ملف أمراض اجتماعية سورية: القمار
بقلم: عصام خوري //منسق مركز التنمية البيئية والاجتماعية//
يندر الحديث الإعلامي عن القمار في سوريا، وربما هذه المادة هي المادة الوحيدة المنشورة على صفحات الانترنيت، لتدلل على هذا المرض الاجتماعي القديم الاثر في سوريا.
فالمقامر السوري مشهود له في هذه اللعبة، ولربما هذا الامر ناجم عن تاريخ سوريا التي عرفت بالتجارة، ووسائل ترفيهها المتتابعة مع دائرة المال.
لكن اللافت هذه الأعوام انتشار هذه الظاهرة وبشكل كبير بين أوساط الشباب السوري، لتكون واحدة من متنفسات هذا الجيل من ضيق الظروف المادية، والقمع الاجتماعي، و…
القمار قديما في سوريا:
حملت افلام السبعينات “ذات الإنتاج المشترك” على اظهار القمار كجزء أساسي من حياة الترف التي يعيشها المتمدنون الاثرياء وحتى بين ابناء الطبقة الوسطى، ومن أمثلتها أفلام الراحل نهاد قلعي ومن ورائه كل من رفيق سبيعي ودريد لحام، وكان التركيز دائما في هذه اللعبة على كازينوهات بيروت.
الا أن غالبية المدن السورية امتازت بوجود مقهيين أو ثلاث لرواد هذه اللعبة، ولطالما امتازت طاولات القمار بالملاءتين الخضراء والخمرية المحمرة، كدلالة على امكانية وجود صالة في هذا المطعم للعب القمار.
وفي الحقيقة عرفت شخصيات سورية عديدة باحترافها لهذه اللعبة لتكون مورد رزقها الرئيسي، حيث التقينا عدة شخصيات معروفة في الشارع السوري “نتحفظ عن ذكر اسمها”، كانت تدعى لكازينو بيروت وقبرص وتحجز لها اجنحة فاخرة، من اجل لعبة احتراف مع محترفين مختلفين.
لطالما احتقر الشارع السوري المقامرين، وبات المواطنين يكيدون حولهم الاقاويل، مثل عدم توانيهم عن المتاجرة بنسائهم، بالاضافة لبيعهم اثاث منزلهم، لتتبعها عدة تعليقات حول تعاطي المقامرين بعض الممنوعات مثل المخدرات، وتجارة الحشيش، والمخدرات الكيماوية الطبية “السيمو”… قيادة فتياته
القمار في القرى:
لطالما لعب أهالي القرى بالقمار وخاصة بعد انتهاء مواسمهم الزراعية كنوع من الترفيه، إلا أن عدد من القرى باتت معروفة في سوريا، بامكانية لعب القمار يوميا من كل مساء في مقاهيها، ومنها على سبيل المثال: قرية “كنسبا” على طريق اللاذقية ادلب، وقرية “شطحة” في محافظة حماه…
والغريب معرفة الجميع بهذا الامر، وغياب رقابة عن هذه المقاهي، ففي حالات منع مقاهي اللاذقية من امكانية توفير هذه اللعبة، فإن المقامرين المدمنين يهمون بسياراتهم نحو هذه القرى، لتوفير متعتهم في خسارة او ربح الأموال.
وفي لقاءنا مع عديد من المقامرين وسؤالنا لهم عن أول مرة بادروا فيها على مجالسة المقامرين القدامى، فيأتينا الجواب وفق النسب التالية “عينة 40 مقامر شاب في ثلاث مدن”:
– 85% في ليلة رأس السنة: حيث درجت العادة أن يلعب الشباب برفقة الأهالي أو الاصحاب على سبيل التسلية هذه اللعبة بعد احتساء المشروب، كرغبة منهم في قراءة طالعهم مع بداية العام الجديد، ففي حال ربحوا يكون العام عام خير مادي لهم، وفي حال العكس يكون العام كبيسا عليهم.
– 4.5% مراقبة للاهالي أو الاقارب، وتدرج بين خدمة الطاولة نحو اللعب كتكملة عدد دون المشاركة بالمال.
– 8% لعب في المقاهي مع الاصدقاء، ومتعة كبيرة بفكرة الربح والخسارة.
