قراءة في كتاب: الأيام الأخيرة لأوروبا: مرثية إلى القارة العجوز
عندما كان طالباً، حضرت ندوة حول مستقبل الاتحاد السوفيتي. واستنتج العديد من أذكى أعضاء الكرملين ليومنا هذا أننا لن نرى نهاية الاتحاد السوفيتي في فترة حياتنا هذه: لقد كان الحزب الشيوعي قوياً للغاية وكانت الاستخبارات السوفياتية KGB قوية جداً أيضاً. بعد أربع سنوات من ذلك انهار الاتحاد السوفيتي. هذه المشكلة في المستقبل: من الصعب جداً – ومن السهل جداً – استنباطها.
أمضى والتر لاكوير، الذي ولد في وايمار في ألمانيا ولكنه عمل معظم حياته المهنية في الولايات المتحدة، عقوداً وهو يدرس التاريخ الأوروبي. ولكن في كتابه الأخير يستبدل زر الإعادة بزر التقديم السريع ويعرض وجهات نظره الخاصة حول مستقبل أوروبا. وكما يوحي العنوان الفرعي للكتاب، فإن رؤيته تشاؤمية بشكل مطرد: مرثية إلى القارة العجوز.
إن حجة المؤلف فجة ومألوفة بشكل متزايد على الرغم من تأنقها بومضات من سعة الاطلاع غير العادية. إن الأوروبيين كسولون، ضعفاء، يتقدمون في العمر بسرعة، غير مبالين للتهديدات التي تتجمع في العالم الخارجي ويتأقلمون بشكل انتحاري مع المهاجرين المسلمين غير المندمجين – والخطرين في الغالب.
علاوة على ذلك، فإن الأوروبيين يموتون ببساطة كسلالة. وبحلول عام 2,300 (لاكوير يفكر إلى فترة طويلة إلى الأمام) ربما يبقى 59 مليون أوروبي فقط.
يكتب لاكوير “بالنظر إلى تقلص عدد السكان، فمن المحتمل أن أوروبا، أو على الأقل أجزاء كبيرة منها، سوف تتحول إلى متنزه يحمل فكرة ثقافية، أشبه ما يكون بديزني لاند على مستوى معين من التطور للزوار ميسوري الحال من الصين والهند. وما يبدو مستحيلاً هو أن يكون القرن الحادي والعشرون قرن أوروبا كما زعم بعض المراقبين، على الأخص في الولايات المتحدة، قبل بضع سنوات.”
يرفض لاكوير على الأقل الفكرة- الشائعة بين المعلقين الأمريكيين الأكثر تطرفاً – بأن أوروبا سوف تتحول إلى (يورعربية). وكما يشير، ثمة عدد قليل من المسلمين في أوروبا من أصول عربية.
ورغم ذلك، يجادل بالقول إن أوروبا احتفظت بكوابيس لنفسها بإدخال النوع الخاطئ من المهاجرين. وعلى النقيض من المكسيكيين الذين يتدفقون على الولايات المتحدة، فإن العديد من مسلمي أوروبا لا يقبلون ثقافة وقوانين دولهم المضيفة. ويمكن أن تتجه أوروبا لتكون دولاً ثنائية القومية. إن الملايين من المسلمين الذين اندمجوا بنجاح فعلياً في أوروبا يتم تجاهلهم بشكل متعمد – ومسيء.
بشكل عام، قد لا تكون حجج الكاتب خاطئة تماماً – باستخدام إحدى عباراته المفضلة. ولكنها يمكن أن تكون صحيحة جزئياً فقط. فمن الصعب رفض الحجة القائلة أن أوروبا تعيد تشكيل ذاتها بشكل أبطأ من تغير العالم. ولكن بالتركيز على النواحي السلبية، فإنه يتجاهل جميع التطورات الإيجابية، مثل إعادة الهيكلة الشاملة للقطاع الخاص التي تزيد من حدة التنافسية الاقتصادية لأوروبا وتخفضّ نسبة البطالة العالية.
إن تحديد لاكوير لأوروبا يبدو أنه يقتصر أيضاً على تلك البلدان التي لا تسير فيها الأمور على ما يرام. فالكثير منها يتحدث عن مشكلة روسيا، والقليل تم ذكره بشأن أيرلندا، بلدان الشمال أو وسط أوروبا الذي يستعيد وجوده.
علاوة على ذلك، فإن تحليله غالباً ما يكون مشوشاً ومتناقضاً. فهو يتحسر على المحيط التشاؤمي في أوروبا ثم يوبخ أي شخص متفائل حول مستقبل المنطقة. ويجادل بأن هناك “العديد من الأسئلة ولكن لا توجد إجابات حاسمة”، ثم يقفز إلى استنتاجاته الساحقة.
بالنسبة لمؤرخ، يبدو تحليله أيضاً غريباً من منظور تاريخي: فهو يجادل بالاستقراء. لكن التاريخ نادراً ما يتحرك في خطوط مستقيمة كما يعترف شخصياً عندما يبدو أن استقامته الأكاديمية تتغلب على مجادلته العنيفة. ويسأل على نحو بلاغي “هل من المؤكد أن تعطي الاتجاهات والمؤشرات الاقتصادية المفتاح الرئيسي لنهضة وتراجع الأمم؟” ويضيف “لا يعطي التاريخ إجابة واضحة” بالفعل.
ما عليك إلا أن تنظر إلى الأحداث المهمة – وغير المتوقعة بدرجة كبيرة- التي غير أوروبا خلال القرن الماضي. في عالم العولمة السريعة، الثورة التقنية، الرأسمالية المتحولة والاحتباس الحراري، هل يمكن لأي شخص أن يتوقع بشكل مؤكد ما سوف تجلبه السنوات العشر التالية- ناهيك عن السنوات المائة التالية؟
يستبعد المؤلف احتمال أن يندمج السكان المسلمون بنجاح على الإطلاق، وأن الاندماج الأوروبي سوف يترجم إلى قوة صلبة، وأن دول الرفاه يمكن إعادة تشكيلها على الإطلاق. ربما يكون على حق، ولكن من يعرف؟
في حين أن المؤرخين يمكن أن يهتموا بنهضة وسقوط الدول، فإن الناس العاديين لديهم مخاوف مباشرة أكثر. ففي قمة النفوذ العالمي للقارة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، هرب نحو 25 مليون فقير أوروبي إلى الولايات المتحدة. أما اليوم، يحتشد الملايين من المهاجرين لكي يسمح لهم بالهجرة إلى أوروبا الفائقة الغنى، حتى لو لم تعد تهيمن على العالم.
لم يكن ماضي أوروبا أكثر عظمة مما يتم تخيله في بعض الأحيان، كما أنه من غير المحتمل أن يكون مستقبلها كئيباً كما يجادل لاكوير.
فايننشال تايمز 17/7/2007