لبنان أولا… إنه الشرق الأوسط الكبير
بقلم: عصام خوري
//منسق مركز التنمية البيئية والاجتماعية//
عادت حرب الطوائف في لبنان منذ يوم 10 أيار ليكون هذا اليوم بمثابة شرارة تماثل الشرارة التي حدثت إبان حادثة البوسطة في شوارع لبنان أيام الحرب الأهلية الماضية.
إلا أن الجديد في معطيات هذه الحرب أنها تتم وفق رؤية أميركية خالصة حملت مشروعا متعثرا هو الشرق الأوسط الكبير. نعم عاد هذا المشروع من بابه الضيق والكبير المسمى بيروت.
فلبنان هذا البلد المتواضع بإمكانياته وثرواته، هو الخاصرة الهامة للحكومة السورية، وهو بوابة النار الأساسية للحكومة الإسرائيلية.
لعب الكبار:
لم تتخلى الولايات المتحدة عن رئيس الوزراء اللبناني المحاصر فؤاد السنيورة، رغم تصريح
حليفه غسان تويني لقناة
O TV
مساء 10/5/2008 بأن السنيورة سيعلن يوم 11 أيار حل الحكومة اللبنانية، فقد تشبث السنيورة بكرسيه الوزاري، ليصل الخبر الجديد بان المدمرة كول “الأميركية” ستعود للسواحل الشرق أوسطية مرة أخرى.
رغم أن السياسة الأميركية حديثة العهد في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها رسخت رؤية واضحة عند كل المحللين السياسيين عن تعاطيعها مع مفهوم الشريك، ويمكن تلخيصه بالتالي:
– الولايات المتحدة تبحث دائما عن الشريك الأقوى، ليكون لسانها في المنطقة. وتتخلى دائما عن الشريك الأضعف، على أن تبتزه لترسيخ مشاريع معلقة.
وفي ذلك نرى مثالا واضحا يتجسد بالتعاطي الأميركي مع ملف حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، التي باتت اليوم عن طريق سياسي اردوغان تمرر مشاريع متنوعة للأميركيين في المنطقة.
– يعلق ملف السلام العربي الإسرائيلي مع بداية كل فترة رئاسية أميركية، ليعود للحياة مع نهاية كل فترة رئاسية للرئاسة الأميركية، وطبعا يتعطل أو يعلق لتستمر هذه المتوالية.
فقد سعى الرئيس كلنتون في آخر فترة رئاسية لتحقيق السلام، واستمر بهذا التوجه الرئيس بوش مع بداية فترته الرئاسية ليتناسى هذا الملف حتى هذا العام.
– تعزز الولايات المتحدة شراكات مع دول عربية بعيدة عن النزاع العربي الإسرائيلي، تقدم لها بعدا إقليميا. وفي ذلك نرى التوجه لتعزيز العلاقة هذا العام مع الحكومة التونسية والموريتانية، بعد أن عززتها مع المغرب قبل أربعة أعوام.
– تعزيز المعارضات واحتضان نشطائها. وفي هذا الأمر نرى غياب إدراج منظمة مجاهدي خلق ضمن قائمة الإرهاب التي تتبناها الحكومة الفرنسية حاليا شريكة الولايات المتحدة.
– دعم الإعلام الموجه وبخاصة المعني بتعزيز مفاهيم الأقليات والقوميات الصغيرة، وفي ذلك نرى مدى انتشار الفضائيات العراقية لكل تجمع ديموغرافي متمايز عن الآخر.
– أما أهم آلية لترسيخ مشاريعها: فترتكز فيها على تضخيم حجم أعدائها أو مناقشين قرارها. وفي هذا الأمر نرى سلوكها تجاه السلاح العراقي قبل الاحتلال، وحاليا تجاه الملف النووي الإيراني وتباعا تجاه الاتهامات النووية الجديدة لسوريا.
