نشاط المدرسة القادرية وامتدادها
بقلم: عصام خوري
JAN.11.2009
تزايد انصار المدرسة القادرية بشكل كبير، متأثرين بتراجع دور المدرسة الخزنوية “المدرسة الدينية الاكبر في منطقة الجزيرة السورية”، وخاصة من المريدين المتصوفين المسلمين العرب والتركمان، في حين يلاحظ التزام كبير من قبل الخزنويوين الكرد بالطريقة الخزنوية، ولعل هذا ناجم عن النزاع التاريخي الكبير بين الحزبين الأم لهما في العراق، حيث يلتزم التيار الطالباني بالمدرسة القادرية، في حين ينحو انصار البرزاني المتدينون نحو الخزنوية.
وبما ان المدرسة القادرية واحدة من المدارس الدينية التي تعتمد على المذهب الحمبلي المعروف بتشدده بين المذاهب الاربعة الرئيسية في الدين الاسلامي، فقد استطاعت أكثر من غيرها على استقطاب عموم الشباب المتشدد، خاصة وأن الشيخ عبيد الله التزم بمنهج الشيخ عبد القادر الجيلاني ومنهج والده الشيخ أحمد القادري وذلك بإعطاء الأوراد وإدخال المريد الخلوة ليُطهر قلبه عن الشواغل التي تقطعه عن الله من حب المال والجاه وغير ذلك. ومن هذه الخلوات التي كان يهتم بها خلوة الأنفس السبعة التي نص عليها الشيخ عبد القادر الجيلاني في كتابه ” الفيوضات الربانية في المآثر والأوراد القادرية” وفي بعض الكتب الأخرى التي تقسم إلى سبع مراحل، وكل مرحلة من هذه المراحل لمجاهدة نفسٍ من هذه الأنفس السبعة. فكان المريد عندما يدخل خلوة الأنفس السبعة لا يخرج منها حتى ينهي المراحل السبعة وذلك لينتهي من شرور نفسه .
عبر هذا الاسلوب وجد الكثير من المريديين الشباب التزام الشيخ عبيد الله بهذا النهج دلاله هامة على مدى جدية خط هذه المدرسة، وعدم تشتتها وفق كل شيخ ديني جديد منها كما حدث مع بعض شيوخ الخزنوية.
فازداد المال على هذه المدرسة مؤخرا، وخاصة من خلال المال المقدم كمساعدات للفقراء من قبل بعض مروجي التيار الوهابي في شمالي الجزيرة السورية، حيث نقل الفقراء الملتزمين بخط القادرية جزء من مالهم للمدرسة ذاتها، رغم تخالفها التام في النهج مع الفكر الوهابي.
وهذا ان دل على امر فإنه يدلل على مدى غياب النضج الديني بين شباب المنطقة الشرقية الشمالية في سوريا، واتزامهم بالخط العشائري والعرف القبلي أكثر من القناعة الدينية، حيث كثير من رجالات القبائل العربية هم من المقتنعين بالطريقة القادرية، وهذا الامر انعكس على عموم افراد القبيلة أو العشيرة أو حتى القرية. وكون المدرسة القادرية ليست بغنى المدرسة الخزنوية في الجانب المالي، فتميزت بمدى تزمت مريديها كرد فعل لضرورة الاستمرار ومنافسة الخزنوية.
