الفكر الراديكالي الجهادي وإعاقات التنمية الاجتماعية
منسق مركز التنمية البيئية والاجتماعية
يعاني الشارع العربي والاسلامي من فراغ سياسي واجتماعي منقطع النظير، فعلى الرغم من اهتمام الشباب في الشأن السياسي بشكل غالب على غيرهم من الشريحة الشعبية لدول مجاورة،لكنهم يعيشون حالة تهميش اجتماعية وسياسية تمنعهم من المشاركة الحقّة في صياغة قرارهم، أو حتى المشاركة في نقاش المسئولين النافذين في اقرار السياسة العامة لبلدانهم. لذا جاء التحول العام للشباب نحو الاجنحة الاجتماعية التي استوعبت وضعهم وحاولت تغذية الشخصية القيادية عند بعضهم، مستغلة سلطة الدين وبعض الآيات التي تتبنى الفكر الإقصائي والتميزي لجماعة دينية دون اخرى، فنشطت الحركات الدينية بشكل عام وبمختلف الطوائف الدينية لتزرع شقاق اجتماعي يصعب حله، مما جعل عموم منطقة المينا منطقة نزاعات دينية واثنية بين افراد المجتمع الواحد، هذا الامر جعل من السلطات الامنية في هذه البلدان تغالي من نفاذها الاجتماعي مستغلة فكرة زرع الاستقرار الاجتماعي، والا سيكون المصير لاي بلد من هذه البلدان كمصير دولة العراق بعد انهيار الحكم الصدامي المستبد.
معوقات التنمية في الدول الوطنية في عموم منطقة المينا:
يتظافر في اقليم المينا معوقات متقاربة ولو بنسب مختلفة تبين وبوضوح مدى صعوبة الحالة الاجتماعية التي تحيط بالشباب العربي، ومن ابرز هذه المعوقات:
– الامية: لقد كافحت عموم الدول في اقليم المينا حالة الامية، لكنها وفي السنوات الاخيرة عانت من حالة رجوع مستفيضة، وهذا ناجم عن حالات التسرب المدرسية، وحاجة أهالي الطلبة لمساعدات ابناؤهم في ردم هوة الفقر عنهم، ولم تفلح كل حملات التوعية في تناقص هذا الامر، مما جعل هذا الامر هستيريا في عدد من الدول الفقيرة وخاصة مصر والعراق، فرغم غياب وجود ارقام احصائية دقيقة تدلل على هذه الظاهرة، لكن بامكان أي مراقب لشوارع العواصم والمدن الرئيسية، أن يرى أعدادا كبيرة من الاطفال نياما في الشوارع، وقسم أكبر منهمموزعين على الطرقات لهدف مسح الاحذية او مسح زجاج السيارات أو بيع الجرائد والمجلات…
– التخلف والفكر القبلي: لم يتطور المجتمع العربي بشكل كثيرا، ليتخلى عن بعض الأفكار القبلية التي تهدد كينونة الفكر المدني، واكبر تأكيد على هذا الامر هو عدم مشاركة المرأة فعليا في الحياة السياسية والاجتماعية العربية، حيث تغدو مشاركتها في بعض الدول كمشاركة صورية وحسب، هدفها الرئيسي تلميع صورة النظام، فحتى اليوم لم تتسلم أي إمرأة منصبا وزاريا نافذا ومركزيا في صياغة القرار السياسي للبلاد “كوزارة الداخلية، الخارجية، الدفاع، الامن”، وإنما كانت مشاركات المرأة في أرقى صورها في مناصب وزارية أدنى نفاذا في الحياة السياسية الرئيسية “كوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والثقافة”.
