هل ستجرؤ إسرائيل على مهاجمة إيران؟
تشير التقارير الصادرة عن العواصم الغربية إلى أن إمكانية شن إسرائيل هجوماً على منشآت إيران النووية عادت مرّةً جديدةً لتكون موضع توقعات في الدوائر الاستخباراتية والديبلوماسية كما كان الحال مرّاتٍ عديدةٍ في العام الماضي. ويكمن الخوف من أن تنتهز إسرائيل فرصة الأسابيع الأخيرة المتبقية من رئاسة بوش بغية شنّ هجوم على إيران.
وخلال خطابٍ موسّعٍ ألقاه الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جورج بوش الابن يوم الجمعة الماضي، تعهّد مجددا “بأن أميركا لن تسمح لإيران بأن تطوّر السلاح النووي”. إلا أن بوش الذي كان يلقي خطابه في “مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط”، وهو مؤسّسة فكرية موالية لإسرائيل في واشنطن، لم يكشف عن كيفية تحقيق ذلك.
ويرجّح بعض الديبلوماسيين الأوروبيين البارزين إمكانية حصول هجومٍ إسرائيلي على إيران في الأسابيع القليلة التي تسبق تسلّم الرئيس المنتخب باراك أوباما مهماته الرئاسية في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل. فمن وجهة نظرهم، مهما بلغت أهميّتها، قد ترغب إسرائيل في القضاء على الخطر الاستراتيجي المتأتي من إيران لتمهيد الطريق أمام التنازل عن الأراضي للسوريين في إطار عملية سلام يُعاد إحياؤها.
واستنادا إلى هؤلاء الديبلوماسيين، فإن حسابات إسرائيل تعتبر أنه في حال اقتصر هجومها على ضرب منشآت إيران النووية وتفادى ضرب البنية التحتية المدنية، قد يكون ردّ إيران محدود النطاق أيضا ولا يفسد بالتالي بشكلٍ كبيرٍ منظومة الشرق الأوسط المضطربة أصلاً.
وما عزّز التوقعات بإمكانية شنّ إسرائيل هجوماً على إيران هو التقديرات القائلة إن إيران أصبحت “على عتبة” القوة النووية أي أنها على وشك أن تصنع قنبلة نووية واحدة على الأقل بسرعة مقبولة في حال أرادت ذلك.
وخلال الشهر الماضي، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومقرّها فيينا، أن إيران أنتجت 630 كيلوغراماً من اليورانيوم المنخفض الخصوبة في منشأة ناتانز. وانطلاقا من هذا التقرير خلص الخبراء إلى أنه في حال تمّ تخصيب مخزون اليورانيوم إلى يورانيوم مخصص لصنع السلاح وفي حال بَرَعَ المهندسون الإيرانيون في تصميم رأسٍ حربيٍّ، وهما افتراضان بالغا الأهمية، فقد تتمكّن الجمهورية الإسلامية من امتلاك القدرة النووية خلال السنة التالية تقريبا.
وأعلنت إسرائيل مرارا، وهي التي تملك ما بين 200 و400 رأس حربي فضلا عن منظومات إطلاق برية وبحرية وجوية، أنها لن تسمح لأيّ جهةٍ كانت بتحدّي احتكارها القوة النووية على الصعيد الإقليمي.
وفي 4 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، نقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” عن قائد القوات الجوية الإسرائيلية الجنرال ايدو نيهوشتان قوله إنّ القوات الجوية الإسرائيلية تحضّر “مجموعة كبيرة من الخيارات” من أجل شنّ عملية ضد إيران. وأضاف أنّ كل ما يتطلبه شنّ مثل هذا الهجوم هو قرار سياسي. وبحسب الصحيفة، لا تتضمن “الخيارات” التي يتمّ تحضيرها، التنسيق مع الولايات المتحدة.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل ومناصريها من الأميركيين قلقون من هامش الوقت الذي يمكن أن تكسبه طهران نتيجة سياسة باراك أوباما القائمة على “الديبلوماسية المباشرة” لتحرز بالتالي تقدما في برنامجها النووي. وتعتبر هذه الجهات أن تقديم أوباما لإيران حوافز اقتصادية مقابل وقف برنامجها النووي والتهديد بفرض عقوبات أكثر شدّة في حال رفضت ذلك، غير كفيل بأن يمنع إيران من امتلاك القنبلة.
وأعلن أوباما في خلال برنامج “لقاء مع الصحافة” Meet the Press على شاشة “أن بي سي” يوم الأحد الماضي: “نحن على استعدادٍ للتكلم مع الإيرانيين مباشرة وإعطائهم خياراً واضحاً والسماح لهم في نهاية الأمر بأن يتخذوا قرارا بشأن الطريق التي يرغبون في سلوكها أكانت الطريق الصعبة أو السهلة”. ويبدو أنّ هذا التصريح الضبابي يهدف في الوقت نفسه إلى استدراج إيران إلى طاولة المحادثات من جهة وإلهاء الصقور المناصرين لإسرائيل لبعض الوقت.
