فيروز مطربة وحسب
بقلم: عصام خوري // خاص كلنا شركاء//
حملت العادة الشعبية في زمان القومية العربية أن يسخر أحدنا من الآخر حين يتعاظم المرء وشأنه، ورغبة في تقليل شأنه يصنف البعض بأنه “سيحرر فلسطين”.
حقيقة لم افهم هذا الجدل الهائل حول وجود المطربة نهاد حداد “فيروز” على الأراضي السورية. لم افهم لماذا يقدم البعض فيروز بهالة إلهية، وكزهرة سرمدية للسلطات السورية وفي هذا الوقت بالذات، ويستنكر آخرون غنائها في زمان تعتقل فيه السلطات السورية المثقفين السوريين.
لقد غنت فيروز على أرض معرض دمشق الدولي مرارا، وغنت على مسرح بصرى الأثري اكثر من مرة، وكان المعتقلون السوريون في المعتقلات، ولم يحرك احدهم ساكنا.
راعتني مبادرة الكترونية اعدها عدد من الشباب السوريين، يحملون فيها موقعا الكترونيا تحت عنوان رابطة اصدقاء فيروز، وتساءلت في قراره نفسي هل يحمل هؤلاء الشباب ترخيصا لهذا العمل، وكيف يسمح لهم تداول هذا الموضوع الثقافي بغياب رقابة امنية!!!. فسوريا واحدة من أكثر دول العالم حجبا لمعلومة المواقع الالكترونية الثقافية وتلك المعارضة لسياسة نظامها.
لتظهر بعدها سلسلة مقالات تكرم فيروز قبل قدومها، لم ينظر أي ناقد فني في محتوى مسرحية صح النوم التي تؤديها على مسرح دار الأوبيرا في دمشق، أو مستوى فيروز التمثيلي، ومستوى الفريق العامل معها…
باختصار المسرحية نجحت قبل ان تبدأ، والمسرحية اخذت موقفا سياسيا قبل ان تعرض، والسلطات السورية أشغلت الشارع السوري برمته بهذه المسرحية التي تعرض لثلاث مرات متوالية وبأسعار يحلم بها المواطن السوري البسيط “عشرة آلاف درجة اولى، ثمانية وخمسة آلاف درجة ثانية وثالثة، وألفين درجة رابعة” وعلى فكرة شغلت هذه المسرحية فكر المواطن السوري البسيط بصورة يغالي بها المرء.
حيث يخبروني أبو ماهر بقال حينا أن: “السلطات اللبنانية حجزت فيروز لاربع ساعات عند الحدود السورية اللبنانية، وكانت ستمنعها لولا تدخل نواب لبنانين بارزين، وبضغط هائل من سوريا”.
في حين اخبرني بائع الحمصيات مصطفى ايضا، بمعلومات شبه مؤكده : “فيروز ميتة لتجي بدها تخلص من حكاية التفجيرات في لبنان، وحق النبي ذكية، شعبنا بموت عليها”.
كل من مصطفى وابو ماهر وغيرهم من ابناء الشريحة العظمى في سوريا يعرفون مسرحية قدوم فيروز لدمشق ولا يعرفون أي من اسماء معتقلي الرأي في سوريا، أو أي من أركان إعلان دمشق المعتقلين في السجون.
ويشاركهم بالامر السيد وزير الثقافة ايضا الذي استغرب عديد من النقاد والكتاب استهجانه لسؤال “كيف تكون دمشق عاصمة ثقافة عربية وفيها معتقلي رأي؟ ” ورده المرتبك عن وجود محاكمات، وعدم معرفته بوجود معتقلين.
طبعا الآن تم تحويل معتقلي اعلان دمشق أخيرا لمحاكمة لكن في حين مقابلة قناة الجزيرة مع معاليه كان المعتقلين في غياهب سجون دون أي محاكمه دستورية او عسكرية او امن دولة…
دمشق اليوم إعلاميا هي عاصمة ثقافة عربية، وهذا أمر مشروع جدا لدمشق، فكل العالم العربي يتشارك ثقافة الاعتقال السياسي والحقوقي، وكل العالم العربي فقير ببناه التحتية الثقافية، وأغلب وزراء الثقافة العرب يتوازون في حدود فهمهم لقضايا بلدانهم العامة، وخاصة تلك المعنية بالشأن الداخلي.
سوريا اليوم والبارحة وغدا ستكون أفضل بكثير ثقافيا من مجتمع النوق والذقون التي تزينت عاصمته الرياض سابقا بعبارة عاصمة الثقافة العربية لا ادري بأي عام، وسوريا اليوم شعبا وثقافة ولغة أفضل بكثيرا من شعب الثقافة الفرنكوفونية في المغرب العربي، واليوم دمشق أفضل عاصمة في غياب التفجيرات الثقافية اليومية مقارنة مع بغداد وبيروت.
ودمشق اليوم عربية أكثر من مجتمع الثقافة المتعدد الإمارات العربية وقطر على الرغم من بنيتهما الثقافية التحتية المميزة.
سوريا بلد حقيقي لفيروز، ودمشق اكثر من عاصمة ثقافة عربية، رغم وصف ادونيس لها بأنها مدينة مغلقة على نفسها ومتكامل على نفسها، مدللا انه لن يجد فيها الابداع الذي يتوق له المثقف.
ولو استعرضنا اسماء عدد من المثقفين العرب لوجدنا أن السوريين منهم فقدوا القهم عندما عادوا اليها كالأديب “حنة مينة”… رغم بزوغ اسماء مهمة عربيا منها كالجواهري وعبد الرحمن منيف… الذين اتخذوا من دمشق منفى لهم، وهذا ان دل على شيء فإنه يدلل أن المثقف العربي ليكون مبدعا عليه هجران بلده، من اجل تلمس الحرية في قلمه، وهذا حال عديد من الكتاب العرب كأحلام مستغانمي ونوال السعداوي وادونيس وبرهان غليون ونزار قباني… من هنا نقول ان الثقافة العربية كمنهج نراها متكاملة في دمشق، ومن هنا يأتي خيار فيروز بأن تكون دمشق مكان لصح النوم.
فهل تصحى الثقافة العربية من نومها، أم أن دمشق ستبقى نوما جميلا لطوباوية الثقافة العربية. التي تدفعنا دائما لتذكار مقولة هل ستحرر فلسطين يوما.