قمم للفقراء وقمة واحدة للأغنياء
بقلم: عصام خوري
رغم كل الفقر الذي تعانيه في اقتصادياتها، إلا أن مجتمعاتها المدنية قررت أن تستمر في صرختها الهادرة لتقول “دعوني أعيش” في شعارها الذي انطلق أول مرة عام 2001 في مدينة بورتو اليغري البرازيلية (عالم آخر ممكن). هذا الشعار الذي وحد أغلب حركات اليسار المدنية في العالم لتكون عنوانا واضحا أمام جبروت البرجوازية القاسية وسياسة العولمة الهادرة باقتصاديات الفقراء واقتصاديات دول الجنوب.
دول الشمال الغنية وزعامات الاقتصاد العالمي ومدراء الشركات المتعددة الجنسية وتلك المصنعة العملاقة التي طالما اجتمعت في منتدى جامع واحد من كل عام (منتدى دافوس الاقتصادي) ولمرة واحدة، كي ترسم من خلاله نظم المحاصصة على إدارة ثروات العالم، وتباين مشروعية المساعدات المشروطة، وسياسة الإقراض العالمية، وإكراميات الدول الغنية تجاه تخفيض ديون دول العالم الفقير، ونفاذ جدول عقوبات وضغوطات على بعض دول الجنوب الغريبة عن سياسة اقتصاد التجار الحاكمين في هذا العالم الذي يحمل مع كل منتدى مزيداً من تراكم مديونية الدول الفقيرة تجاه بعض الشركات العملاقة أو من صندوق النقد الدولي أو إحدى دول العالم العملاقة.
المنتدى الاجتماعي العالمي
WSF
قررت عدة حركات يسارية وأخرى مدنية
NGO
من مختلف أنحاء العالم، أن تجتمع في مكان واحد لتأسيس منتدى اجتماعي يكون متزامن مع منتدى دافوس للأغنياء من كل عام، يحمل فيه تطلعات الشعوب الفقيرة، والمؤسسات المدنية الهادفة نحو تحقيق معايير عدالة ومساواة بين دول الجنوب والشمال. فتقوم هذه الحركات مع كل عام على توصيل صوتها للمنابر العالمية وخاصة تلك المعنية
بمنظمة التجارة العالمية WTO
، ومنظمة التجارة الحرة للبلدان الأمريكية FTAA
والكثير من الاتفاقيات التجارية الإقليمية والثنائية، مثل الاتفاقيات الخاصة بقانون النمو والمواءمة الأفريقى، واتفاقيات التجارة الحرة المقترحة لبلدان أمريكا الوسطى لتحقيق مصالحها الخاصة…
حيث مثلت هذه الاتفاقيات دون الرجوع للشعوب، وموازنة الاحتياجات الاقتصادية بين المدينوية العامة للدولة وإجمالي الدخل القومي لها… كوارث اقتصادية قوضت شعوبها بالحرمان الاقتصادي وأنهكت الشعوب من تنوع الضرائب وفوائدها، بدل أن توفر سوق اقتصادي اجتماعي يؤمن مستوى أعلى للمواطن يحقق فيه إنسانيته…
فحقوق الإنسان وخاصة تلك المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باتت قاب قوسي الاحتكار في هذه البلدان، في ظل تفشي نظم الهيمنة الاقتصادية التي سخرت معايير الحكم الشمولي والتطويق الاقتصادي فغاب الإنسان مقابل ثقافة استهلاك المال…
هذا العام2008 لم تتمكن اللجنة المنظمة للمنتدى من توفير موارد مالية قادرة على تغطية نفقات مؤتمرها، مما جعلها تبدل توجهها لتطلق عدة منتديات مدنية وفي مناطق مختلفة من العالم، لهدف تحقيق أوسع مشاركة شعبية مناهضة لمقررات منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا.
إلا أن احتكار الإعلام من قبل الشركات المتعددة الجنسية، أضعف من الترويج الخبري لهذا الحدث الهام، كما يضعف العديد من الأحداث المناصرة للقضايا العربية، ويكفي أن نذكر أن هذا المنتدى قد جمع قرابة 72ألف مشارك في عامه التأسيسي الأول ليتزايد العدد في المنتدى الثالث لقرابة 128ألف مشارك في مدينة بورتو اليغري، وليصل عام 2005في منتدى مومباي عدد المسجلين في المنتدى لحوالي 134 ألف مشترك موزعين من مختلف أنحاء العالم، وذلك عن طريق الانترنيت، ووصل العدد الفعلي الحاصلين على بطاقات التعريف لحوالي 83ألف مشترك، بالإضافة لمشاركات عفوية من سكان المدينة ويتوقع وصول هذا العدد لحوالي 7ألاف مشارك
وتم اختيار المنتدى على ضفاف نهر جوابيا الذي يصب في المحيط الأطلسي، ضاماً 259خيمة و205 صالة اجتماعات، مصنوعة من القماش الأبيض وبأرضية خشبية، والتكيف من خلال مراوح تبث الرذاذ. وفي عام 2006 عاد المنتدى إلى مدينة بورتو اليغري ليتجاوز العدد المسجل 184ألف، والعدد الفعلي لقرابة 102ألف مشارك.