وسارعت إيران إلى رفض مقاربة العصا والجزرة التي اقترحها أوباما. فأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي يوم الاثنين الماضي أنه “لا بدّ للسياسة الأميركية أن تتغيّر وتتحوّل إلى سياسة تفاعلية. فإذا كان موقف أميركا الجديد يقوم على إزالة المخاوف من أنشطة إيران النووية، فنحن مستعدون للقيام بذلك. إلا أننا ننتظر منهم أن يقرّوا بحقنا في امتلاك التكنولوجيا النووية… إيران لن تعلّق أبداً تخصيب اليورانيوم”.
وما أعلنه قشقاوي عن الحاجة إلى إجراء محادثات “تفاعلية” مع الولايات المتحدة واستعداد إيران لطمأنة العالم حول طموحاتها النووية هو تقريبا ما حثّ عليه رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي. وخلال مقابلة مع صحيفة “لوس أنجيلوس تايمز” في 6 كانون الأول، دعا البرادعي إلى إجراء “مساومة كبيرة” مع طهران بحيث يعترف الغرب بدور إيران في المنطقة ويمنحها “القوة والهيبة والنفوذ”، وهو أمر طالما تعطّشت للحصول عليه. إلا أن سياسة مماثلة هي بلا شك مرفوضة من قبل إسرائيل ومناصريها من الأميركيين وستتم مواجهتها بشدّة.
وتستمرّ المؤسّسات الفكرية البارزة الموالية لإسرائيل، على غرار معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في إطلاق سيلٍ من الدعاية ضد إيران. ولم يتردّد دنيس روس، أحد أعضاء المعهد البارزين والذي قيل أنه يطمح لتولي منصب كبير في إدارة أوباما، في تكرار المعزوفة القديمة نفسها بأن إيران تشكّل تهديدا لأميركا والعالم. وفي مقال نشرته مجلة “نيوزويك” في 4 كانون الأول، كتب روس: “أينما توجّهت في منطقة الشرق الأوسط اليوم، ترى أن إيران تهدّد المصالح الأميركية والنظام السياسي… تريد طهران بوضوح حيازة القنبلة لأهداف دفاعية وهجومية في الوقت نفسه…”.
ويبدو أن روس، الذي حظي بسجلٍ حافلٍ عندما كان مبعوث السلام لمنطقة الشرق الأوسط في عهد إدارة كلنتون، يريد أن يمنع أوباما من تليين الموقف الأميركي. وفي المقال الذي نشره في مجلة “نيوزويك” بعنوان “محادثات عسيرة مع طهران”، حثّ الولايات المتحدة على تعبئة الأوروبيين واليابانيين والصينيين والسعوديين من أجل إضعاف اقتصاد إيران. فكتب “ان ضرب الاقتصاد الايراني بشكل مباشر قد يجبر النظام على القيام بخيار”.
إن إحدى الإشارات الواضحة على القلق الدولي من نوايا إسرائيل تجاه إيران هي المقابلة الصريحة التي أُجريت مع زبيغنيو بريجنسكي وهو مستشار جيمي كارتر السابق للأمن القومي، في الصحيفة اليومية الإسرائيلية “هآرتس” في 8 كانون الأول، فقال: “نصيحتي إلى الحكومة الإسرائيلية هو ألا تنضمّ إلى هذه الحملة لشن اعتداء على إيران لأنني لا أظن أن أميركا ستهاجم إيران وفي حال فعلت ذلك ستكون العواقب وخيمة”.
وتابع بريجنسكي: “لن يكون الأمر مفيدا للعلاقات الأميركية – الإسرائيلية وسيولّد ذلك مشاعر الغضب تجاه إسرائيل، لا سيما أنها مشاعر سائدة بعد الحرب على العراق”. وكان يشير إلى الغضب الشديد الذي تملّك بعض المنتمين إلى وزارة الخارجية في واشنطن إزاء كيفية تمكّن إسرائيل وأصدقائها داخل إدارة بوش من دفع أميركا إلى شنّ حرب العراق الكارثية.
وحذّر بريجنسكي الإسرائيليين من أن الخيار العسكري ليس خيارا واقعيا بالنسبة إليهم، لأن إسرائيل برأيه إذا كانت قادرة على إلحاق الضّرر بالمنشآت النووية الإيرانية، إلا أنها في الوقت نفسه غير قادرة بمفردها على تدميرها. ولن يساهم أيّ هجوم سوى في تأخير برنامج إيران النووي وزيادة التطرف الإيراني. وتوجه إلى الإسرائيليين بالقول إن إسرائيل لن تستطيع أن تشنّ هجوماً فاعلاً ضد إيران من دون موافقة أميركية. وأضاف: “إذا ما نظر المرء إلى الخريطة، بإمكانه أن يفهم السبب”. إلا أنه شدّد على أن الخيار العسكري ليس الخيار الواقعي بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
لكن هذه ليست الرسالة التي يريد السياسيون والمسؤولون الأمنيون الإسرائيليون المتشددون سماعها. ويكمن الخطر في أن تدفعهم ملاحظات بريجنسكي إلى شن هجوم على ايران قبل أن يتسلّم أوباما مهماته عوضاً عن كبحهم.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط //نقلا عن جريدة الحياة//