عودة إلى صفقة عقود الخلوي في سورية
حضرت المؤتمر والندوة على أمل أن اسمع جديدا يعيد للمواطن بعضا من حقوقه المسلوبة، لكنني فوجئت بداية بغياب وسائل الإعلام العربية والعالمية، حيث اقتصر تمثيل وسائل الإعلام على ممثلي الصحافة المحلية والتلفزيون السوري. أما الحضور فيكاد يقتصر على موظفي شركتي سيريتل وأريبا.
وكانت المفاجأة الأكبر عندما قدم السيد الوزير لائحة بالتخفيضات التي اقل ما يقال فيها إنها تخفيضات هامشية أو أنها تخص فئة صغيرة من المشتركين.
أما مبلغ الـ 200 ليرة سوري المخفض من الرسوم الشهرية فكان تخفيضاً وهمياً حيث ألغيت مقابله الدقائق الخمسون المجانية الممنوحة سابقاً لكافة المشتركين.
وعلى هذا يمكن القول ان هذا المؤتمر شكل استهانة فاضحة بعقول الناس ولم يكن أكثر من محاولة بائسة لتجميل صورة الشركتين.
لقد أثارت عقود الخلوي قبيل وبعد توقيعها في 12/2/2001 جدلا واسعا وحاداً في اوساط المواطنين وفي مجلس الشعب، وكان جليا تواطؤ الحكومة ممثلة بوزير المواصلات والمؤسسة العام للاتصالات مع الشركتين المتعاقدتين مما اتاح تمرير عقود احتكارية ومجحفة بحق الشعب السوري. والآن وبعد مضي أكثر من خمس سنوات على بدء تنفيذ العقود بات من الواضح أن الظلم الذي لحق بالشعب السوري كان أكبر بكثير حتى من التوقعات الأكثر تشاؤماً في تلك الفترة، ولولا التعتيم الكامل وغياب الشفافية على مجمل نشاط الشركتين المشغلتين حتى الآن لكان بالامكان إطلاع الشعب السوري على هول ما تعرض له من نهب منظم من خلال الطريقة التي لزمت فيها تلك العقود.
بتاريخ 14/8/2001 قمت بنشر دراسة تفصيلية بينت فيها فداحة الظلم الذي تعرض له الشعب السوري قدرت فيها الأرباح الغير مشروعة التي تحصل عليها الشركتان بمائتي مليار ليرة سورية على مدى 15 عاماُ (مدة العقود) والتي أكدت الأيام أنها أعلى من ذلك المبلغ بكثير والتي يتوقع أن تزيد على 500 مليار عند انتهاء مدة التعاقد كما سنبين أدناه:
لم تكتف الحكومة بما قدمته من تنازلات على حساب خزينة الدولة عند توقيع العقود فتمادت في تقديم المزيد من التنازلات. وفي هذه المقالة سأكتفي بتسليط الضوء على ما جنته الشركتان من أرباح إضافية تحققت نتيجة منح الحكومة لها ثلاث ميزات إضافية بعد توقيع العقود.
أولاً: ارتفاع متوسط عدد المشتركين:
بين السيد الوزير أن عدد المشتركين الحالي يتجاوز 3.5 مليون للشركتين. واعترف بأن تكاليف التخابر الخلوي في سورية أعلى منها في أمريكا مثلاً، وأكد أن تكاليف التشغيل تنخفض بشكل عام كلما زاد عدد المشتركين في الشبكة.
إن ما ورد على لسان السيد الوزير هو علمي ومنطقي ومعروف لدى الجميع، ولكن يبدو أنه لا ينطبق على الشركتين المدللتين المشغلتين في سورية.
نذكر السيد الوزير بأن احتساب الأرباح والخسائر في الجدوى الاقتصادية المقدمة في عام 2001 من الشركتين إلى مؤسسة الاتصالات، بهدف الحصول على العقود، اعتمد على اعتبار أن متوسط عدد المشتركين هو مليون مشترك خلال فترة التعاقد (خمسة عشر سنة) لأن إجمالي عدد المشتركين يجب أن لا يتخطى 1.7 مليون في نهاية فترة التعاقد أي عام 2016، أي 850 ألف مشترك لكل شركة.
خلافاً لشروط التعاقد، تجاهلت الحكومة تجاوز الشركتين لعدد المشتركين المتعاقد عليه وهو 850 ألف لكل شركة. ويبينّ الواقع أن عدد المشتركين وصل حتى الآن (بعد مضي ثلث مدة التعاقد فقط) إلى 3.5 مليون مشترك وأنه سيزداد بشكل حاد حيث يتوقع أن يزيد عدد المشتركين في عام 2016 (سنة انتهاء مدة العقود) عن سبع ملاين مشترك. وبذلك يرتفع المتوسط السنوي إلى خمسة ملايين مشترك على الأقل. وإذا اعتمدنا الأرباح المقدرة في الجدوى الاقتصادية والبالغة 123 مليار عن تقديرات مليون خط بالمتوسط، فإن الأرباح سترتفع إلى خمسة اضعاف لتصل الى 615 مليار ليرة سورية يقتطع منها 20 في المائة ضريبة دخل لتبقى للشركتين ارباح صافية تبلغ 492 مليار ليرة سورية.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما وضحه السيد الوزير من انخفاض تكاليف التشغيل لدى ازدياد عدد المشتركين في الشبكة، فإنه من المنطقي أن تحقق الشركتان أرباحاً إضافية أخرى من انخفاض تكاليف التشغيل. ويجب أن لا يغيب عن الذهن ان ما نعتمده من أرقام مأخوذ مما قدمته الشركتان بغية الحصول على العقود والذي غالباً ما يكون أقل من الواقع.