– الحكومات الدينية والثقافات التبشيرية: تنتشر العديد من الاحزاب الدينية في دول منطقة المينا، والكثير منها بات مهيمنا على القرار السياسي في البلاد، ولعل هيمنة حزب العدالة والتنمية التركي أكبر مؤشر على مدى نفاذ الحركات الدينية حتى على الدول علمانية الدستور، فما بالنا بالحكومات الدينية العربية اساسا، كالحكومة الوهابية في السعودية والتي تقوم بحملة تبشيرية كبيرة تطال في نشاطها عموم دول المينا بالاضافة للجمهوريات الاسلامية السوفيتية المستقلة حديثا، الامر ذاته نراه من قبل الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تسعى عبر مراكزها الثقافية المنتشرة في عموم العواصم الاسلامية إلى زرع روح الثورة الاسلامية الشيعية، فنرى عدد كبيرا من الحسينيات منتشرة في عدة قرى فقيرة، حيث توفر هذه الحسينيات قدرة خدمية كافية لتجميع جمهور طيب لها بين هذا البلد والاخر. أمر مشابه تماما نراه في الكنائس الانجيلية التبشيرية التي بادرت في الانتشار في اقليم المينا اواسط الثمانينات، زارعة خدمات تعليمية لكل الطوائف، والهدف البعيد لها هو خلق ثقافة تبشيرية مسيحية جديدة…
إن هذه المدارس والاحزاب الدينية استطاعت تجزئة المجتمعات المحلية إلى جماعات دينية متفاوته الآراء والتوجهات، وهذا الامر هو أمر شديد الخطورة، فالكثير من الاقليات الدينية والقومية باتت تتماسك مع بعضها خوفا على اندحار هويتها أمام الجماعة الاكبر، وبدورها الجماعة الاكبر لم تسعى إلى احتضان الاقليات تحت الراية الاكبر المدعوة الوطن، وبهذا الواقعتزايدت النزاعات الدينية والقومية في عديد من الدول( المسيحيين والمسلمين في الاسكندرية والصعيد المصري، اليزيدين والسنة في اليمن، الاكراد والعرب، الفرس والعرب الاحوازين…)
– ثقافة التسلح على حساب الإنماء: رغم الحاجة الملحة لعموم دول المينا للقيام بحملات اصلاح للدساتير والقوانين والتحديث العلمي وللمرافق الأساسية، نرى كل دول المينا تصرف جلّ ميزانياتها على التسلح، وهذا بحق يدعونا للتساؤل هل حكم على الشرق أن يكون مكان حروب تجار السلاح، فحتى الدول البعيدة عن محاور الصراع العربي الإسرائيلي، كدول مجلس التعاون الخليجي واليمن نراها من اكثر دول العالم شراء للسلاح، وهذا مرده للخوف الخليجي مما فكرة الخطر الفارسي على منطقة الخليج العربي، وبدورها ايران تعلي من امكانيات تسلحها خوفا من الهجمات الاسرائيلية الصاروخية والجوية على مفاعلاتها النووية، وبدورها اسرائيل تطالب بترسانات صاروخية تحميها من خطر الصواريخ السورية والايرانية التي قد تصيبها في حال نشوب حرب على اراضيها، الاتراك ايضا يتسلحون بشكل كبير فلديهم خصم متمركز في جبال قنديل شمالي اقليم كردستان العراق، وهو يريدون لتركيا أن تكون قوة اقليمية موازية لايران واسرائيل، المصريون ايضا يتسلحون رغم اتفاقية كامب ديفيد، والسودانيون يسعون للتسلح سواء من مليشيا المعارضة او القوات الحكومية، وجبهة البولساريو تدعمها الحكومة الجزائرية أمام السلاح المغاربي، إن عموم الامثلة سالفة الذكر تشعرنا ببعد القرار السياسي عن خطوات الإنماء.
– الفساد: يتفاوت الفساد بين دول منطقة المينا ولعل آخر التقارير الدولية “تقرير الامم المتحدة 2009” يبين المستوى المتدني لهذه الدول، وهذا بحق يرخي باثره على الثقافة العامة في البلاد، فتضيع ثقة المواطن بدولته، وهذا بحق أخطر الامراض الاجتماعية التي تمس الدولة، فعند وصول المواطن لمرحلة فقدان مواطنته، فبامكانه مستقبلا فقدان قيم وعادات مجتمعه الحميدة، والتمسك بقشورها فقط.
