المقاربات النظرية للعلاقة التربوية
د . شهاب اليحياوي : تونس
العلاقة التربوية وإتّجاهات علم الإجتماع:
إنّ اللامساواة في التحصيل الدراسي بين المتعلّمين هي ظاهرة تربوية كونية تفرزها المؤسّسة منذ أوّل ظهور لها أي منذ أربعة آلاف سنة . فالقراءة التعاقبية أو الإنمائية للمدرسة تضعنا أمام قضية كونية الظاهرة وجوهر المدرسة .
فالمدرسة نشأت على أساس انتقائي غائي . واتخذ التعليم في القرون الوسطى شكلين هما في الواقع تمظهران للتقسيم الإجتماعي . التصق الشكل الأوّل بالقاعدة الأكبر وهي العامة . ويتمّ هذا الصنف التعليمي داخل الأسر نفسها أو خارجها داخل الورشات أي في فضاء اجتماعي ولكنّه ضيّق ومنعزل أو هو خاف عنه باعتباره تواصل للذاتي ضمن نفس الجماعة الإجتماعية . أمّا الشكل الثاني والذي شكّل اللبنة الأولى لنشوء المدرسة . فهو إعادة إنتاج وتثبيت اللامساواة الاجتماعية ، على اعتبار توجّهها إلى النخبة قصد إعداد قيادة دينية وسياسية . فالمدرسة نشأت في سياق اتجاه النظام الاجتماعي إلى خلق آليات إعادة إنتاج وتكريس السائد عبر إرساء قنوات ثقافية تشرعن التفوّق والتمايز الاجتماعيين .
لكن مع التقدّم العلمي والتكنولوجي وتفرّعاته وتعقّد واتساع مجالات المعرفة ومع انتشار الوعي الديمقراطي في المجتمعات الغربية ، بدأت تفقد المدرسة طابعها الديني والنخبوي وتتناقض مع أصلها ألمنشئي أي خلق وتدعيم اللامساواة الاجتماعية .
إنّ الفصل الاجتماعي الدافع وشرعنة اللامساواة التي يفرزها النظام الإجتماعي القائم بدأ يترك مكانه للمزج والتمازج بين متعدّد الطبقات الإجتماعية ضمن فضاء اجتماعي مشترك الا وهي المؤسسة التعليمية . اذ أصبحت المدرسة فضاء للتناضر والصراع الاجتماعي . لكن هل فقدت المدرسة عبر استجابتها وتكيّفها مع التغيّرات السوسيو ـ إقتصادية ، وظيفتها الأصلية ؟ .
يعتبر كلّ من بورديو وباسرون أنّ المدرسة أداة المهيمن اجتماعيا لتبرير وشرعنة السيطرة والتفوّق وإعادة إنتاج المنظومة الاجتماعية . ولقد اتجهت مقاربتهم المادية ـ الجدلية للعلاقة بين الثقافي والمادي إلى تعميم ميكانيزمات العلاقة الجدلية بين البنى التحتية المادية والبنى الفوقية دون الإنتصار الكلّي للمنهج الماركسي التحديدي والتحتيمي . فبورديو لا يتمثّل التمظهرات الفوقية للبنى المادية ضمن تمشّي يجعلها مجرّد انعكاس مرآتي للمنظومة الإجتماعية ، بل ينظر لها كنتاج حاصل علاقات الإنتاج المادية المهيمنة أو بموجب التقسيم الاجتماعي التقني للعمل بعبارة ألتوسير (1)، كأداة المهيمن لإدامة وشرعنة الهيمنة . فهي الجهاز الأيديولوجي للمهيمن لاستنساخ النظام الاجتماعي وللدفاع عن سيطرته ضمن الصراع الذي تنقله الطبقات غير المحظوظة الى داخل المدرسة . ويبيّن بودلو وإستابليه أنّ المدرسة هي في خدمة هذا التقسيم الاجتماعي للعمل حسب التقسيم المرحلي لدرجات التعليم الذي هو تطابق له أو أداة لإعادة إنتاجه أكثر منه تمظهر فوقي .
إتّجه دوركايم من قبلهم إلى تعقّل المدرسة كأداة المجتمع المشتركة لتكييف الأفراد إلى مقتضيات العيش المعيّ أي جمعنة السلوك الفردي عبر التنشئة الاجتماعية من خلال قناته المؤسسة التربوية (2) وهو يعزو التنوّع في أشكال التربية إلى التقسيم التقني والاجتماعي للعمل . ألاّ أنّه يعتبر التنوّع والتجانس آليتين لتحقيق التكامل الوظيفي والوحدة في النسق الاجتماعي .
