من هدى الشعراوي إلى شيرين عبادي… قرن على النضال النسائي
من هدى الشعراوي إلى شيرين عبادي… قرن على النضال النسائي لأن حقوق المرأة هي حقوق إنسانية لا تتجزأ ولا تتبدل أينما حلت وترعرعت… أو خُنقت, تحمل وجهاً واحداً قد تختلف ملامحه وتتغيّر الأسماء التي ينادى بها, لكنه يبقى وجه النضال النسائي العربي والاسلامي منذ عشرات السنين, يختار الوقوف علناً مطالباً بحقوقه بعدما أدّى الواجبات الملقاة على عاتقه. لكنّ نصيب النساء كان السجن والضرب والإعتقال والقتل مع قليل من الحقوق الممنوحة… وكان دخول التاريخ عبر جائزة نوبل للسلام
هدى الشعراوي, فاطمة العبدلي, شيرين عبادي, حوما دارابي, أمة العليم السوسوة, هند هنادي, تهاني الجبالي, وصولاً الى نوال السعداوي… نساء مثقفات عربيات, أو مسلمات, كرّسن حياتهن لتحظى المرأة بشيء من الحرية التي كانت أساساً تتمتع بها في العصور السابقة ومنذ زمن بعيد: ألم يكن الخليفة عمر بن الخطّاب أول من عيّن امرأة قاضية في أثناء خلافته قبل قرون عدة؟
كل منهن ناضلت بالوسائل المتاحة لها ليكون “يوم المرأة العالمي” يوماً عربياً أيضاً, يتعدى الأرقام المخزية التي نشرها برنامج النمو في الأمم المتحدة العام 1998, والتي حددت أعلى نسبة للنساء العاملات العربيات في لبنان وهي 28 في المئة فقط, تليه اليمن (27 في المئة) وسورية (25 في المئة) والأردن (21 في المئة). أما في السياسة فالنواب والوزيرات قلة.
هل أنا حقاً ابنتك؟
هدى الشعراوي كانت أول امرأة تنزع حجابها في مصر محررة النساء كلهن من خناق تاريخي اشتدّ حول أعناقهن. فمثّلت المرأة المصرية في المحافل الدولية طوال ربع قرن. وقفت في وجه الأعراف الإجتماعية الضيقة منذ أن اكتشفت صغيرة الفرق الشاسع في التعامل بين الجنسين. فهي إبنة محمد سلطان باشا, رئيس أول مجلس نيابي في مصر. ولدت العام 1879 في مدينة المنيا المصرية, وتلقت تعليمها في المنزل حيث حفظت القرآن الكريم, وتعلمت القراءة والكتابة, في العربية والفرنسية والإنكليزية. وما لبثت أن شعرت بأن الثورة تنمو في داخلها بفعل التمييز الفاضح في التعامل بينها وبين شقيقها الأصغر, ما جعلها تعتقد أنها ابنة بالتبني سائلة أمها: “هل أنا حقاً ابنتك؟”.
زُوّجت في الثالثة عشرة من عمرها لابن عمها الذي يكبرها سنّاً, السياسي المعروف, علي الشعراوي, أحد قادة ثورة 1919. ولم يخفف وضعها الزوجي الجديد من نقمتها, لا بل شعرت هدى أن احتجاز النساء في منازلهن يسهم في خنق ذكائهن في المهد. لذا, بدأت تسعى لتبديل الوضع عبر حلقات من القراءة كانت تنظمها خارج المنزل, بمساعدة فرنسية متزوجة من مصري شاطرتها أفكارها الثورية, كما مواقف عميد الإصلاح في جامعة الأزهر الشيخ محمد عبده الذي دعا إلى استعادة حقوق المرأة تحت لواء الإسلام للوصول إلى التحرر والتعليم كوسيلة ملحّة لتطوير المجتمع المصري.