– ثقافة الحزب القائد: إن الكثير من الاحزاب الحاكمة في اقليم المينا تمارس حاله حكم طوباوية لشعوبها، تجعل طبيعة حكمها لا تختلف اساسا عن معايير الحكم الملكي، وهذا يلغي المشاركة السياسية ويزيد من معايير واداوات حالات القمع الاجتماعية، مما يقيد الحريات السياسية والاجتماعية والثقافية، فيؤدي لاستئثار الحكم بطبقة مقربة من الحزب الحاكم فقط،ويلغي بالتالي امكانيات التنوع السياسي وفوائدها في تنمية المجتمعات.
– السيطرة على الاعلام الحر: إن النظم الحاكمة عموما في منطقة المينا استطاعت تطويع الاعلام الرسمي عقودا لمؤازرة سياساتها العامة، لكن بروز الاعلام الخاص “الفضائيات، المدونات، المجلات الالكترونية” حول مفهوم الاعلام عن قوانينه الوضعية القديمة نحو قوانين اكثر عصرية، وهذا ما ادى لتنامي حركة فكرة جيدة نسبيا مع بدايات العام 2000، لكن عموم الانظمة تكاتفت لتحويل هذا الاعلام الخاص، إلى إعلام عامل وفق أجندات تتناسب وفق آراء دول متنافسة فينا بينها “فقناة العربية الفضائية باتت قناة داعمة للمحور السعودي المصري الاردني الاميركي، وقناة الجزيرة باتت قناة داعمة للتيار المقاوم للمشروع الاميركي في المنطقة”، اما بالنسبة للمواقع الالكترونية فالكثير من الدول باتت تتنافس فيما بينها على قدرة حجبها للمواقع الالكترونية حتى اصبحت دولا كتونس وليبيا وسوريا في مقدمة الدول التي تمارس حجبا للمواقع الالكترونية في العالم.
– تطويق مشاريع المجتمع المدني: إن مفهوم المجتمع المدني هو مفهوم مبهم بالنسبة للكثير من الحكومات، والكثير منهم يربطونه بمشاريع العمالة مع الخارج، رغم ان هذه الحكومات ترتبط بالكثير من الاتفاقيات ومشاريع التسوية مع الدول الغربية، وهذه الفلسفة ادت بحق إلى تغيب دور المجتمع المدني في مساعدة الحكومات المحلية على تطوير دولها، وللمفارقة كلما كانت سلطات الحكومات ضعيفة تناما دور المجتمع المدني وازدادت الخدمة الاجتماعية وتزايد شعور المواطنة، وأكبر مثال على هذا الامر “الدور الرائد للمجتمع المدني الفلسطيني واللبناني على اراضيهم في ظل غياب وجود سلطات ادارية واضحة”.
الفقر: يرجى الاستفادة من مادة “الفقر والارهاب”
بروز الفكر الراديكالي الجهادي واستقطاب الشباب:
إن مجمل العوامل سالفة الذكر تكاتفت لإضفاء صفة عامة على شخصية الشاب المقبل على الحياة، مفادها أنه عاجز على تحقيق أحلامه إلا في حال انتهج طريقين:
الاول: أن يصبح لصا أو مرتشيا أو عميلا، ليحقق جزء من احلامه.
الثاني: أن يتجه لله الذي قد يجنبه المعاصي فيدخل الجنة التي ستحميه في الآخرة.
لكن قسما جيدا من الفريق الثاني وجد في الفتاوى الجهادية ضالته، فالجهاد في سبيل الله وفق العرف الاسلامي ثوابه الجنة، وكانت عدة فتاوى جهادية تحول الفكر للشاب المسلم نحو فكر تكفيري، مما ادى لتنامي ظاهرة الحركات الجهادية التي تعمل على غرار تنظيم القاعدة “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، الجيش الاسلامي العراقي، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، غرباء الشام، جند الشام، جند الله الايرانية، حزب الله التركي”. يرجى قراءة مادة “الفتاوى الجهادية نحو تجيش الشباب الجهادي”.
