثر دينامية إلى فرض أنفسهم على الساحة وقبولهم بالحالة الراهنة العربية. فهم قابلون بواقع الدور الذي تلعبه النظم الملكية العربية في سورية ودور الدول الغربية العظمى، على رغم أن الإسلاميين ومعبرهم الإخواني هم أكثر من يناصب الوضع الراهن العربي والعالمي العداء. فمن السخرية بمكان، أن نرى الجمهوريين السوريين متمسكين بأيديولوجياتهم في شكل مطلق ينازع تمسك الإسلاميين بأيديولوجياتهم.
والحال، فإن على هذه النخبة الكف عن مشاهدة العالم من زاوية صوابها السياسي المؤدلج، فالحديث عن ضرورة الجمهورية وكولونيالية العالم الغربي ورجعية الممالك العربية، لن يغير شيئاً في هذا العالم، ولن يزيد سوى تيارات الإسلام السياسي المتطرف قوةً ونفوذاً.
المصدر: //جريدة الحياة 6/2/2016//