طبعا هذه الأعداد الكبيرة إن دلت على أمر فإنها تدلل على مدى تنامي الوعي الاجتماعي عند الشعوب، وأثر الحركات المدنية في نفاذ إرادة شعوبها، وأكبر مثال عرقلة تمرير مشاريع الدول الغنية في قمة مونتيري، وعرقلة مشاريع دوائية احتكارية معنية بأمراض الايدز والأمراض السارية، ووصول شخصيات عمالية إلى مناصب رئاسية مثل “لولا في البرازيل، شافيز في فانزويلا…”
ميثاق المنتدى الاجتماعي العالمي
نظم من قبل عموم المنظمات الأولى المشاركة في هذا المنتدى عام 2001 من خلال ورشات العمل المختلفة “25-30 كانون الثاني” في مدينة //بورتو اليغري// الجنوبية البرازيلية “وتصنف هذه المدينة بتقارب الطبقات الاجتماعية الساكنة فيها فيما بينها، وكثافة الطبقة الوسطى”. وينص الميثاق على البنود التالية:
1. المنتدى الاجتماعي العالمي مكان التقاء مفتوح:
* للتفكير المتفاعل، والحوار الديمقراطي للأفكار
* لصياغة المقترحات، والتبادل الحر للخبرات
* لعقد الصلات من اجل النشاط المؤثر.
مكان تلتقي فيه جماعات وحركات المجتمع المدني، التي تناهض:
* الليبرالية الجديدة
* سيطرة رأس المال على العالم
* أى شكل من أشكال الامبريالية
تلك الجماعات والحركات التى:
* تنتمى الى بناء مجتمع يشمل كوكب الأرض كله
* تتوجه نحو اقامة علاقات مثمرة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبينه وبين الأرض.
2. المنتدى الاجتماعي العالمي, المنعقد فى بورتو اليجرى, هو حدث محدود فى الزمان والمكان. ومن الآن فصاعدا، وانطلاقا من اليقين المعلن فى بورتو اليجرى، من أن ” في استطاعتنا إقامة عالم مختلف” ، يصبح المنتدى الاجتماعي العالمي عملية مستمرة تبحث عن وتبنى البدائل , ولا يمكن اختزاله (المنتدى) فيما يقع من مناسبات أو وقائع تدعمه.
3. المنتدى الاجتماعي العالمي، هو عملية يقوم بها العالم (عملية عالمية). فكل اللقاءات التي تقام، كجزء من هذه العملية، تكون ذات بعد دولي.
4. تقف كل البدائل المقترحة في المنتدى الاجتماعي العالمي فى مواجهة ضد عملية العولمة التي تقودها الشركات الكبيرة المتعددة القوميات والهيئات الحكومية والدولية التي تخدم مصالح هذه الشركات بموالسة الحكومات القومية. وتم صياغة هذه البدائل لتؤكد ان عولمة الجموع المتضامنة هى التي سوف تسود كمرحلة جديدة فى تاريخ العالم. عولمة تحترم حقوق الإنسان فى عمومها – حقوق كل المواطنين (المرأة والرجل) حقوق كل الأمم – حقوق البيئة. عولمة تتأسس على أنظمة ديمقراطية دولية ومؤسسات في خدمة العدل الاجتماعي والمساواة وسلطة الشعوب.
5. يجمع المنتدى الاجتماعي العالمي معا ويخلق الصلات بين منظمات وحركات المجتمع المدني من كل الأوطان فى العالم ولكنه مع ذلك يتعمد الا يكون هيئة تمثل المجتمع المدني العالمي.
6. لا يتعمد المنتدى الاجتماعي العالمي أن يكون منظمة. لذلك لن يفوض أيا من كان – مستفيدا من أى شكل من أشكال المنتدى – ان يدعى منصبا يمثل كل المشاركين في المنتدى. لن يستدعى المشاركون في المنتدى:
* لاتخاذ قرارات باعتبارهم هيئة سواء عن طريق التصويت أو الإجماع لإعلان مواقف
* أو تقديم مقترحات خاصة بعمل يلتزم به جميع المشاركين أو الأغلبية منهم ,
* أو قرارات يبدو منها انها مواقف تأسيسية للمنتدى كمنظمة.
