( هنا دمشق ) من اللاذقية
بقلم: منذر مصري
دمشق .. ليست لي. إذا ذهبت إليها مرتين في السنة، أعتبرها سنة كبيسة، عادة أزورها في السنة مرة أو ولا مرة!؟ وربما، خلال حياتي كلها، يمكن تعداد زياراتي لدمشق، على أصابع اليدين.. والقدمين! أكثفها خلال مرض أمي ووفاتها، ثم مرض خالي ونجاته، السفر إلى دمشق، بالنسبة لأغلب السوريين القانطين، أقصد القاطنين في مدن وقرى المحافظات السورية، تضطرهم إليه الأمراض، وخاصة الخطير منها!؟.
دراستي الجامعية، كانت في حلب، الأقرب إلى قلبي من دمشق لهذا السبب وغيره، وبسبب أن جيل الثمانينات من شعرائها.. من الغاوين أتباعي، أو ربما أوهموني بذلك!؟ ولكن، رغم وجود القطارت السريعة والمريحة، لا شيء يضطرني لزيارتها. من أزورهم في دمشق هم أولئك الذين آثروها عن مدنهم وقراهم واستوطنوها. أنا لم أفعل، لم تدفعني حاجة، ولم يغويني شيء. ليس لهجر اللاذقية والعيش في دمشق لفترة تطول أو تقصر، باعتباري مشروع شاعر، أو مشروع رسام، أحتاج لفضاء أوسع كفضاء دمشق لأحقق هذا المشروع أو ذاك، بل حتى لمجرد الزيارة، أي السفر إلى دمشق من حين لآخر، وقضاء يومين أو ثلاثة لحضور مهرجان ما، أو أمسية شعرية أو معرض تشكيلي لأحد أصدقائي؟. عن المعارض التشكيلية، فخلال العشرة سنوات الأخيرة، حضرت لا أكثر من ثلاثة أو أربعة معارض، منها معرضين لنزار صابور ابن مدينتي، كنت من كتب تقديمهما، والمعرض الأول ليوسف عبدلكي الذي عاد بعد غياب طويل، أمّا معرضه الثاني فلم أذهب إليه رغم أنه أوسعني عتاباً. والأمسيات الشعرية التي حضرتها هي التي تصادف أنها كانت تقام خلال وجودي. أما عن نشاطي، الأدبي والفني، أنا بالذات في العاصمة، فقد أقمت في أواسط السبعينات معرضاً في المركز الثقافي العربي – أبو رمانة. وقرأت مرتين شعراً، بدعوتين من جهتين غير سوريتين، الأولى في المركز الثقافي الفرنسي، والثانية في مكتبة الأسد بتظاهرة الصالون الشعري الألماني السوري. التي أذكر أنه قبل دخولي القاعة للقراءة بدقائق، اتصل بي مسؤول من أحد فروع الأمن في اللاذقية، وقال لي: “أستاذ منذر أنت لست في اللاذقية!!؟؟ أين أنت؟”. فأجبت بشجاعة لم أكن أعهدها بي: “أنا في دمشق.. أقرأ شعري في مكتبة الأسد” المكتبة التي أعترف وأقرّ أني دخلتها ثلاث مرات في حياتي، الأولى بمناسبة أربعين صديقي بوعلي ياسين، والثانية بمناسبة مشاركتي الشعرية التي ذكرتها للتو، والثالثة، أول وآخر مرة أزور بها معرض الكتاب السنوي، حين توفر لي بعض الوقت وأنا أودِّع صديقاً كان يمرّ بدمشق في طريقه لأوروبا. كما لم أحضر في حياتي أي دورة لمهرجان دمشق المسرحي أو السينمائي، حضرت، نعم، في الماضي، بعض مسرحيات سعد الله ونوس، وبعض الأفلام في دمشق، أيام نادي السينما، ولكن، يوماً، لم أحضر مهرجاناً، والمضحك أني ما كنت ألوم المسؤولين عنه ليس عدم دعوتي يوماً لحضور عروضها، لأنهم لو فعلوا ربما سأجد أن حضور بعض الأفلام، وأخذ الصور مع هذا وذاك من الممثلين المصريين لا يستحق كل هذا العناء، بل كنت ألومهم لعدم اختياري، أنا المعروف باهتمامي وسعة معرفتي في السينما، لكوني سابقاً صاحب محل أشرطة فيديو، كما تعلمون!!؟؟ كعضو في لجان التحكيم!؟.
وحين جاء دور دمشق بعد الجزائر، حسب تسلسل الأحرف الأبجدية، لتكون عاصمة للثقافة العربية، تم الاتصال بي عدة مرات من أجل التحضير لنشاط ما، فأبديت استعدادي للمشاركة وقدمت عدداً من الاقتراحات،
ولكنّي أفهمت بعد ذلك أن الأمر لا أكثر من تصورات تم استبعادها، كما تم استبعاد الصديقين اللذين اتصلا بي، وكالعادة لم أدع لحفل الافتتاح، من أنت حتى تدعى، شاعر من الأقاليم!؟ ولكني عندما استفسرت من باب الفضول عمّ يضع هذا وذاك في قائمة المدعوين وأنا لا، تلقيت ثلاثة أجوبة لم أفهم منها شيئاً، الأول: “فوضى”. والثاني: “اسأل روحك”. والثالث: “منذر يا منذر .. أ هذا سؤال!؟”.
• نشر النص في صحيفة (بلدنا) السورية، مع بعض الفروقات