اقتراح مشروع الإسلام هو الحل:
شرعية هذا المشروع بعيون الشباب: إن الكثير من الشباب باتوا يرون في هذه المشروع اولوية حقيقية تدفعهم للانخراط في الاحزاب الدينية والتنظيمات الاسلامية، والا ما هو تبرير هيمنة حركة حماس على غالبية قطاع غزة، وهيمنتها على غالبية المخيمات الفقيرة في مناطق الضفة الغربية “جنين، نابلس…، وهيمنة الحركات الجهادية التكفيرة “فتح الاسلام، جند الشام” على مناطق المخيمات الفلسطينية في لبنان “عين الحلوة ونهر البارد”، الامر ذاته نراه في هيمنة حزب الله اللبناني على الجنوب اللبناني بشكل شبه مطلق، والامر ذاته نراه في تنامي انخراط الشباب المصري لحركة الاخوان المسلمين التي باتت تهيمن على الشارع المصري، وتنامي انخراط الشباب العراقي للمليشيات الدينية، والتنظيمات التكفيرية المقاومة للمشروع الاميركي.
خطورة ابعاد هذا المشروع :
إن الفكر الجهادي الاسلامي، هو فكر اقصائي في بنائه العريض، لانه يقبل شرعا فتوى الشيخ اسامة بن لادن المدعوة “نظرية الولاء والبراء” والتي تطرح في بنيانها العريض مشروعية الحياة للمسلمين فقط، وفي هذا الامر نجد توجها وخطابا جديدا لعموم الجهاديين يطرح ضرورة قيام دولة اسلامية موحدة وحرة كالتي حققها الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، حيث يسجل على الخليفة عمر قيامه بأول عملية ترانسفير بشرية في العالم، حينما طرد اليهود والنصارى “المسيحيين” من منطقة الجزيرة العربية، لتصبح الجزيرة العربية ارضا اسلامية صرفة.هذا الامر نرى بوادره من خلال تهجير المسيحيين من شمالي العراق، والاعتداء على كنائسهم، كما نرى بعض بوادره في مناطق الصعيد في مصر، والامر نراه ايضا في الاعتداءات الاخيرة على المراكز المحمدية في اقليم لاهور الباكستاني. وفي المقابل نرى الجهات الاسرائيلية تقوم بحملات استفزازية لعموم المسلمين من اجل زيادة تعصبهم ومن ابرزها اعتداؤهم على اساسات الحرم القدسي “المسجد الاقصى”.
إن زيادة التعصب الديني في اقليم الشرق الاوسط جعل اليمين المتطرف في عموم الاديان هو الممسك الرئيسي في عصب القرار الشعبي والسياسي لكل الحكومات. وأكبر مثال على هذا الامر هو تنامي بناء المساجد والكنائس في في الدول علمانية الدساتير “سوريا، تركيا، العراق، كردستان العراق، مصر”، كما نراه في ضعف حزب العمال الاسرائيلي امام كل من حزبي اليكود وشاس.
الجهاديين وإعاقة مشاريع السلام:
النقد الفقهي لمشروع السلام:
إن الفكر اليميني المتطرف في عموم الاديان يرفض اساسا مشروعية السلام، لانه قائم على ثقافة الاقصاء، والانحياز التام لجماعته الفكرية، فكيف من الممكن أن يقبل حزب اليكود بقيادة نتنياهو مشروع قيام دولتين أن كانت عقيدة فكر حزبه قائمة على أحقية انتشار الشعب اليهودي على ارض ممتدة بين نهر النيل ونهر الفرات.
وكيف من الممكن لحركات اسلامية نافذه كحركة الاخوان المسلمين “حماس” أن ترضى باتفاقية سلمية مع دولة اسرائيل إن كانت عقيدة حزبها لا تعترف اساسا بقيام دولة اسرائيل.