تقوم التربية التي تصنع الإنسان الجماعي والمجتمعي ، لديه ، على الإكراه لكونها تفردن الجماعي وتجمعن الفردي لخلق الإرتباط اللاشعوري للفرد بالجماعة المرجع ، بإعتبارها قوّة دمج إجتماعي للأفراد . وهو ما ينفي الطابع الأيديولوجي الطبقي المسند اليها من قبل التوجّهات الماركسية في قراءة وظيفة المدرسة وآلياتها الإجتماعية ، لتتحوّل لدى دوركايم الى أداة جماعية إصطنعها المجتمع لتكمّل دور العائلة في التطبيع المجتمعي للأفراد . وهي ناقلة بإمتياز لديه لأخلاق المجتمع بمعزل عن إثارة مضمونها السياسي أي غائية الفعل التربوي غير التعليمية كما لدى ألتوسير أو بورديو وباسرون .
تتغاير التفسيرات المعطاة للظواهر التربوية بالنظر الى تباين التموقعات النظرية لتمثّل المدرسة ووظيفتها. على أنّ باين التمثّلات لوظيفية المدرسةهو تمظهر لإختلاف التموقعات البراديغمية التي تمايز التيّارات السوسيولوجية ومنه تباعا تبرز إختلاف وحدات البحث ومناهج المقاربة لذات الموضوع
تتّجه التيّارات الدوركايمية مثلما الماركسية المنشأ الى تعقّل كليّة المجتمع والآليات الإجتماعية المرتبطة بالتراتب الإقتصادي ـ الإجتماعي ، في تفسيرها للعلاقة التربوية بين متعدّد أطراف الوضعية التربوية داخل المدرسة . فهي تخضع كلّ الظواهر التربوية المتّصلة بالنجاح أو الفشل الدراسي واللامساواة في التحصيل الدراسي ،التي هي موضوع بحثنا هذا، الى ذات المخطّط التفسيري النظري . إلاّ أنّ إمتياز هذه التيّارات رغم النزعة المغالية في إثبات مجتمعية الظواهر الفردية ، ينكشف في القطع مع الفردوية في التناول العلمي لظواهر النجاح والفشل المدرسي .
تحيل المقاربات الفردوية النفسية التباينات في التحصيل الدراسي الى فروق فردية نفسية ، كفروق الذكاء الخاضعة لتأثيرات الوراثة مثلا . وعلى خلافها تتوسّع المقاربة النفسية الإجتماعية نحو البحث في تفاوت الحظوظ إجتماعيا كأرضية تفسيرية للفروق في القدرة على التكيّف والتطابق مع الأنموذج الثقافي الذي تروّج له المضامين التعليمية .
التحليل النفسي للوضعية التربوية : التفاعل النفسي وآثاره الدراسية:
يدعو التحليل النفسي الى إستدعاء اللاشعور بغية إكتشاف آثار الآليات الخفية المحرّكة لفعل التعلّم والتعليم . فهو يبحث في العمليات النفسية التي تكيّف العلاقة بين المدرّس والمتعلّم في الإتّجاهين وبين المتعلّمين فيما بينهم لغاية فهم وتعقّل سلوك أطراف العلاقة التربوية والوقوف على المؤثّرات الحاسمة في فعل التعلّم وحاصله المتمظهر في النتائج الدراسية : النجاح والفشل المدرسي .
يشكّل الفصل ضمن المقاربة النفسية حقل تفاعل القوى اللاشعورية التي تتلاقى أو تتقاطع أو تتعارض أو تتدعّم أو تتفتّت حيث يتّجه المتعلّمون الى إسقاط العلاقات الأولى الفعلية أو الإستيهاميةFantasmiques للطفل مع محيطه العائلي أي والديه ، على المدرس . فميلاني كلين KLEIN يذهب حدّ إعتبار أنّ علاقة التلميذ بالمعلّم والمدرسة تتحدّد سلفا بعلاقاته مع أبيه وأمّه . فالنجاح المدرسي من هذا المنظور التحليلي ليس هو تحصيل جهد ذكائي أو توظيف ثقافي لإنجاز هدف مستقبلي موجّه إجتماعيّا من قبل الجماعة المرجع أي العائلة عبر آلية التنشئة الإجتماعية ، بقدر ما هو وسيلة يخضعها ويوجّهها اللاشعور نحو تحرير طاقة تحدٍ أو تمرّد أو ردّ فعل نفسي كامنة مصدرها ووجهتها الماضي الطفولي والصلة النفسية بالوالدين . يترتّب عن هذه الصلة كلّ كيفيات التفاعل والتواصل مع أطراف العلاقة التربوية التي يجد نفسه الطفل ضمنها .
