ثقافة الإستدماء وسيناريوهات «مجزرة الغوطة»
الجزار لا يهتم بنوعية ضحيّته، لكنّه ومع نهاية كل يوم يُحصي كمية الخراف التي سلخ جلدها، كي يُحدد قيمة أجرته.
ورطة دمشق المذعورة
سقوط طرابلس وبغداد، كان سبباً لسقوط نظاميهما سريعاً، هذا الدرس فهمه النظام السوري، فكان لا بدّ له في ظلّ غياب الإجماع الشعبي عليه، أن يحوّل الحياة المدنية إلى حياة عسكرية تناسب ضباطه ومثقفيه، الذين هللوا ومجدوا لتمثالين “حذاء عسكري، وطلقة رصاص” في مدينة اللاذقية عبّر من خلالهما النظام عن احترامه للجندي السوري المقاتل!!…
نعم النظام السوري يحترم النار والقدم العسكرية أكثر من احترامه لشخص، وفكر الجندي المتمترس ليلاً نهاراً على الحواجز العسكرية مدافعاً عن قضية لا يستطيع نظامه حلّها من دمشق، لأنّ خيوطها مرسومة بين واشنطن والكرملين.
لقد علِق النظام في دمشق وحبَسَ معه شعبه، هي ورطة أم هو الواقع؟… ما يقوله الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله إنّها ورطة، وقد تدفعه للمشاركة هو شخصياً في المعركة إن اقتضى الأمر…
فشيخ المقاومة وخلال عدوان تموز 2006 السافر على لبنان، لم يخرج للإعلام بالكمّ والنوع الذي خرج به خلال الأزمة السورية، مما يدلل أنّه تورّط في الأزمة، إلى درجة أنّ النار باتت تهدد الضاحية وتهدد عيش اللبنانين البسطاء هناك، وتخيف سكان الطريق الجديدة من ردات فعل إنتقامية ضمن لوحة نزاع إقليمية “سنّية – شيعية”.
ورطة دفعت وزير الإتصالات اللبناني جبران باسيل للتحريض على منع دخول السوريين إلى لبنان، متجاهلاً تصريح رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن التزام لبنان بحقوق الإنسان، وما تفرضه من شروط لجوء، بينما لم يقدّم التيار المسيحي اللبناني أي مساعدة عينيّة للمسيحيين السوريين النازحين إلى لبنان. نعم الشعب السوري خائف، فلم يعد رصاص القناص يرعبه، بل بات يتحسس من الهواء إذا كان مجرثماً بالكيماوي أو من رائحة البارود…
الغوطة الشرقية
على مساحة جغرافية كبيرة جداً، حلّ الرعب على بشر نائمين، وقُتل منهم ما قتل، والبعض تساءل عن السبب، وكيف جاءت نتيجة هذه المذبحة الجماعية، الإستنتاجات الأولية طرحت السيناريوهات التالية:
– المعارضة المسلحة هي من نفّذت العملية: هو خيار بات بعض الموالين يرددونه، بحجة “أنّ النظام لا يمكن أن يُقدم على هكذا جريمة، في ظلّ وجود بعثة التحقيق الدولية داخل مدينة دمشق”، ولكن هل من الممكن أن تقتل المعارضة أهلها؟… طبعاً هذا خيار من الصعب تصديقه، ليس بسبب نزاهة المعارضة، لكن بسبب غياب الإمكانات اللوجستية لتنفيذ هكذا عملية على كل هذه الرقعة الجغرافية الواسعة.
– النظام إرتكب هذه المجزرة: متحدث بإسم الجيش السوري أعلن أنّهم لم يقدموا على هذه الفعلة إطلاقاً، كما خرج أكثر من محلل على قناة “الدنيا” و”سما” الفضائيتين المواليتين، متحدثين أنّ الجيش السوري يقوم دائماً بعمليات نوعية تستهدف فقط مكان الجماعات الإرهابية…
– إسرائيل هي من نفذت العملية من الجو: والهدف توريط نظام الأسد أمام عيون اللجنة الدولية القابعة في فندق “الفورسيزن”، ولكن هل من الممكن أن تُقدم اسرائيل على هذه الفعلة في دمشق من دون أن تكون قد استخدمت الكيماوي في قطاع غزة سابقاً، أو حتى في عدوانها على لبنان عام 2006؟… نعم إسرائيل لم تفعل هذه الفعلة مع أعدائها الميدانيين، فكيف تفعلها ضمن نزاع يرتقي إلى الحرب الأهلية؟
اليوم أصبح الإنسان السوري رقماً في سلة الإعلام الإحصائي والحقوقي، وهذا هو شعور كل المواطنين السوريين، فعند وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد، أُعلن الحداد الرسمي في الشوارع السورية، وجنّد الإعلام نفسه ليظهر مكارم الراحل في ما يُسمى “الحركة التصحيحية”.
وأقيمت خيم العزاء في كل أرجاء البلاد تحت إشراف قيادات حزب “البعث العربي الإشتراكي”، كما تسابق التجار وضباط الأمن للترويج للحل الوحيد المتمثل بخليفة الراحل…
جاء الخليفة ضمن مشروع أطلق عليه “مسيرة التحديث والتطوير”، واستمر بالحكم حتى دمّر كل ما عمّر في مشروع “الحركة التصحيحية”… فهو يحارب الإرهاب والمؤامرة الكونية…إنّ فعل النظام هذه الجريمة فهو عاجز عسكرياً، ويسعى لأن يبتعد أشواطاً عن أي حلول سلمية في “جنيف2”.
وإذا كان طرف ثالث “غير طرفي النزاع العسكري” قد فعلها، فهذا دليل آخر على فشل النظام في حماية شعبه. والفاشل لا يحق له أن يُسمّي نفسه ملكاً عظيماً إلّا على حاشيته المؤمنة به، لذا عليه عزل الشعب عن قصره وخدمه، كي لا يسخر منه أحد، أو أن يبيدهم.