الامر ذاته نراه بوضوح اكبر عندما نرى النقد الفقهي للدعاة السلفيين الجهاديين، مثل ابو قتادة الفلسطيني حيث صرح في احدى مقلاته “الحركات الإسلامية والتحالفات المعاصرة” أن: “التطور الأكبر خطورة على الحركات الإسلامية المعاصرة يكمن في انخراطها في تحالفات مع القوى غير المسلمة، ويعد هذا الامر بمثابة المصيبة”.
ومن هنا ندرك أن الكثير من المفكرين الجهاديين لديهم القناعة التامة بأنهم سينجحون في مبتغاهم بدون أيه تحالفات مع جهات غير مسلمة، خاصة وأن الله إلى جوارهم ويساند خطاهم، ويحارب الكفار “الغير مسلمين”.
من هذا المثال البسيط نستدرك أن خطر الحركات الجهادية وفكرها هو امتداد طبيعي لتنامي الفكر اليميني السلفي عند جميع الاديان، لذا ستكون جميع مبادرات السلام بمثابة مبادرات صورية وغير واقعية وفعلية لانها تستند على افكار قيادات بعيدة في آرائها عن أفكار ومطالب الشعوب التي تتنامى في تدينها يوما بعد يوم.
دور الدولة في قراءة معادلة خسارتها للطاقات الشابة:
إن عموم شعوب الشرق هي شعوب عاطفية، وتساق بأفكارها نحو فكرة رئيسية وهي فكرة الخلاص الابدي، باستثناء الطائفة الموسوية، لذا فإن زعماء الشرق عموما هم الزعماء الذين يستطيعون اللعب على عواطف شعوبها، وأكبر مثال على هذا الامر يتمثل في تنامي شعبية رئيس الحكومة التركي اردوغان الذي انسحب من مناظرته أمام الرئيس الاسرائيلي في مؤتمر دافوس، وتناقص شعبية رئيس الجامعة العربية عمرو موسى الذي اكمل المناظرة مستخدما عبارات قاسية بحق الوجود والممارسات الصهيونية ضد الفلسطينيين. إن شعوب الشرق تهوى الشخصيات التي تتخذ مواقفا قاسية وحازمة علنا، حتى وإن كانت فعليا على علاقة وطيدة مع الطرف الخصم، فتركيا تجري دوريا تدريبات عسكرية مع الإسرائيليين، وتحتضن في عاصمتها سفارة إسرائيلية لها دور رائد إقليما في مساعي السلام بين الجانب السوري-الإسرائيلي.
إن هذا المثال البسيط يدلنا على فكرة رئيسية بأن الحكومات في اقليم المينا قادرة بالفعل على امتصاص غضب شعوبها، لان شعوبها شعوب عاطفية، فيكفي أن يقدم أي رئيس على أي زيادة مالية على الرواتب حتى ترتفع اسهمه أمام شعبه، لكن هذا الشعور هو شعور آني وقد يستمر لعدة شهور، بينما يأتي شعور الانتماء إلى طائفة والتعصب لها كشعور مستمر ومكتسب شرعا، ولديه من الحوافز والدعائم الفكرية والبشرية ما يجعله الشعور العام في البلاد. لذا اتجهت الكثير من الحكومات نحو توجيه رجال الدين ليكونوا سندا حقيقيا لها، لهدف توجيه الشارع الديني ليكون رديفا لسياسات الحكومات، إلا أن لكل قاعدة شواذها، فحركات التمرد الدينية باتت تظهر للعلن وحتى في الدول ذات القبضة الامنية الحديدية كسوريا وتونس والسعودية، فتشكلت جماعات صغيرة سلفية أدت بأعمال تخريبية إلى زرع فوضى في الشارع المحلي، فتحول جزء من الانفاق العسكري نحو الانفاق الامني، الذي قابله تنوع في اساليب الحركات الجهادية السلفية، مما جعل هذه الحركات هما حقيقيا على حكوماتها.