– 2.5% بعد المواسم الزراعية.
ومع سؤالنا لنفس العينة العشوائية عن سبب اهتمامهم بهذه اللعبة بشكل رئيسي، يأتينا الجواب متفاوت بين النسب التالية:
– 30% المتعة، والشعور بلذة الانتصار.
– 25% الفراغ: وهذه فئة تمثل طبقة ثرية من الشباب تجد مع غياب المرافق الترفيهة، لعب الورق متنفس لفراغها، بعد الانتهاء من العمل.
– 45% الاحتراف: ويأتي السبب بشكل مباشر نتيجة الحاجة وغياب مورد مادي يعاد مورد هذه اللعبة.
من هذه الإحصائيات في العينات العشوائية سالفة الذكر، نستدل على عدة أمور هامة:
– القمار غير معترف به كمورد رزق أساسي رغم وجود فئة كبيرة “45% من المقامرين” تعتمده كمورد رئيسي في حياتهم.
– رغم استنكار المواطنين لهذه الحرفة وروادها، إلا أن قسم كبير من الاهالي لا يتوانون عن لعبها امام اطفالهم، في لحظات المتعة ومنها رأس السنة.
– الجديد في طرح الاحصائيات السابقة هو: دخول فئة الشباب الاثرياء لهذه اللعبة كنوع من المتعة الخاصة، وكانت غالبية الاجوبة متشابهة:
ماذا سنفعل بعد انتهاء وظائفنا، الملل يقتلنا، خسارة خمسين الف ليرة، أو ربحها ليس بمبلغ كبير، واللعب على اساسه سيكون ممتع “وتستمر الاحاديث مع تقديم امثلة عن نجاحات”.
ميزات المقامرين:
يلاحظ على المقامر عدة ميزات واضحة تبين شخصيته، وتدلل على متعه:
1- البهجة الدائمة: فمن النادر أن تشاهد مقامر يتذكر خسائره، لا بل على العكس تراه دائما في حالة تذكر لمرابحة، طرق تلاعبه في ملاعبة الخاسرين امامه.
2- الكرم: يقال ان كنت جائعا، أو محتاجا، فما عليك سوى انتظار الرابح من طاولة القمار، كي تعرض عليه حاجتك، وتأكد دائما أن حاجتك بالاضافة لعزومة على العشاء قد تكون معدة لك.
3- الاسراف: بعد ربح المقامر، قد تشاهد مظاهر بذخ يصعب وصفها، متزامنة مع حجم مربحه.
4- المجلس الطيب: وهي ميزة تراها عند المقامرين في أغلب جلساتهم، فهم أصحاب الداعبة والكرم، والشجاعة المرتبطة بتقديم المال أو توفيره.
5- الاقرار الدائم بضرورة ترك هذه اللعبة.
6- تحميس الاخرين على مشاهدته.
7- شرب الكحول: وهي ميزة لطالما ترافقت مع هذه اللعبة يضاف اليها التدخين. والحكمة الدائمة عند المقامرين هي: عيش يومك يطيب عيشك. فغالبية المقامرين لا يحسبون ساعات المرض من حياتهم.
تأتي هذه الميزات واضحة عند المقامرين الذكور، في حين نرى المقامرات النساء في حالة مغايرة، حيث يكون لعب النساء مقتصر على طاولات نسوية صرفة، تجتمع فيها النساء الاصدقاء في منزل اهداهن، ودائما المبالغ المرمية على هذه الطاولة خجولة جدا أمام طاولات الشباب أو الرجال.
الصحن والقمار المنزلي:
امام السمعة السيئة للمقامر، توجه عدد كبير من الشباب السوري لمزاولة هذه اللعبة في منازل خاصة، يديرها أحد اصدقاؤهم، والذي يتحصل على اجر المنزل المستأجر ومصاريف زواره من خلال الصحن.
أما الصحن فهو صحن عادي يضعه صاحب المنزل امام جالسي طاولة القمار، على ان يضع كل لاعب مبلغ 500ليرة سورية مع مرور كل ساعتين، وعندما يربح احد اللاعبين فإنه يضيف للصحن مبلغا متفقا حسب اشتراط صاحب المنزل قبل بداية اللعب.
