حاجة الولايات المتحدة لثقافات الدول الأخرى
والحقيقة أن هذا قول أيسر من فعل خاصة عندما تتلبد السماء بغيوم التحديات وتلف سحب التشاؤم بعباءتها محيط الرؤى . وقد لامني كثير من القراء على نظرة التشاؤم وانخراطي ضمن المجموعة التي تيمم وجها دائما شطر المشاكل والمصاعب ولا تقف كثيرا عند نقاط التفاؤل المضيئة ، غير أن هؤلاء القراء ربما أنهم لم يفسروا حديثي الصريح والواضح عن حقائق الإرهاب المعاصر وطموحاته الدولية .وأقولها دون مواربة : مجابهة تلك الحملة سوف تطول لجيل بأكمله من الأميركيين وقد تمتد أبعد من ذلك.
وفي الوقت نفسه فإن ما طرحته من أفكار عن المحصلة النهائية بنجاح الولايات المتحدة وحلفائها في التصدي للإرهاب يجب أن يحمل معه الأمل والتفاؤل. وعلى الأميركيين أن يقبلوا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم للقيام بدور أكبر لإعادة تشكيل موازين القوى على الساحة الدولية والتي أصيبت بنوع من الخلل ، ومنبعها في كثير من الأحيان هو الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي لا يستحيل معالجتها وتصحيحها .
وفي تعليق لأحد القراء على ما كتبته مؤخرا حول العراق قال لقد أصبت القول ، فلنقذفها في وجه الإرهابيين ونكسب عقول وقلوب العراقيين بتوفير الفرص الاقتصادية. والواقع أن الولايات المتحدة تسير في الاتجاه الصائب بالمبادرات التي تنفذها بقوة تجاه القلوب والعقول المكافحة في أرجاء العالم المعاصر كما فعلت من قبل إبان الحرب الباردة . فمفتاح النصر اليوم لا يكمن وحسب في توسيع قاعدة التطور الاقتصادي ـ من خلال التجارة والاستثمار وتقديم المساعدات ـ ولكن أيضا في نشر الوعي عن طريق التعليم والتبادلات المتنوعة.
ومن المحادثات الشيقة التي أجريتها منذ وقت ليس ببعيد مع ميليز فريشيت الذي عمل كسفير للولايات المتحدة في كولومبيا كما ترأس مجلس الأميركتين حيث قال إن واحدة من أخطر المشكلات هي عدم فهم الشباب في المنطقة بوجه عام للولايات المتحدة ، فلنأتي بهم هنا كي يتقابلوا مع الشباب الأميركي وليجروا معهم مناقشات مفتوحة ويشاهدوا أميركا وسوف تفتح أعينهم من جديد .
والحقيقة أني أتفق تماما مع هذا القول سواء ما كان يعني شباب الأميركتين أو الشباب في العالم على وجه العموم . وعلى مر الأعوام شاهدت كيف تغيرت توجهات طلابي من كثير من الدول مع زيادة وعيهم ومن تلك الدول بلغاريا والبرازيل وكندا والصين وكولومبيا وجمهورية الدومنيكان ومصر وفرنسا والغابون وغوايانا وهاييتي والهند وإيطاليا وجامايكا واليابان ولبنان والمغرب وبنما وبيرو وبولندا والمملكة العربية السعودية وتركيا ،وهذا غيض من فيض .
والواقع أن هؤلاء الطلاب قد استفادوا من قضائهم فصلا أو عاما دراسيا في الولايات المتحدة ، وحتى الرحلات القصيرة تأتي بنتائج إيجابية كثيرة. وطرح الفكرة اليوم ليس بالشيء الجديد وهناك العديد من منظمات القطاعين العام والخاص قدمت دعما في عمليات التبادل لفترات متباينة .واذكر الزيارة التي قام بها تحت رعاية الولايات المتحدة رئيس جنوب افريقيا السابق فردريك دي كليرك عندما كان شابا .وليس ثمة شك لدي أن تلك التجربة قد ساهمت كثيرا في تشكيل فكره الذي تمخض في النهاية عن رفضه التفرقة العنصرية ودخوله بجنوب أفريقيا حقبة جديدة.
هذا إلى جانب أنه من الضروري زيادة أعداد الشباب الأميركي المبعوثين إلى الخارج من مختلف الأعمار للمشاركة في برامج دراسية ومجالات أخرى . فالتواصل مع العالم هو طريق مزدوج غير أن كثيرا من الأميركيين ليس لديهم معلومات عما يحدث في العالم خارج الولايات المتحدة سوى النذر اليسير.
ومن الحقائق التي أدهشتني كثيرا عندما سمعت بها مؤخرا أن هناك 300 مليون صيني يتحدثون اللغة الإنكليزية كلغة ثانية وهم بذلك يفوقون إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة .فكيف للأميركيين أن يأملوا في المنافسة دون أن يكون لديهم اهتمام جيد باللغات والثقافات كالدول الأخرى ؟
جون بيرشا
مساعد خاص لرئيس مؤسسة غلوبال بيرسبيكتيف وأستاذ بجامعة سنترال فلوريدا