وأقنعت هدى إبنة الملك المصري فؤاد الأول بتخصيص قاعة عامة للمحاضرات النسائية والإجتماعية. ولم تثنها العقبات عن مواصلة جهودها, لا بل أسست العام 1901 أول مدرسة للفتيات حيث ركزت على المواد الأدبية… وليس الخياطة والطهو والتطريز. كما نظمت العام 1919 أول تظاهرة نسائية في التاريخ العربي, وكانت موجهة ضد الإحتلال البريطاني لمصر.
وطوّرت هدى ثورتها, إذ إنها قررت العام 1921 التخلي علناً عن حجابها بعد وفاة زوجها. فلم يكد يتوقف القطار الذي كان يعود بها إلى الوطن بعدما شاركت في محاضرة نسائية أوروبية, حتى نزلت أدراجه ونزعت حجابها وسط التصفيق النسائي الكثيف… والإدانة الإجتماعية الكبيرة, ما زادها عزماً على المضي في تحررها. فأسست في تلك السنة أيضاً الإتحاد النسائي المصري, مشددة على مطالبها في رفع سن الزواج للفتيات والشباب والحؤول دون طلاق الرجل السريع والسهل, إضافة الى محاربتها تعدد الزوجات وتأكيدها على تعليم المرأة وحقها في العمل السياسي.
ووضعت الشعراوي كتاب “مذكرات امرأة مصرية” الذي أحدث ضجة كبيرة بعدما ترجم إلى الإنكليزية, مسهماً في إطلاق الحركة النسائية التحررية في الشرق الأوسط. وبقيت هدى تحارب التزمّت الفكري والإجتماعي حتى آخر حياتها مطالبة بالحقوق النسائية, ومنظّمة إجتماعات مع نساء عربيات يتقن أيضاً إلى الحرية…
حومة العبدلي: “ليسقط الطغيان
ومن إيران برزت مناضلة ثانية لحقوق المرأة حازت جائزة نوبل للسلام العام 2003. شيرين عبادي, قاضية سابقة ومحامية راهنة ذاقت الأمرّين في حربها لانتزاع فتات حرية نسائية كانت سريعاً ما تنزع منها. ولدت العام 1947, ونالت شهادة في المحاماة من جامعة طهران. تزوجت في السبعينات وأنجبت ابنتين نشأتا على نضال والدتهما التي احتلت منصب رئيسة محكمة طهران المدنية بين العامين 1975 و1979 في عهد الشاه, قبل أن ترغم على الإستقالة من مسؤولياتها بعد اندلاع الثورة الإيرانية. فانسحبت من منصبها الرسمي وواصلت نضالها محامية للدفاع عن حقوق المرأة والطفل… لا سيما في ما يتعلق بقانون الميراث العائلي والطلاق وما يسمى “مال الدماء” (تنال المرأة نصف المبلغ الذي يناله الرجل لدى تعرضها للأذى).
وواصلت مسيرتها النضالية منشئة جمعية مساندة حقوق الطفل في إيران, وداعية المرأة للإشتراك في الانتخابات العام 1997 تشجيعاً للتيار المعتدل الذي لم يحل دون انتحار أستاذة علم النفس للأطفال في جامعة طهران الوطنية الدكتورة حومة العبدلي قبل 3 أعوام, حيث نزعت التشادور في أكثر شوارع طهران ازدحاماً, ورمت المادة الحارقة على جسمها قبل أن تضرم النار فيه صارخة “لتعش الحرية وليسقط الطغيان”.
ونالت شيرين تهديدات عدة اتهمتها بأسوأ النعوت من دون أن تردعها أو تخفف من عزيمتها… التي انفجرت غضباً العام 1999 في أعقاب سلسلة من الجرائم الغامضة طاولت مفكرين وأدباء ومعارضين إيرانيين. فحملت لواء الإدانة العلنية بعدما باتت محامية لزوجين مثقفين قتلتهما الإستخبارات الإيرانية. ولما جمّعت معلومات كافية لإدانة الأجهزة الرسمية, ألقي القبض عليها وسجنت ثلاثة أسابيع وحكمت بالسجن 5 أعوام مع وقف التنفيذ ومنعت من ممارسة مهنة المحاماة. وكانت أسوأ تجربة رعب لها, يوم قرأت اسمها على لائحة لوزارة الإستخبارات الإيرانية تضمنت “المطلوبين”… وغالبيتهم اغتيلوا. وبدأ نضالها يظهر إلى العلن بعدما قصدت الإشتراك في الندوات العالمية. فنالت جائزة “تورولف رافتو” في 2001, ومن ثم جائزة نوبل للسلام من بين 165 اسماً مرشحاً, بينهم البابا يوحنا بولس الثاني.