طبعا رسم الساعتين متفاوت بين منزل وآخر، ففي حال كان المنزل ذكوريا صرفا فإن هذا الرقم يكون مقبولا، أما أن كان بمساهمة من صاحبة المنزل وبعض صديقاتها الجميلات فإن الأسعار تختلف بعض الشيء. بكل الأحوال ساهمت الملاهي الليلية في تقليل وجود الفتيات في هذه المنازل، حيث يأخذ على الرابح الشاب عادة ارتياد النوادي الليلية بعد انتصاره، وقد تراه يصادق إحدى الفنانات المبتذلات “الراقصات” وفي كثير من الأحيان يبدلها مع حجم مربحة أو حتى خسارته.
يقدم صاحب المنزل المضيف المشروب الروحي، وأحيانا الشاي والقهوة حسب مستوى تدين اللاعب “فقد تجد عدد كبير من اللاعبين المتدينين، والساعين لإخفاء متعتهم في هذه اللعبة أمام العام، لذا يكون خيارهم ارتياد هذه المنازل”، ويضيف صاحب المنزل أنواع الدخان المختلفة مراضاة لزواره، بالإضافة لصحن حلو فاخر وصحن كبير فواكهه منوع.
كازينوهات القمار في سوريا:
لا يوجد في سوريا أي كازينو معلن للعب القمار، رغم وجود بعض الطاولات في بعض المطاعم، وحتى في المقاهي الشعبية، والتي تعرفها السلطات السورية وتغض النظر عنها، طوال مراعاتها لحدود الآداب العامة، فلعبة القمار تساهم في امتصاص فورة الشباب، دون أذى واضح للعامة، وهو الجانب الذي تسعى له السلطة الامنية في سوريا دائما.
وقد بادرت المعارضة السورية “نشرة أخبار الشرق” جناح اسلامي معارض ضمن فريق جبهة الخلاص، إلى التطرق نحو مساعي رجل الأعمال السوري السيد رامي مخلوف لإشادة مدينة مشابهة لمدينة لاس فيغاس في بادية تدمر الأثرية، في توجيه سلبي نحو هذا التعاطي الذي يندرج ضمن مفهوم إفساد المجتمع السوري.
ورغم غياب إعلان حقيقي لهذا المشروع ضمن سلسلة مشاريع صندوق المشرق السوري الذي يرعى أنشطة السيد مخلوف، ويساهم مع أهم رجال الأعمال السوريين في مشاريع الشام القابضة. فإن مركز التنمية البيئية والاجتماعية استطلع آراء عدد من المواطنين “عينة عشوائية 70 شخص، 30 منهم مقامرين”، فكانت النتائج التالية:
– 76% أمر رائع.
– 17% رفض قطعي.
– 7% غير مبال.
رغم أن هذا الاستطلاع تم في مدينة اللاذقية وحدها “مدينة منفتحة نسبيا عن مدن الداخل السوري” فإنه يقدم مؤشرا هاما، يدلل على وجود فكرة قبول لهكذا نوادي، خاصة وأن الاشكالات التي تنجم عن لعبة القمار، ستكون واضحة ومحصورة في مكان محدد.
ويخبرنا السيد حسان احد المقامرين: نحن لا نفهم سبب عدم ترخيص هكذا نوادي، لماذا تستفيد نوادي لبنان من اموالنا، الأمر مستحيل منعه، يوجد ادمان عند الكثيرين.
الأستاذ محمود //مدرس ابتدائي//: هذا اشر الذنوب، هل سيحولون البلد لخمارة.
السيد حسين //حرفي//: الامر غير محبب، لكنه في تدمر وهو بعيد لا مشكلة.
إن جدول هذه الآراء بالإضافة للإحصائيات السابقة، تدلل على وجود القمار وبشكل كبير ومعروف في سوريا، رغم غياب ملاحظات إعلامية واضحة.
لإبداء رأيكم وتعليقاتكم حول هذا الملف ” ملف أمراض اجتماعية سورية” يرجى مراسلتنا على البريد الالكتروني التالي:
“ملاحظة: نتمنى على المعلقين موضوعية التعليق حول هذه الملفات، ويعد المركز بادراج تعليقاتكم المناسبة في محاور هذا الملف الغير منشورة حتى هذا اليوم، وتبني بعض المحاور التي تقترحونها”