يخضع التحليل النفسي ، أكثر من ذلك ، سلوك المعلّم ذاته الى نفس آليات التفسير النفسية ـ الفردوية كما لدى موكو . فإنّ تواصل المعلّم مثلما المتعلّم مع الوضعية التربوية ومع شركائه في العلاقة التربوية يتوسطّه الماضي الطفولي لكليهما والذي يحدّد الشحنة العاطفية لهذا التواصل ويشكّل المرجعية التفسيرية لكلّ أشكال الإخفاق أو النجاح الدراسي للمتعلّم والمهني أو الوظيفي للمدرّس ، مثلما لتبادل التصوّرات والتمثّلات بين أطراف العلاقة التربوية . يبدو المعلّم للتلميذ لدى لاقاشLAGACHE وكأنّه الأنا المثالي والمدرسة على أنّها الفضاء الذي يطبّق فيه القانون مثلما ينتهك .
يردّ التحليل النفسي لدى أتباع KLEIN أشكال التواصل والتفاعل البنائية أو التدميرية أو التنافرية ، المتقاطعة أو المتناقضة بين طرفي الفعل التعليمي داخل الفصل الى الإستيهامات اللاشعورية الطفولية للمتعلّمين التي تعود الى علاقته السلبية والإيجابية بالأمّ . وتتناقض هذه العلاقة لديه مع العلاقة التي تنشأ بين الطفل والمعلّم . بمعنى أنّ العلاقة بين المدرّس والمتعلّم هي علاقة صراعية لاشعورية تحرّكها كوامن نفسية تعود الى الماضي الطفولي للتلميذ . وهو ما ينفي المسؤولية الأخلاقية لظواهر التحدي والتعدّي على سلطة المعلّم ، عن التلميذ مثلما يردّ أسباب الإخفاق المدرسي الى عوامل خارجة عن العلاقة التربوية أو النظام التربوي في حدّ ذاته ، لكنّها تخضعها الى تأثيراتها التي هي ذات طابع لاشعوري . والمقصود بالإستيهام FANTASME لا تحقيق رغبة أو تصحيح حال غير مرض كما لدى فرويد بل المضمون الأوّلي للعمليات اللاشعورية والممثّل النفسي للإندفاع أو هو لدى سوزان إيزاكس ، المضمون الخاص للحاجات أو المشاعر مثل المخاوف والقلق وأحاسيس النجاح أو الفشل أو الحبّ أو الكره ….
المقاربة النفسية ـ الإجتماعية للعلاقة التربوية :
يبحث التحليل النفسي ـ الإجتماعي للظواهر التربوية التي منها اللامساواة في التحصيل الدراسي ، في التفاعل بين متعدّد شركاء الوضعية التربوية , وتمثّل مقولات الدور والمكانة أو الموقع المفاهيم المحورية التي يستند لها التحليل . وتستدعي مقاربة الأمكنة والأدوار مفاهيم فرعية كالتصوّر والتوقّعات والإنتظارات المتبادلة بين الأطراف المتشكّلة منها الوضعية التربوية.
ينفصل التفكير البسيكوـ إجتماعي حول الوضعية التربوية عن التحليل النفسي حينما يؤكّد مجتمعية الأصول الدافعة والمحرّكة لتكوّن وتغاير أو تقاطع أو تناقض تصوّرات مختلف شركاء الوضعية . فهو يبحث في الوضع الإجتماعي للمؤسسة التربوية كمنطلق لتعقّل خاصيات الوضعية التربوية والروابط بينها وبين سلوك الشركاء بالنظر الى أمكنتهم وأدوارهم .
تتمظهر المدرسة ضمن هذا النمط من التفكير حول الفعل التربوي ، كحقل تفاعل ديناميكي بين لا أشخاص بل ممثلين لشخصيات الأدوار المتقيّدة بالمواقع والأمكنة المتراتبة تفاضليا والحاملة لتصوّرات مختلفة لدى مختلف أطراف الوضعية التربوية . ويمارس نتاج التفاعل وبنيته تأثيرا تحديديّا في الحاصل التربوي للمدرسة . من هنا تعتبر المقاربة النفسية ـ الإجتماعية دراسة التفاعل الإجتماعي المرجعي، ضمن المدرسة ، وحدة البحث الأساسية لفهم وتبيّن الأسباب الرئيسية المحدّدة والمفسّرة لعديد الظواهر التربوية التي تفرزها المؤسسة ، كالصراع والتحدّي والإنحراف في العلاقة المقنّنة بين مختلف شركاء الوضعية التربوية أو أيضا ظواهر الفشل والنجاح المدرسي واللامساواة في التحصيل الدراسي بين المتعلّمين .