لقد استطاعت دوائر القرار في الولايات المتحدة، وخلافا لكل التحليلات السياسية السخيفة “التي بينت تخلف هذه الدوائر عن تصور تعاطي مميز للاحتلال الأميركي في العراق، ورغبة الأميركيين الانسحاب من العراق” من تحقيق هدف واضح وهو تعزيز الكتل العسكرية الشيعية في الجنوب، وترسيخ معايير الأصولية السنية في الوسط، لخلق جو من التشاحن الطائفي ممتد من العراق نحو لبنان. وقد ساهمت هذه السياسة رغم الخسائر العسكرية الأميركية في العراق، في نفاذ بنية خلافية خلاقة في المنطقة ستساهم بشكل أو بآخر في تعزيز مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يقدم في معطياته دويلات طائفية متناسبة مع المتغير التاريخي المتمثل بالحرب على الإرهاب، وسياسة القطب الواحد.
حزب الله أداة أميركية:
انساقت حزب الله وراء الفخاخ التي رسمت له، ليكون اليوم أحدى الأدوات الأميركية في المنطقة وإن لم يكن يريد هو ذلك.
فقد انساق حزب الله مرغما للدخول في معركة الشيعة والأصولية السنية، رغم ذكاء كتله السياسية التي تجنبت ذلك في معارك نهر البارد العام الماضي. حيث كشف في هجومه على فريق السلطة في بيروت رؤية واضحة للفرق المسلحة في لبنان وهي وفق التالي:
– فريق شيعي منظم تحت زعامة حزب الله وتمركزه من منطقة الضاحية حتى الجنوب اللبناني.
– فريق أصولي سني موزع بين منطقة المصنع وبعض المخيمات الفلسطينية وفي مدينة صيدا والتواجد الأكبر له في محيط مدينة طرابلس، ويغذيه ماديا فريق الحريري.
في حين تميزت جميع الأحزاب القومية والسلطوية والاشتراكية والشيوعية “رغم تدخل بعض مليشياتها في بعض المعارك” بأنها أبعد ما تكون عن الوجود العسكري الفعلي، ونفاذها مرسخ فقط بجانب التصريحات السياسية وحدها.
في حين تبين وبكل وضوح أن الجيش اللبناني، في حالة تيه بين تحقيق مصالحة أو أخذ خيار حقيقي يثبت وجوده ضمن لوحة الصراع اللبناني، فقد خسر العماد ميشيل سليمان التأييد الذي أولته السلطة سابقا ليكون رئيسا توافقيا، بعد أن تخلى عن حمايتهم من التوغل العسكري لفريق المعارضة، مما يجعله الآن أعجز من أن يتسلم رئاسة حكومة تسيير أعمال لا يجد فيها شركاء من فريق السلطة الهاربة من فريق المعارضة، وفق دستور عماده الرئيسي الكتل الطائفية المستندة لما يسمى الديمقراطية التوافقية.
حوادث القتل والتصفية بين بيروت والجبل والشمال رسخت معايير الكراهية والحقد بين الفرقاء في لبنان، ومهدت لتنامي الخطاب الديني بين الشيعة والسنة، وتأجيج لوحة النقاش المشكوك بين السفارتين السعودية والإيرانية.
مما جعل الإعلام الموجه سالف الذكر يقوم على استقبال شخصيات تتناول عبارات “إيران على ضفاف البحر المتوسط، الصفوية العسكرية في لبنان، الاحتلال الشيعي لبيروت، اليوم بيروت وغدا القاهرة والرياض” وبدورهم حزب الله وحركة أمل والمرجعيات اللبنانية الشيعية في لبنان بينوا فرحهم بتبيان ضعف فريق السلطة الذي لطالما تبجح بمقدراته العسكرية.
مما جعل هذه المرحلة في صميم المشروع الأميركي ومجمل فرقائها أدوات في مخطط تضخيم النزاع الشيعي السني على المنطقة، مما بين وبكل وضوح ضعف حكومات الدول العربية أمام معايير السلطات الدينية، مما يؤسس مستقبلا لمشاريع دول دينية عمادها الأساسي مركزية الطائفة. ليكون النزاع المقبل نزاع الطوائف كبديل عن النزاع العربي الإسرائيلي.