لذلك لا يشكل المنتدى موقع سلطة يتنازع المشاركون على اعتلاؤه أثناء لقاءاتهم ولن يدعى انه يشكل الاختيار الوحيد للتفاعل والحركة بين منظمات وحركات المشاركين فيه.
7. وبالرغم مما هو وارد أعلاه فالجماعات المشاركة في المنتدى أو عدد منها يجب أن تتأكد من أن لها الحق أثناء لقاءات المنتدى ان تسعى إلى إصدار بيانات أو إلى التحرك الذي قد تقرره سواء بمفردها او بالتنسيق مع جماعات أخرى مشاركة. يتكفل المنتدى الاجتماعي العالمي بنشر وتوزيع مثل هذه القرارات على أوسع نطاق بكل الوسائل المتاحة له، دون خضوعها لتوجيهات منه او رفعها إلى مستويات أعلى او اخضاعها لرقابة او حظرها ولكن كما تقرر الجماعة أو مجموعة الجماعات التى صدرت منها هذه القرارات.
8. المنتدى الاجتماعى العالمى هو محتوى تعددي متنوع غير عقائدي غير حزبي، يوطد الصلات بأشكال غير مركزية بين المنظمات والحركات المنغمسة في نشاط ملموس سواء كان محليا أم عالميا مستهدفا بناء عالم مختلف.
9. سوف يظل المنتدى الاجتماعي العالمي دائما منتدى منفتح للتعددية وللتعدد فى الأنشطة وفى أساليب العمل التي تختارها المنظمات والحركات التي تشارك بها وفيها بالإضافة إلى السماح بالتعدد فى النوع والعرق والثقافة والأجيال والقدرات الطبيعية بشرط الالتزام بمبادئ هذا الميثاق. لن يشارك فى هذا المنتدى اى منظمة حزبية أو منظمة عسكرية. القادة الحكوميون أو أعضاء الأجهزة التشريعية الذين يقبلون بالتزامات هذا الميثاق قد تتم دعوتهم الى المشاركة على اساس من قيمتهم الشخصية.
10. يعارض المنتدى الاجتماعي العالمي:
* كل أنصار الشمولية
* وكل من يختزل الرؤى إلى اقتصاد أو تنمية أو تاريخ
* وكل من يستخدم العنف كأدوات تحكم اجتماعي بواسطة الدولة.
أنها تتمسك بقوة باحترامها لحقوق الإنسان والممارسة الحقيقية للديمقراطية، ديمقراطية المشاركة والعلاقات السلمية في مساواة وتضامن بين الناس على اختلاف أعراقهم وأنواعهم وشعوبهم وتدين كل أشكال السيطرة وخضوع شخص لآخر.
11. باعتباره منتدى للحوار ، المنتدى الاجتماعي العالمي حركة من الأفكار التي ينطلق منها البحث – والتي تقوم بشفافية كاملة بنشر وتدوير نتائج هذا البحث – في آليات وأدوات السيطرة التي يسعى إليها رأس المال وكذلك التفكير في الوسائل والنشاط الذي يقاوم ويقهر هذه السيطرة والتفكير في البدائل المقترحة لحل مشكلات الاستبعاد وعدم المساواة التي تخلقها عملية العولمة الرأسمالية بكل أبعادها العنصرية والجنسية والمدمرة للبيئة سواء عالميا أو داخل الدول.
12. يشجع المنتدى الاجتماعي العالمي – ككونه إطار عمل لتبادل الخبرات – الفهم والمعرفة المتبادلة بين المنظمات والحركات المشاركة ويعطى مكانة خاصة لقيمة التبادل فيما بيتهم وخصوصا فيما يقوم به المجتمع لتركيز الأنشطة الاقتصادية والحركة السياسية في خدمة تحقيق احتياجات الشعب واحترام الطبيعة في الحاضر ومن اجل الأجيال القادمة.
13. يبحث المنتدى الاجتماعي العالمي – كمضمون لعقد أواصر العلاقات – عن وسائل توطيد الصلات وخلق صلات جديدة إقليمية ودولية بين منظمات وحركات المجتمع حتى تزيد من قدرة المقاومة الاجتماعية غير المسلحة ضد عملية نزع إنسانية العالم التي تجرى حاليا وضد العنف الذي تستعمله الدولة، وكذلك عن وسائل تدعيم الإجراءات الإنسانية التي تتخذها هذه المنظمات والحركات.
14. المنتدى الاجتماعي العالمي هو عملية تقوم بتشجيع المنظمات والحركات المشاركة في طرح نشاطهم المحلى أو القومي وتشجعهم على البحث عن مشاركة فعالة عالمية المضمون لقضايا مثل قضايا المواطنة العالمية وتضع في جدول الأعمال العالمي الممارسات التي يجربونها للحض على هذا التغيير لبناء عالم جديد نتضامن فيه كلنا