أن تستدعي المجتمع ( الخارج) لفهم المدرسة ( الداخل ) بكلّ الظواهر التي تفرزها في وضعية إجتماعية معيّنة ، فذلك لفهم تباين التصوّرات المتبادلة والأصل الإجتماعي للتغاير ، التي تمثّل المواقع والأدوار المتباينة بين متعدّد عناصر الفعل النفسي ـ الإجتماعي الذي هو المؤسسة التربوية ، كأن نقول مثلا أنّ تراجع النتائج المدرسية يعود الى الإختلال الوظيفي الذي يمسّ المدرسة كنسق أدوار وأمكنة . يفرز هذا الخلل الوظيفي ظواهر مرضية كتراجع نسب التفوّق أو الحاصل العام للتحصيل الدراسي للمدرسة أو تعاظم درجات الفشل الدراسي . فالعوامل ، من وجهة النظر هذه ، لا يستبطنها النظام الإجتماعي وآلياته العضوية لإستنساخ نفسه ، بل أنّ إثارة المرجعية الإجتماعية يتّخذ بعدا توظيفيا يجتهد في فهم أسباب الإختلال الوظيفي للنسق التفاعلي النفسي الذي هو المدرسة .
يتأثّر تصوّر المدرّس ، كأحد أهمّ شركاء الوضعية ، المبني من قبله عن الطرف الآخر في الفعل التعليمي ( التلميذ ) لدى ميشال جيللي GILLY (3) بالشروط العامّة كالقيم الإجتماعية المرجعية وأهداف المؤسسة التعليمية المعلنة مثلما التاريخ الشخصي أي الخصائص الذاتية وحاجات وإتّجاهات المدرّس . ويمثّل التفاعل البيداغوجي مع المتعلّمين العامل الثالث المؤثّر في بنية الفصل النفسية التي هي حاصل متعدّد أنماط التقاطعات في الأهداف والغايات والتصوّرات والمواقف المتبادلة بالنظر للمواقع التي يحتلّها مختلف أطراف الوضعية والأدوار التي يلعبونها . يموقع هذا التحليل المعلّم في محور الفعل التعليمي وبالتالي يسند له الدور الأكبر في تحديد وجهة التفاعل وبنيته ومنه تباعا المسؤولية في الظواهر الناتجة عنه .
تعكس تصوّرات الشركاء المتبادل ضمن الوضعية التربوية ، تأثيرية العوامل الفردية ( النفسية ) والجماعية ( الإجتماعية ) وتفاعلهما . ويحيل موضوع التصوّر الذي ينعكس في الأداء التعليمي للتلميذ مثلما المدرّس ، الى موضوعات الدافعية للتعلّم وتصوّر الذات الذي هو مصدر الدافعية . وتشكّل تصوّرات الذات وحدة البحث في المقاربة البسيكو ـ إجتماعية لكونها مرجعا في فهم تداخل العوامل المعرفية والنزوعية ولكونها تجسّد مخطّطات للسلوك ، كما لدى روشلين (4) . ومن أبرز الدراسات المعالجة لموضوع تصوّر الذات العلائقية بين المعلّم والمتعلّم نذكر كلّ من robert rosenthalوlenorè jacobson .
ينقطع الفصل كحقل نفسي عن إطاره المجتمعي والمؤسسي المرجعي، بعد أن يستوعب تأثيراته ، لتشكّل بنية التفاعل ضمنه أرضية تفسيرية للإخفاق أو النجاح أو ما يسميه علم النفس الإجتماعي التربوي بالآداء . فأداء المدرّس يتأثّر ببنية تفاعله وتواصله مع التلاميذ الذين يستوعبون أو يتقبّلون تأثيرات تصوّرات الطرف الآخر في العلاقة التربوية ولتصوّره لذاته مثلما في نظرية freinet . تتداخل أو تتقاطع أو تتعارض تصوّرات الذات وتصوّر الآخر بين متعدّد عناصر الوضعية وتتحدّد بنية التفاعل بالنظر لهذه الوضعيات . تؤكّد المقاربة البسيكوـ إجتماعية على التسلسل التعاقبي للتأثيرات إنطلاقا من الوضعيات الإجتماعية للأطراف الشريكة في العلاقة التربوية وانتهاء إلى الأداء أو التحصيل الدراسي .
