خارجية سوريا الأسد فقدت أنيابها
أرشيفية عن حياته، حملت في عيون المشاهد السوري ذاكرة من الغبطة الممزوجة بألم ذاكرة حالمة، ورغم ما حملته من تصوير مجاري للحاكم، إلا أنها حملت روح رومانسية الأيام الغابرة لتلك الأجيال، حتى بمعتقلاتها وإقصاءها للثورات الداخلية وقيامها بدور الوكيل عن المجتمع المدني… وتبقى الخارجية السورية عنوانا أفاقاً في تاريخ سوريا.
فالشرع وطاقمه السياسي أعلى دائما من كرامة السوري في الخارج، وجعل من الدولة الصغيرة، رقماً صعباً في الحرب الباردة… كما جعل من الشارع العربي ينظر بحسد للقيادة السورية خاصة في إدارتها للأزمات القومية، وخاصة، “عاصفة الصحراء” الأولى… وانتهاءً بدور سوريا في مجلس الأمن وتصديها لمشروع قرار الحرب على العراق… وخطابات رئيس سوريا الشاب في القمم العربية، وبروز الوجه النسائي اللافت للسيدة أسماء الأسد برفقه الرئيس في أغلب زياراته الأوروبية.
مجمل تلك الأمور والأحداث، قدمت استمرارية لتألق وجه سوريا في السياسة الخارجية… لكن السؤال ينبع هذا العام، أين الخارجية السورية وأين حنكتها؟
امتازت الخارجية السورية دائما باستقلاليتها عن الوضع الداخلي، الذي امتاز دائما بالتعتيم الإعلامي، والإغلاق الفرضي لأحداثه ومتغيراته، لكن العام الحالي والعام المنصرم تميز بتداخل الوضع الداخلي بالوضع الخارجي. فمساعي الحكومة الدءوبة للدخول في الشراكة الأورومتوسطية ومنظمة التجارة العالمية، “أي الدخول ضمن الأسرة الدولية الجديدة بمفاهيمها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتنموية”. فرض عليها حتمية الدخول في غمار الفكر الاجتماعي والتماس مع الحركات الاجتماعية السورية المتواضعة، والمثقفين الإصلاحيين المعزولين والمنفيين قسراً داخلياً، والمعارضة الهاربة للخارج، والأحزاب والحركات القومية غير المصرح بها. بالإضافة لمراجعة دورها الإقليمي في المنطقة، من خلال مجاورتها للدولة الأميركية في العراق، والكونفدرالية الكردية المزمع إقامتها في المنطقة، والصهيونية المتزايدة حتى في معسكر السلام الإسرائيلي، وتمرد الدول العربية الصغيرة الحجم عن خط سياسات الدول العربية الكبيرة، وإقرار مشروع قانون محاسبة سوريا.
رأي شلومو بروم:
”السؤال الذي يطرح نفسه: هل باستطاعة بشار الأسد اتخاذ القرارات الحقيقية، منها ما يمكن أن تشذ عن مواقف والده؟
تحيط ببشار، مجموعة من القيادة القديمة التي كانت بجوار والده، والبعض يقول إنهم يتحكمون به بالفعل, حتى الآن لم يتحقق أي من وعود الإصلاح أو التغيير التي قطعها الأسد على نفسه, الإصلاح الداخلي توقف بعد ما كانت بعض المصطلحات حول حرية التعبير والتنظيمات السياسية لا تتوافق وتطلعات القيادة القديمة, الوعود التي قطعها على نفسه بإغلاق مكاتب التنظيمات اتضحت أنها فارغة”.
”أمر رجال التنظيمات الفلسطينية بالتوقف عن الظهور على الملأ، لكن في ما عدا ذلك لا يوجد أي تغيير في نشاطاتهم في دمشق, الولايات المتحدة تشتبه في أن سورية لا تتعاون بصورة كاملة لمنع تهريب المساعدات للقوات في العراق التي تدير حربا إرهابية ضدها, قضية أخرى هي موقف الأسد نفسه من إسرائيل، حيث لا توجد أي دلالة على أن موقفه غير منسجم وموقف والده، ويمكننا أن نقول أن موقفه من إسرائيل أسوأ من موقف والده، وهذا ما يمكن فهمه من تصريحاته القاسية ضد إسرائيل، وعلاقاته الوطيدة بحزب الله”.