الجهات الامنية تنظر دائما وفي كثير من الاحيان تدعي أنها ممسكة بزمام الامور، وتدرك تماما تحركات وتوجهات الجماعات السلفية، لكنها في حقيقة الامر عاجزة تماما عن ردع الشباب المتدين من لقاء شخصيات متزمته دينيا، خاصة وأن هذه الجماعات باتت تنوع من اساليب دعواتها ممتهنة كل وسائل الاعلام “المدونات، الرسائل، الاشرطة المدمجة، المواقع الالكترونية، الكتيبات، بعض البرامج الدينية في القنوات الفضائية، بالاضافة للمدارس الدينية المرخصة من قبل الحكومات، والجوامع والكتاتيب التعليمية داخلها…”.
وكون شعوبنا ذات طبيعة انفعالية وعفوية “كما في مثال اردوغان” فإن الدعاة الدينيين الجهاديين والسلفيين هم أكثر الجهات القادرة على تجيشهم ضمن جماعات قد تهدد امن المنطقة برمتها.
دور الجهات الدولية في قراءتها للخطر الجهادي السلفي:
1- الجهات الاوروبية:
يمثل القرب الجغرافي لاوروبا من منطقة المينا خطرا حقيقيا على المجتمعات الاوروبية، التي لم تعتد على هدر انفاقاتها المالية باتجاه مشاريع مكافحة الارهاب وزيادة الانفاق والتعاون الامني، لكن واقع الامر فرض عليها هذا الانفاق، فتحول محيط المنطقة الاورو-متوسطية إلى منطقة خوف وقلق من عدة محاور، ولعل ابرزها:
* تنامي الحركات الاسلامية في اوروبا: استطاع الاعلام الخاص والموجه ربط الظاهرة الاسلامية وتناميها بالظاهرة الارهابية، وهذا الامر أدى لدفاع الاوروبين على مشروع علمانية دولتهم، فطرحت عدة مشاريع على البرلمانات الاوروبية، ومن ابرزها حظر النقاب في الدوائر العامة، وهذا الامر ادى لتكاتف المسلمين الاوروبين مع المنظمات الاسلامية في البلدان الاسلامية، فازدادت تعصب المسلمين في اوروبا وان التزموا بالقوانين الجديدة.
* الهجرة والتضيق عليها: لا يخلو أي مؤتمر أوروبي من مناقشة قضية الهجرة الغير شرعية على بلدانهم، رغم شيخوخة الشعب الاوروبي وحاجته للعمالة، لكن المجتمعات الاوروبية تحتاج في هذه المرحلة إلى العمالة النوعية على اراضيها، كما تبحث من هذه العمالة على العمالة الغير مرتبطة بتنظيمات ارهابية كالتي نفذت تفجيرات مدريد.
* مشروع الشراكة الاورو-متوسطية: يدرك الأوروبيون الخطر القادم لهم من الجنوب، لذا يسعون عبر شراكتهم مع دول البحر المتوسط إلى فتح اسواق لهم، بالاضافة لخلق بنى استثمارية تجعل اراضي الجنوب أراضي عمالة وتصنيع للمتطلبات الاوروبية، وبهذه المبادرة يكون الاوروبيون قد اصطادوا عصفورين بحجر واحد.
الاول: “يتثمل بتقليل المهاجرين لأراضيهم”.
والثاني: “بناء استثمارت لهم واسواق جديدة لهم خارج حدودهم الاقليمية”.
ويعد مشروع الاتحاد من اجل المتوسط مشروع تكميلي للمشروع الام سالف الذكر.لكن عواقب هاذين المشروعين أنهما قد يتغاضيا عن بنود الشراكة المعنية بتطوير معايير حقوق الإنسان والحريات العامة مقابل المصالح الامنية والاقتصادية، وهذا بدوره قد ينعكس سلبا مستقبلا على الأوروبيين.