تتّجه مثل هذه المقاربات على غرار جيللي إلى ردّ الخيبة الدراسية أو التباين في التحصيل الدراسي لا إلى فروقات الذكاء الشخصية كما في التحليل النفسي ، بل إلى تمثّلات شركاء العلاقة التربوية . فجيللي على سبيل المثال يعتبر أنّ إخفاق ذوي الوضعيات الإقتصادية ـ الإجتماعية الدنيا هو تحصيل تصوّر المدرّس وإنتظاراته من المتعلّمين المحتلّين لهذه الوضعية . فالتباين في التحصيل الدراسي هنا هو إفرازة اللامساواة التي ليس مصدرها كما لدى برديو وباسرون تفاوت الحظوظ التي ينتجها التقسيم الإجتماعي ، بل تصوّرات المعلّم التي تفاضل بين المتعلّمين حسب إنتظاراته المعمّمة من كلّ وضعية إقتصادية ـ إجتماعية . وهو ما اشتغل عليه ميدانيا كلّ من جيللي (1977 م) وفيري (1967 م) ولينارد حول الفعل الإرتجاعي feed-back (5) ، ضمن تواصل المعلّم مع تلامذة الفصل أو أسلوب تدريسه للمادّة .
التحليل المؤسّسي للحالة التربوية:
يحتفظ التحليل المؤسّسي بالصلة التربوية بين المدرّس والتلميذ كوحدة للبحث ، إلاّ أنّه يفرغها من مضمونها اللاشعوري لدى التحليل النفسي وشحنتها التفاعلية الذهنية والنفسية لدى المقاربة البسيكوـ إجتماعية . فغيغو guigou يعتبر أنّ مسألة علاقات المدرّس بالمتعلّم هي قضية حاجبة وبالتالي على التحليل أن لا يجعلها محور التفكير في الحالة التربوية . فمعنى ذلك أنّ التحليل البسيكوـ إجتماعي وقع في خطإ أيكولوجي يقلّل نتاجا من إستنتاجاته حول الوضعية التربوية . فوحدة البحث الأساسية لديه هي التضمينات المؤسّسية للمعلّم داخل الحالة التربوية . فالعلاقة التربوية لا تتمّ كما تبدو في ظاهرها التضليلي بين الأشخاص إنّما هي وليدة النماذج الإجتماعية التي تقوم بإستنساخها وإعادة تكوينها في تمظهرات يومية . من هنا فإنّ المدرسة في التعقّل المؤسّسي هي وسيلة تحقيق غاية تتجاوزها أي ليست من طبيعتها التربوية . تخضع هذه الغاية الى مراقبة صارمة من أشخاص يمثّلون المؤسّسة كالمتفقّدين والمديرين . ويلعب هؤلاء دور الضبط (6) ودفع المدرّسين الى التعهّد بالمهمّة المقنّنة ، بمعنى التقيّد بالنماذج والمناهج والبرامج ونظام الإمتحانات وطرق التقييم الجزائي أو الإنضباط لمقوّمات العمل التربوي داخل المؤسّسة كالنظام الداخلي وقواعد الانضباط والسلوك والهندام . وهو ما يخلق حالة صراعية تفرز مشاعر معادية للإدارة وحتّى لزملاء المهنة أو بين المعلّم والتلامذة أي تفرز حالة تؤثّر في حاصل الوضعية التربوية الذي تطلق عليه المقاربة المؤسّسية عبارة الحالة التربوية . فموضوع الصراع هنا هو ضوابط المؤسّسة والمسافة الفاصلة التي يتموقع بالنظر لها كلّ طرف من أطراف المؤسّسة . يحوّل الصراع الى تجاذب بين قوى المحافظة وقوى التجديد . وقد يكون الهدف هو ذاته أي تأمين ديمومة المؤسّسة بعبارة روشي .
تتحدّد الحالة التربوية بهذه التضمينات المؤسّسية وإفرازاتها العلائقية بين متعدّد أطراف العلاقة التربوية . وينعكس تحصيل الحالة على الأداء أو مستوى الفعل التعليمي وبالتالي يمكن القول إستنادا لمنطق التناول البحثي للمدرسة مؤسّسيا ، أنّ عوامل الإخفاق الدراسي وأسباب تباين مستويات التحصيل الدراسي لا تردّ مثلما الشأن في التحليل النفسي لشخصية المتعلّم وماضيه الطفولي في علاقته بأوليائه ولا الى حاصل التفاعل ضمن العلاقة التربوية الذي تتوسّطه التصوّرات والتمثّلات المتبادلة بين شركاء العلاقة ، بل بتأثيرات المحدّدات المؤسّسية على آداء المعلّم وعلاقته الإنسجامية أو الصراعية مع الإدارة والزملاء والتلاميذ .