انتشار القادرية واتباعها:
يتفاخر ابناء المدرسة القادرية، وخاصة اتباع الشيخ عبيد الله بانتشار اتباعهم لخارج سوريا (السعودية-الإمارات-مصر-الأردن-لبنان-العراق-تركية – وبعض الدول الأجنبية)، ويمثل هذا الانتشار قدرة عالية في التأثير والتواصل بين بعض أجهزة الدول. فتأتي بعض القضايا المصيرية عند الأمة الاسلامية كنقطة حوار بين نشطاء واتباع هذه المدرسة، فخلال فترة اجتياح غزة كمثال مؤخرا لوحظ نشاط كثيف بين اتباع هذه المدرسة عبر المنتديات الاسلامية، لهدف النقاش حول حال المسلمين، على الرغم من أن سياسة هذه المدرسة هي سياسة تصوفية تبتعد عن السياسة، لكن دخول عناصر عديدة ضمن هذه المدرسة وبغياب متابعة عامة لهم، جعلتهم في حيرة بين مفهوم الجهاد للتقرب من الله، أو التماهي مع المطلق من خلال ممارسات التصوف للوصول لله، بين هذا النقاش المستفيض ظهر مؤخرا عدد من اتباع هذه المدرسة يشجعون التبرع للجهاد وأخوتهم في الاسلام في غزة كحل وسطي، في حين اخترقت عديد من منتدياتهم بعدد من الشباب العربي المتدين المندفع الذين اتهمهم بالتقاصر عن لهفة المنكوب، فأتت بعض ردودهم مع مبدأ التعامل مع المنطق وامكانية التبرع للمسلمين والدعاء لهم في خلواتهم الروحية سواء أكانت تعني انصار حزب الله التركي أو مسلموا فلسطين “الجهاد وحماس”. لذا فإمكانية نشاط اتباع هذه المدرسة في جمع التبرعات لأهالي غزة المنكوبين من المسلمين لهو امر واجب عندهم، وهم يستعينون في هذا الامر بالامراء الخليجيين ورجال الاعمال منهم لتجميع مبالغ معقولة، والملاحظ على المتبرعين من هذه المدرسة عدم رغبتهم في اشهار تبرعاتهم كما يفعل عادة اصحاب رؤوس الاموال لهدف الاعلان عن نفسهم، وهذا الامر ناجم عن قناة المتبرع بالتبرع والحاجة الماسة فيه “لمراضاه الله” وله “مساعدة اخوته في الاسلام”.
هذا الخط السلمي نسبيا جعل انتشار اتباع هذه المدرسة كبيرا في الاراضي التركية بشكل خاص، خاصة وان الحكومات سواء اكانت في تركيا او سوريا أو اقليم كردستان لا تستطيع التطيق على هذه المدرسة باعتبار توجهها يمثل قناعة فكرية ظاهرية ولا توجد أية دعاءات واضحة تبين اندماجها في الحياة المادية السياسية “الإسلام السياسي”.
ورغم هذا الخط لا تتورع المدرسة عن وصف العسكر التركي الحامي الاول للعلمانية الاتاتوركية بأنه عسكر فاشي ينبغي تصفيته لأنه يقف عرضة بوجه الاسلام ودولة امة الاسلام المرجوة، كما تصف الحكومات التركية بأنها حكومات قمعية تقوض الاسلام، ولا تخلي له طرفا في النفاذ في الحياة الاجتماعية والثقافية التركية رغم رغبة الشعب التركي كله بهذا الامر. ويرى انصار هذه المدرسة من الأكراد في الاصلاحات الحكومية التركية “مشروع نهضة الاناضول” بأنها مشاريع واهية طالما أن الحكومة لا تسير على نهج السنة والاسلام القويم، الذي يساوي بين مختلف القوميات المسلمة “كرد وعرب وتركمان…”.
أما بالنسبة للحكومة السورية، وبفعل النزاع القومي بين العرب والكرد، يتمايز توجه المدرسة بين مريديها من الكرد والعرب، فالطابع القومي غالب في الجزيرة السورية على الطابع الديني، رغم انتهاجهم نفس الطقوس التصوفية. فالكرد وهم مؤسسوا هذه المدرسة ويشكلون القطيع الاكبر فيها، وهم يناهضون الحكومة السورية باطنيا وعبر مساعدات غير معلنة، لكنهم في الظاهر يظهرون ولاؤهم المطلق لها، والمضحك بالامر هو فهم واستدراك الحكومة السورية لهذا الامر، لكنها في ذات الامر تسعى لتسخير أمر هذه المدرسة لتكون منبرا لها، يبين مدى التسامح الديني عندها طالما أنه ديني معتدل.
الطالبانيون والبرازانيون بين أوساط الكرد السوريون يسخرون من المدارس الدينية كالقادرية علنيا، في رغبة منهم لاظهار علمانية أحزابهم، وتأثرهم بالفكر اللبرالي التي تشجع إليه الولايات المتحدة عبر مشروع الشرق الاوسط، لكنهم في حقيقة الأمر يتشاورون مع أنصار هذه المدارس، ويستفيدون من جلساتهم معهم لأجل توسيع قاعدتهم الشعبية، وبما أن الغالبية الكردية في سوريا من أنصار المؤسسة الحزبية البرزانية، فإن عمليات إدماج الموالون لهذه المدرسة للأحزاب الكردية هو أمر ضعيف الاثر، فبتالي تأثير هذه المدرسة على النظام السياسي في دمشق سيكون تأثيرا ضعيفا، باستثناء المتزمتون العرب منها، الذين في حال انسحبت القوات الاميركية من العراق قد يتحولون في فكرهم الجهادي نحو جهات أخرى قد تكون إحداها دمشق أو…