وبابتعاد عن آراء الباحثين يمكن للمواطن العادي قراءة التخبط الإعلامي الخارجي السوري، وتعدد مدارسه، وكمثال الأزمة الكردية في سوريا:
- أشار الرئيس الأسد في مقابلته مع قناة الجزيرة، إلى عدم وجود يد خارجية في أحداث القامشلي والأزمة أزمة قومية داخلية.
- في لقاء مع وزيرة المغتربين السورية “المترجمة السابقة للأسد الأب، والقريبة جداً من الأسد الابن” بعيد مقابلة الرئيس مع القناة المذكورة، أشارت لوجود أيادي خفيه في أحداث القامشلي، ولا وجود حقيقي لأزمة قومية.
- صرح العماد مصطفى طلاس المستقيل من منصبه طوعاً بعيد مقابلة السيدة شعبان، إلى وجود دراسة لتقديم 20ألف هوية لبعض الأكراد، والاعتذار عن تقديم أية بطاقات شخصية لبقية الأكراد المكتومين أو الأجانب.
وفي أزمة العلاقة مع الولايات المتحدة:
- حملت تصريحات وزير الخارجية المخضرم فاروق الشرع، طابع الحديّة من ساسة البيت الأبيض، وتهجم في أكثر من موقع على صقور الولايات المتحدة.
- وبالمقابل تغنت مقابلات وزيرة المغتربين والرئيس الأسد بعبارة نحن في حوار دائم مع البيت الأبيض، وسيستمر الحوار. ويذكر أن السيدة شعبان قامت بحملة دولة وأميركية خاصة لوقف إقرار قانون محاسبة سوريا، وفشلت في ذلك.
- حمل خطاب مثقفي السلطة للداخل السوري، والعالم العربي المحيط. لغة الاستخفاف بالعقوبات على سوريا، لدرجة وصف أن هذه العقوبات تؤثر على الولايات المتحدة وليس على سوريا.
وفي الأزمات العربية:
- امتازت قمة بيروت والقمة السابقة لها، بتقبل القادة العرب ولو بتحفظ لخطاب الرئيس الأسد الذي لطالما تحدث عن المصطلحات، والضعف العربي والخنوع لمطالب إسرائيل والولايات المتحدة.
- وفي قمة تونس، حمل الأسد ورقته الرافضة لعبارة إصلاحات في العالم العربي، واستبدالها بعبارتي “التحديث والتطوير” وآزره في هذا الأمر فقط المؤازر الدائم لحود من لبنان. وذكر عن خلاف واسع بين الرئيس المصري والسوري حول هذا الأمر، دفع الأخير لعدم حضور الجلسة الختامية، وقبل تخلف الرئيس المصري سبقه في هذا الأمر عدد من الدول العربية صغيرة الحجم قوية الصوت وطبعاً الزعيم الليبي.
وفي الشراكة اليورومتوسطية:
- يسألني بائع الفول أبو عبدو كونه يعرفني صحفي، ألم توقع الشراكة مع أوروبا!!.
- سؤال أبو عبدو هذا سؤال الشارع السوري جميعه، ففي كل اجتماع مع الأوروبيون، نرى الإعلام الرسمي يقول سنوقع الشراكة في الاجتماع المقبل، ولا يحصل جديد.
- وفي ظل تردي حقوق الإنسان وعدم تحسين معدلات المعيشة والبطالة وتحسين دور المرأة في المجتمع، وإقرار قوانين لتشجيع الاستثمار، تأتي طروحات الأوروبي بخصوص الأسلحة السورية رصاصة الرحمة للشراكة.
ومن خلال مجمل هذه الأمثلة. ندرك عجز الخارجية السورية بمدارسها المتعددة والغير مترابطة فيما بينها، عن الإقرار بفشلها أمام الأميركي والأوروبي معاً، ولعلها ستكتفي بحليفها التقليدي الشيعي الإيراني وامتداده الشيعي العراقي واللبناني، وتتوافق بمصالحها مع العشائر العربية العراقية، والقيادة التركية المعادية للقومية الكردية. ولكن إلى متى!!…
ربما الخارجية السورية فقدت أنيابها… ويبقى الرهان هل ستفقد زيرها…!!!.