الحرب صيفا:
رغم أن قرار الحرب هو قرار أميركي أو إسرائيلي، وأي تأخير فيه هو أمر منوط بالكتل العسكرية وجاهزيتها لكل منهما، إلا أن استبعاد الحرب كما صوره سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير 9/5/2008 بات بعد حركته العسكرية الأخيرة إلزاما، فقد أجج حزب الله من مرحلة الحرب الباردة، لتكون في أقرب فرصة حربا ضروسا، فكل من إسرائيل والولايات المتحدة لن تسمح بأن يتسلم حزب الله السلطة والقرار في لبنان وهو تحت قيادة سياسية وعسكرية محكمة ومنظمة.
لكن السؤال الهام يأتي كيف ستكون آلية هذه الحرب، ومتى؟
حرب تموز الماضية بينت خللا في معادلة التفوق والهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. وأكاد أجزم رغم أنني لست بعراف، أن الحكومة الإسرائيلية إن قامت بتحرك عسكري، فستسعى ليكون ناجحا، وبذات خلال شهر تموز من أجل تغيب فشلها الماضي.
كيف سيكون هذا التحرك!!…
سعت إسرائيل في الفترة التي تلت حرب تموز الأخيرة، لجملة من التعزيزات الاستخباراتية، بينت بعضها للإعلام كوجود صحفيين إسرائيليين يقومان بتغطية في لبنان، وصحفي آخر يقوم على تحقيق ضمن الأراضي السورية العام الماضي. ولعل حادثة اغتيال الحاج عماد مغنية في دمشق، لهي مؤشر واضح عن مدى التوغل الأمني للأجهزة الإسرائيلية في النسيج العسكري لحزب الله في لبنان وشركائه من الجانب السوري.
كما أن الاستعدادات العسكرية والأمنية لداخل إسرائيل كما في التجربة التي أجريت في المنطقة الشمالية، تبين أن الإسرائيليين يسعون جاهدين لتقليل خسائرهم، وتهيئة شارعهم السريع الهجرة لإمكانية حرب أوسع من الحرب الأخيرة.
كما تستفيد إسرائيل اليوم من مدى انهيار القاعدة الجهادية للتنظيمات السلفية تجاه الوجود الإسرائيلي، مقابل ترسيخ وجودها ونفاذها كتكتل طائفي له وجوده في الشارع اللبناني، وبغياب زعامة سنية منظمة باستثناء تيار المستقبل، تتحول هذه الكتل السلفية لميلشيات تنفذ أعمالها في عموم الأراضي اللبنانية، مما يجعل منطقة الجنوب منطقة استهداف حقيقية لهذه الفئات متى سيطرت على منطقة الشمال.
ولن يستطيع حزب الله وكافة القوى والمليشيات المتحالفة معه من تحقيق سيطرة على هذه القوى السلفية، مما سيمهد لمشروع حرب أهلية، ومع تنامي ثقافة الدم بين الفرقاء ستزداد الكراهية، مما سيعزز من ضعف التضامن الشعبي في حال قامت حرب مشابهة لحرب تموز الأخيرة.
الآليات الإسرائيلية قبل الشروع في الحرب:
1- تصفية الزعامات العسكرية لحزب الله، مع السعي لتصفية أمينه العام بشكل رئيسي.
2- تعزيز النزاع بين فرقي السلطة والمعارضة.
3- تدعيم الفرق السلفية الجهادية ماديا، وإن كان بطرق غير مباشرة.
4- تهديم الشبكة السلكية لحزب الله.
5- تصفية العاملين والتقنيين على الشبكة السلكية.
6- تعزيز التوجه العسكري لقوات اليونفيل بالقيادة الايطالية.
7- البحث باستراتيجيات الفرق العسكرية لحزب الله، وطرح بدائل لها.
8- الاستعانة بالخبرات اللاسلكية والاستخباراتية الأميركية الكامنة على المدمرات قبالة المياه الإقليمية اللبنانية.