ثانياً: تخفيض أجور الدارات:
تعتبر أجور الدارات والترددات التي يتوجب على الشركتين دفعها لخزينة الدولة احد أهم بنود تكاليف التشغيل ويتركز القسم الأعظم منها في أجور دارات الـ E1 والتي يحتاج تشغيل كل مليون خط (مشترك) إلى 1690 دارة. ويتبين من قائمة أسعار الدارات المعمول بها عند دراسة الجدوى الاقتصادية أن رسم دارة الـ E1 هي سبعون ألف ليرة سوري شهرياً. وحرصا من الحكومة ومؤسسة الاتصالات على منح أرباح إضافية للشركتين بعد توقيع العقود، قامت بعد يومين فقط من توقيع العقود، أي في 14/2/2001 بعقد اجتماع مجلس إدارة مؤسسة الاتصالات ليقرر الموافقة على إجراء حسومات كبيرة على أجور الدارات. وكان نصيب الدارة الأهم E1 التخفيض من سبعين ألف ليرة سورية شهرياً إلى ثلاثين ألف فقط. وبحساب مجمل التخفيضات التي أعفيت منها الشركتين من أجور الدارات فقط لكامل مدة العقد لمتوسط مليون مشترك نصل الى مبلغ 12 مليار ليرة سورية. ومع ارتفاع المتوسط إلى 5 مليون مشترك يصل الربح الإضافي للشركتين إلى 60 مليار ليرة سورية.
ثالثاً: تخفيض نسبة الضريبة من 63 في المائة الى 20 في المائة:
في دراسة الجدوى الاقتصادية المذكورة أعلاه تم تقدير ربح الشركتين قبل حساب الضريبة ولكامل مدة العقود (15 سنة) بمبلغ 123.591 مليار ليرة سورية يقتطع منها 63 في المائة ضريبة دخل أي 77.8 مليار ليرة سورية ليصبح صافي الأرباح المتوقعة للشركتين 45 مليار ليرة سورية .. إن توزيع هذه الأرباح المتوقعة على الشركتين ثم على عدد سنوات العقد يوحي بأن أرباح الشركتين طبيعية حيث لا يزيد ربح الشركة الواحدة في العام عن 1.5 مليار ليرة سورية.
بعد توقيع العقود وعند بدء الشركتين بالإعلان عن تحقيق أرباح، خفضت وزارة المالية الضريبة إلى 20 في المائة بدلأً من 63 في المائة مما يعني أنه تم تحويل 43 في المائة من الأرباح القائمة لتقتطع من حساب الضريبة وتضاف إلى الأرباح الصافية للشركتين، أي أنه تم إهداء مبلغ 53.144 مليار ليرة سورية عن كل مليون مشترك وإذا اعتمدنا الرقم المتوقع لمتوسط عدد المشتركين خلال فترة العقد أي 5 مليون مشترك تصل الأرباح الصافية المقدرة إلى 492 مليار ليرة سورية (123-5-80 في المائة) عند انتهاء مدة العقد. وبذلك يرتفع الربح الصافي المتوقع لكل شركة سنوياً من 1.5 الى 8.833 مليار ليرة سورية.
ان كل هذه المليارات من الأرباح الإضافية التي قدمت للشركتين على طبق من ذهب وعلى حساب الشعب السوري لم تحرك أي وازع من ضمير لديهما لتتنازل عن قسم من هذه الأرباح للمشتركين التي تعاني غالبيتهم العظمى من شظف العيش، مستغلة احتكارها لهذه الخدمة التي باتت من ضرورات الحياة، فرضخوا لعقود الإذعان التي فرضتها الحكومة والشركتين المحتكرتين لقطاع الخليوي في سورية.
ان كل الدراسات الجادة تبين انه من المفترض ان لا يزيد سعر دقيقة التخابر عن 2.5 ليرة سورية وان يتم إلغاء كامل الرسوم الشهرية انسجاما مع متوسط الدخل المنخفض في سورية وتكاليف التشغيل المنخفضة نتيجة الاحتكار والميزات التفضيلية للشركتين، بالإضافة إلى انخفاض أجور العاملين في سورية مقارنة بالدول الأخرى.
ان التخفيض المقترح سوف يمكن شريحة كبيرة من المواطنين الأكثر فقرا من العمال والفلاحين والطلاب وأصحاب الدخل المحدود الاستفادة من هذه الخدمة التي يمكن أن تساعدهم في أعمالهم وحياتهم اليومية، حيث ان هذه الخدمة لم تعد ترفا يحتكره الأغنياء بل وسيلة للتطور والارتقاء نحو الأفضل لكل شرائح المجتمع.
__________
* نائب سوري سابق ومعتقل سياسي سابق – دمشق //أخبار الشرق – 12 تموز/ يوليو 2006