* مشاركة حلف الناتو في افغانستان: إن المشاركة الأوروبية للأميركيين في حلف الناتو يفرضها الالتزام الاخلاقي والامني للمعاهدات الدولية، لكن واقع التزام الأوروبيين بمشروع مكافحة الإرهاب فرض عليهم التدخل العسكري أكثر من تدخلهم لتطوير البنى التحتية المعدومة اساسا في دولة افغانستان، فجعل الأوروبيين أعداء واضحين للمسلمين الجهاديين، ما دفع العديد من المنظرين الجهاديين لتوعد الأوروبيين بتفجيرات تصيب اراضيهم، مالم يرحلوا عن ارض الاسلام والمسلمين.
* المساعدة في مشروع سلام الشرق الاوسط: يعد الأوروبيين العناصر الأكثر دفعا للمال لهدف السلام، ومع ذلك يظهرون بمظهر الأضعف دوليا في دفع عملية السلام، وذلك نتيجة استئثار الأميركيين في صياغة هذا القرار.
– الحرب الباردة بين الأميركيين والروس على المنطقة:
إن توزع مصالح الدولتين العظمتين في العالم فرض عليهما خيارات غريبة عن البعد الانساني والحضاري، فكلا الدولتين تسعيان لبيع اسلحتها لمناطق النزاع الاساسية في العالم، ومن ابرز هذه المناطق الشرق الاوسط، لذا فرض على الشرق الاوسط بدولة الثرية استمرار تسلحه إلى مدى غير منظور، وهذا ما نراه في كل التقارير العسكرية والجيو-استراتيجية، حتى ان عسكرة التسلح لكلا الدولتين امتدتا لتتوغلان بين عموم هذه الدول، فالروس يقيمون حاليا قاعدة بحرية وعسكرية لهم في البحر المتوسط، كما يساعدون الايرانيين في بناء مفاعلاتها النووية في منتطف آسيا، وسعوا مؤخرا إلى زيادة نفوذهم في قرقيزيا، أما الاميركين فهم يهيمنون على المناطق المشرفة على مصادر الطاقة الرئيسية في الخليج العربي وأذربيجان، ويبلغ انفاق كلا الدولتين على زرع قواعدهم العسكرية في مناطق مختلفة من العالم مليارات الدولارات، بينما لا تنفق ربع هذه المبالغ على مشاريع معنية حقيقة في مكافحة الارهاب وتطوير المجتمعات، وهذا يعني أن كلا الدولتين لا تفكران جديا في محاربة التنظيمات الدينية الرداكالية السلفية بحق، إنما تجد في محاربتها فكرة رئيسية هدفها الرئيسي، خلق حالة الخوف في العالم من الارهابيين، لهدف تدخل كلا الدولتين في شؤون كل الدول الضعيفة، التي ستمول من مالها الخاص التنظيمات العسكرية التي ترعاها كلا الدولتين لمحاربة التنظيمات الارهابية الناشطة على اراضيها.
الحلول:
إن مخاطر الحركات السلفية الجهادية والفكر الاقصائي عند عموم الاديان والقوميات، هي مخاطر كبيرة وستؤدي لمخاطر على الامن الانساني العالمي، وذلك لان منطقة المينا هي قلب العالم القديم وهي مركز الطاقة الرئيسي في العالم، بالإضافة إلى انها ستكون مصدر الطاقة البديلة الاول في العالم، لذا يتوجب على دول العالم كافة أن تضع في استراتيجيات حماية امنها القومي، فكرة أساسية وهي مكافحة التطرف بكل اشكالة، وهنا يتوجب على الكتاب والمفكرين وضع جلّ اهتمامهم في البحث عن آليات لتقارب الشعوب عبر تعزيز الفكر الإنساني الجامع لحضارات العالم، كما يتوجب تغذية الجيل الجديد عبر تدريسهم في المدارس بأفكار وقيم حقوق الإنسان ليغدو هذا الجيل جيلا قادرا على تغليب معايير الخير والمصلحة الإنسانية على المصالح المادية، التي لا تستفيد منها سوى قلة قليلة من البشر هم تجار السلاح والفئات التي تدعمهم وتحتوي أنشطتهم.
ETCC
Issam Khoury
coordinator
Mob: +963 933 3762 946
etccsy@hotmail.com
www.etccmena.com