الجيش التركي طابور نحو المجهول
بالنسبة لكثير من الأتراك، هذا التمثال يمثل اللحظة التي تقدمت فيها القوات المسلحة لرسم مصير البلاد. وهي تفعل ذلك منذ ذلك الحين، بشكل أو بآخر.
وآخر مظهر للتأثير العسكري في الحياة السياسية تمثل في أزمة دستورية بدأتها إلى حد كبير هيئة الأركان العامة، وأدت إلى انتخابات تشريعية تجري في 22 تموز .وفي 27 نيسان (أبريل)، وفيما أصبح يعرف بـ “الانقلاب الإلكتروني”، أصدرت الأركان العامة إنذاراً على موقعها على الإنترنت حول “التهديد المتزايد” الذي تتعرض له الجمهورية العلمانية في تركيا.
فمنذ أيام كمال أتاتورك، الجندي الذي جمع تركيا من أنقاض الإمبراطورية العثمانية، وجد الجيش نفسه حارسا للجمهورية ومبادئها الكمالية، التي ربما يكون أهمها العلمانية. وهي بشكل أدق: النظام العلماني الذي يشمل مراقبة صارمة من قبل الدولة للشعائر الدينية.
ولم يذكر الإنذار أي أسماء ولم يظهر في الحقيقة مثل بيان متمسك بالمبادئ – وهي حقيقة قد تفسر افتقاره للجدية. لكن تم تفسيره على أنه يعني أن الترقية الوشيكة لعبد الله غول، وزير الخارجية ذي الروابط السابقة مع الحركة الإسلامية في تركيا – مثل حزب التنمية والرفاه الحاكم الذي ينتمي لعضويته – رئيسا مقبلا، لم تكن مقبولة لدى القيادة العليا للجيش.
لكن الجنرالات في هذه المرة ربما يكونون قد بالغوا في قدرتهم على رسم نتيجة مرغوبة.
إن الأتراك يتصفون بعلاقة إعجاب بجنودهم، لكنها ليست علاقة غير ناقدة. ويقال ـ ليس من قبل الجنرالات فقط ـ إن القوات المسلحة هي المؤسسة التي تحظى بأكبر احترام في البلاد. ويقول آخرون إنها الأكثر غموضاً والأكثر بعداً عن المحاسبة والأكثر احتراماً للنفس.
ويبدو أن الجنرال يشار بويوكانيت، رئيس هيئة الأركان العامة – وهو رجل فظ وعنيد في السابعة والستين من العمر – يجسد ازدراء المؤسسة للمجتمع المدني.
ويستطيع عدد قليل من الأوروبيين أن يسموا رؤساء قواتهم المسلحة، لكن في تركيا الكل يعرف من هو بويوكانيت. وهذا أمر متوقع لأن القوات المسلحة التركية أطاحت بأربع حكومات منتخبة منذ عام 1960.
لقد تم تبرير الانقلابات على أنه تطور ضروري منع حدوث ما هو أسوأ في أوقات الأزمات السياسية، مع أن هناك اتفاقاً عاماً بأن انقلاب عام 1980 الذي كان على غرار انقلابات أمريكا اللاتينية، بحظره الشامل للنشاط السياسي، ألحق أضراراً دائمة بالتطور السياسي لتركيا.
ويقال إن “الانقلاب الإلكتروني” كان له تطوران غير متوقعين، أو على الأقل غير مقصودين، أحدهما زيادة التأييد لحزب العدالة والتنمية.
ويقول إحسان داجي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط الفنية “حقق الجيش ما أراد من الإنذار، وهو منع تعيين غول رئيسا”. ويضيف “لكنه حرك ردة الفعل الديمقراطية، ومن المؤكد أن هذا زاد من مكانة حزب العدالة والتنمية”.
وهو ثانياً، أضر بصدقية الحزب الديمقراطي الاجتماعي المعارض الذي بدا مؤيداً للإنذار. فهذا الحزب العلماني يتوافق جداً مع الجيش، حتى أنه أحياناً يمكن أن يبدو كجناح سياسي له.
وكما قال شاهين ألباي، وهو أكاديمي في إسطنبول، في مقالة صحافية نشرت أخيرا “أصبح (الحزب) متحدثاً رسمياً باسم البيروقراطية المدنية – العسكرية التي تظل تعتقد أن الشعب التركي ككل ليس ناضحاً بما يكفي للديمقراطية”.
وليس هناك أي شك في أن الجيش يملك مصلحة هائلة في نتيجة الانتخابات المقبلة، لأسباب سياسية وأيديولوجية وحتى تجارية. فمصالحه الاقتصادية الضخمة، من السيارات إلى التأمين، التي تملكها صناديق التقاعد التابعة للقوات المسلحة، تشكل ركيزة من ركائز التجارة العلمانية.
وهذا التسلسل المؤسسي المتحصن يواجه منافسة على رأس المال والموارد من بورجوازية الرواد الأناضولية التي تشكل صميم التأييد لحزب العدالة والتنمية.
لكن التهديد المنظور للعلمانية الذي يمثله حزب العدالة يكمن وراء الانقلاب الإلكتروني يوم 27 نيسان فقد أعلن الجنرال بويوكانيت قبل تلك المناسبة أن رئيس تركيا القادم يجب أن يكون علمانياً، ليس كلاماً، بل من حيث الجوهر.
ومن الواضح أنه وزملاءه شعروا بأن غول الذي ترتدي زوجته لباس الرأس الإسلامي، لا يمثل تلك المعايير. ومن المتوقع بعد الانتخابات أن يحاول البرلمان مرة أخرى اختيار رئيس جديد.
ولم يستبعد غول ترشيح نفسه.
والسؤال الذي يطرح نفسه في تلك المناسبة هو ما إذا كانت هيئة الأركان العامة سيكون لديها أي شيء تضيفه إلى بيانها في 27 نيسان وكما قال الأستاذ داجي “ربما يصبح الجيش قادرا على تعلم أنه عندما يتدخل في العملية السياسية يضر بقضيته”.
فايننشال تايمز 17/7/2007