وباتت شيرين المرأة الحادية عشرة والإيرانية الأولى التي تنال هذه الجائزة “من أجل نضالها للحقوق الإنسانية”. فأسست مركزاً للدفاع عن هذه الحقوق في طهران, مستثمرة فيه مبلغ 3,1 مليون دولار أميركي (وهي قيمة النوبل). وازدادت التهديدات لحياتها خصوصاً أنها استلمت جائزتها مسفرة عن رأسها, وعادت إلى طهران مجدداً رافضة أي حماية أمنية. وبعدما بقيت 20 عاماً تتلقى الهجومات البرلمانية… النسائية لإسكاتها, استعان الإصلاحيون بأفكارها التحررية لتحسين أوضاع الطفل والمرأة, في عهد بدا واعداً للعمل النسائي الإيراني وظهر أنه انحسر بفعل الإنتخابات التشريعية الأخيرة.
الطريق الى القمّة
من المملكة العربية السعودية واليمن مناضلتان تميزتا في حياتهما الجريئة التي جعلتهما في المرتبة الأولى. السعودية هند هنادي (24 عاماً) التي جعلها والدها “المتحرر” تحقق حلمه في تعلّم قيادة الطائرات. فتركت مدينتها مكة المكرمة والتحقت بأكاديمية الطيران في الأردن, مع فتاتين أخريين و70 شاباً, مثيرة حنق والدتها المتشددة لأنها “سافرت من دون محرم وتعلمت قيادة الطائرات”. فيما السيارة ممنوعة على المرأة السعودية. شعرت بالخوف في البدء لأنها لم تتعلم اتخاذ القرارات وحيدة ومخاطبة الرجال وجهاً لوجه. وهي اليوم تشعر بقلق أكبر لأنها ستعود إلى وطنها حيث ينتظرها المجهول والبطالة في تخصصها. وفي اليمن, أمة العليم ألسوسوة, أول امرأة عربية وزيرة لحقوق الإنسان. دفعتها والدتها الأميّة إلى التحصيل العلمي كما فعل أشقاؤها. تابعت علومها في جامعة القاهرة ومن ثم في واشنطن في ميدان الإتصالات الدولية قبل أن تعود إلى وطنها حيث دخلت المجال الإعلامي فالديبلوسي ومن ثم السياسي حتى عيّنت وزيرة. فتلقت الرسائل من مواطنيها باسم “السيد الوزير” لأن أياً منهم لم يقتنع بأن امرأة تستطيع أن تكون وزيرة.
أما البلدان العربية الأخرى فبدأت تشهد عاصفة داخلية هادئة تنذر بتجاوز التقاليد. من مصر التي عيّنت تهاني الجبالي أول قاضية مصرية بعدما كانت أول امرأة عربية “عضواً” في اتحاد المحامين العرب منذ تأسيسه العام 1944, إلى النساء البحرينيّات والقطريات اللواتي مارسن لأول مرة حقهنّ الإنتخابي, فالعمانيتين الإثنتين اللتين اشتركتا في المجلس الإستشاري العماني, والمغربيات اللواتي فزن بـ35 مقعداً نيابياً, واليمنيّات اللواتي بتن قاضيات في بعض المحاكم إضافة إلى اللبنانيات والعراقيات والأردنيات اللواتي يعتبرن متقدمات على غيرهن في نيلهن حقوقهن المدنية…