رغم أن الآليات المطروحة عند الجانب الإسرائيلي غير نافذة بشكل مطلق، إلا أنها نافذة في بعضها ولو بشكل جرئي، فموقع الذاكرة الألماني المعد من قبل خبراء يهود، بين عن اسم فرقة تدعى “مجموعة الأليمة، أو مجموعة الألم” التي سعى لتأسيسها الشهيد عماد مغنية قبل وفاته بعدة أشهر خلال العام 2007، دون أن تبين توجه هذه الفرقة مما يدلل أن الاستخبارات الاسرائيلية تسعى جاهدة لترسيخ وجودها كسلاح فاعل في الحرب القادمة.
حزب الله والخيار الصعب:
حزب الله من جانبه يدرك تماما أبعاد حركته، فقد صرح أمينه العام، عن جهازيه الحزب التصدي لجبهتين في حال راهنت إسرائيل على فريق السلطة كجبهة متقدمة لها في الداخل اللبناني، فسعى بحركته الأخيرة لتقليص المسرح العسكري المتنامي عند المليشيات السلطوية، مبعدا إمكانية توغلات استخبارتية أميركية متعاونة مع الأجهزة الأمنية السلطوية، ليبقى أمامه فرق الموت السلفية المتهيئة وفق رؤية جهادية وثأرية من الضعف السني في لبنان. طبعا تمركز هذه الفرق في الشمال اللبناني سيجعلها في بعد استراتيجي وديموغرافي عن السلطة الحزبية لحزب الله. ففي حال عدم تمكن تيار المردة ومناصري عمر كرامي ونشطاء الحزب القومي الاجتماعي والعلويين من ترسيخ هيبتهم، سيكون الحزب في حالة لا يحسد عليها، وقد يطالب في حال نشبت حرب مع إسرائيل، شريكه السوري التدخل شمالا، وهنا سيأتي الخيار الصعب، فسوريا دولة وتدخلها سيكون بمثابة تعدي دولة على دولة، وقد هيئ المجتمع الدولي لأن يتعاطى مع السوري على أنه متهم بالشأن اللبناني أساسا، وأي تدخل مباشر سيحتاج لإجماع دولي وإقليمي.
التدخل السوري: لو تدخل السوري في لبنان سيكون النشاط العسكري الاميركي جاهزا لترسيخ معاييره على سوريا، مستعينا بالأسرة الدولية تحت ريادة حلف شمال الأطلسي، الذي بات يطوق سوريا أساسا.
التخلي السوري: في حال انعزال سوريا عن هذا التدخل، فإن السلفية الجهادية ستتقدم جنوبا بحجة مواجهة إسرائيل، مما سيجعلها في غياب تنسيق امني مع حزب الله، وهي أساسا في كراهية مطلقة له. مما سيجعلها في جانبين رئيسيين:
الأول: ستتعاون مع حزب الله: وهنا قد يمرر بعض شخصياتها العميلة معلومات أمنية عن حزب الله، مهددة في إصابته في العمق.
الثاني: منعهم من النشاط في الجنوب: وهذا ما سيجعلهم في مرحلة صراع مع حزب الله، ليصبح الحزب بين مطرقتي الآلة العسكرية الإسرائيلية جنوبا، والتهديد السلفي شمالا.
في حال تمت الحرب فإن حزب الله قادر على منع الإسرائيلي من اجتياز الحدود اللبنانية، إلا أن غياب وجود حضن آمن في الشمال سيجعل الحزب في مرحلة ضعف كبيرة وتخوف عالي على الأهالي النازحين، مما سيضعف من شكيمة المقاتلين الذين هم في الأساس مواطنين رحلوا عوائلهم ليمارسوا دورهم الجهادي. حزب الله في هذه الحرب سيكون أمام معادلة يصعب حلها، وربما خياره الوحيد سلاح استراتيجي قادر على ردع الإسرائيليين، وزرع ثقافة الخوف بين مقاتليهم… فهل تفعلها إيران وروسيا!.
عصام خوري // كبير باحثي مؤسسة ايو في شؤون الجغرافية السياسية لمنطقة المينا //