بناء الشخصية الإرهابية
“ما نعرفه عن المتطرفين السابقين في المملكة المتحدة يظهر عدم وجود سمات مشتركة نمطية ثابتة للمساعدة في تحديد من يمكن أن يكون معرّضا لأن يصبح متطرفا. والأشخاص الأربعة المعنيون هم ثلاثة من المواطنين البريطانيين من الجيل الثاني الذين ينحدر آباؤهم من أصول باكستانية وواحد ينحدر أبواه من جامايكا. كامل بورغاس الذي أدين في مؤامرة ريسين، فشل في الحصول على حق اللجوء السياسي في الجزائر، وريتشارد ريد الذي أخفق في تفجير الحذاء “القنبلة” أمه إنجليزية وأبوه من جامايكا. … وقد حصل البعض على مستوى جيد من التعليم، في حين حصل البعض على قدر أقل من التعليم. والبعض فقراء حقاً، في حين أن البعض الآخر أقل فقرا. والبعض اندمج جيدا على ما يبدو في المملكة المتحدة، ولكن البعض الآخر لم يفعل ذلك. ومعظمهم عزاب، ولكن البعض متزوجون ولهم أولاد. والبعض من المتقيدين في الماضي بالقوانين، ولكن للآخرين تاريخاً في ارتكاب الجرائم البسيطة”.
وقد انطوت جميع أجزاء هذا التقرير الجدير بالملاحظة على إحساس بالإحباط بسبب الفشل في التوصل إلى تحديد سمات مشتركة ثابتة بين شخصية الأفراد الذين تم تجنيدهم في حملة القاعدة العالمية للإرهاب والتخريب.
سمات الشخصية الإرهابية:
إن تحليل سمات الشخصية الإرهابية وبنائها لهو أمر شديد التعقيد، فالشخصيات التي تتبنى الإرهاب كممارسة هي قلة في كل المجتمعات، صحيح أن التفاوت في وجودها بين مجتمع وآخر، لهو أمر ناجم عن تنامي العوامل المحركة والمحفزة سواء عبر التعبئة الدينية أو السياسية في هذا المجتمع أو ذاك، لكن هذه القلة في العدد تطرح نتيجة هامة، وهي أن المجتمعات لا يمكن أن تكون وليدة الفكر الإرهابي، إنما الإرهابي هو وليد شذوذ في المجتمع، فالإرهابي هو شواذ عن المجتمع.
الشذوذ نحو الإرهاب:
عندما نفترض وجود سمات ثابتة لدى جميع الإرهابيين، فإننا نصبح عاجزين عن رؤية العوامل والقوى التي تشكل وتدعم نشوء وتطور الإرهابي. ومن العواقب الأخرى أننا نحجب الأساس الذي قد تتطور عنه إستراتيجية عملية مقاومة للإرهاب، على نحو أكبر لمنع الانخراط أو ضبط عدد الأشخاص الذين ينخرطون في بداية الأمر في الإرهاب. فمن الصفات الأساسية المميزة المرتبطة بتطور المرء إلى إرهابي، ما يلي:
* 1- الطبيعة التدرجية لسلسلة العمليات المتصلة بالتهيئة للمشاركة في النشاطات الإرهابية.
* 2- شعور بخصائص داعمة مرتبطة بالتجنيد (مثلا عوامل “الجذب” أو المغريات التي تجذب الناس إما للانخراط في الإرهاب بصورة عامة، أو المغريات الإيجابية التي تستخدم لتهيئة الأعضاء الجدد المحتملين).
3- الشعور بالانتقال من دور إلى آخر (مثلا الانتقال من نشاط هامشي كالمشاركة في المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية إلى سلوك غير قانوني مركز – أي بمعنى آخر الانتقال من دور لآخر).
4- شعور بأهمية خصائص الدور (مثلا ما هي العوامل التي تغري المرء بأن يصبح قناصاً بدل أن يصبح مفجرا انتحاريا؟
الخطوات نحو الإرهاب:
حدد جون هورغان ” عالم نفس سياسي إيرلندي” في كتاب ” الابتعاد عن الإرهاب” مجموعة لما وصفته بالعوامل المسبقة التي تجعل المرء مهيئاً للانخراط في الإرهاب. وتشتمل هذه العوامل ما يلي، دون التأكيد على ترتيبها:
* * 1- التجارب الشخصية في مجال الاضطهاد (الحقيقية أو المتصورة).
* * 2- توقعات تتعلق بالانخراط (مثلا المغريات كالإثارة والرسالة وإحساس بأن لحياة المرء هدفا).
* * 3- المشاركة في النشاطات والتأهل للانضمام إلى المجموعة عن طريق الأصدقاء أو الأسرة، أو النشوء في بيئة معينة.
* * 4- فرصة للتعبير عن رغبة بالانضمام والخطوات المتخذة نحو الانخراط.
* * 5- مدخل أو وسيلة إلى الوصول إلى الجماعة ذات الصلة.
لا بد من التأكيد على أن أياً من هذه العوامل لن يساعد بمفرده في توضيح سبب تحول الناس إلى إرهابيين، إلا أنها تقدم عند أخذها مجتمعة إطارا عاما قويا لفهم سبب انخراط شخص ما بالإرهاب وعدم إقدام شخص آخر على ذلك.
لكن ومن خلال رصدنا لتحول بعض الشخصيات العربية نحو الإرهاب، بإمكاننا إدراك أن أغلب البنود التي تحدث عنها هورغان هي عوامل واقعية وملموسة، لكن ما يغيب عنها الحديث عن التمويل المادي وتسييسه. فتحول شخصيات من حركة فتح الانتفاضة المعروفة بأنها حركة يسارية في لبنان نحو حركتي جند الشام وفتح الإسلام، لهو أمر ناجم عن فشل هذه الشخصيات في إيجاد تنظيم فاعل وحقيقي وغني يتماشى مع تطلعات تنظيماتهم القديمة، هذا الأمر دفع هذه الشخصيات المدربة والمثقفة مثل “شاكر العبسي” للتحول من اليسار نحو أقصى اليمين المتطرف “السلفية الجهادية” بعد أن وفرت له هذه السلفية بنية مادية خصبة استطاع من خلالها تسليح أتباعه وتدريبهم بالعلوم العسكرية التي تعلمها، وكانت نتيجتها الواضحة في معركة نهر البارد وتفجيرات دمشق الأخيرة.
إلا أن الشخصيات البسيطة التي ستتوجه نحو هذه الحركات الإرهابية ستجد في آراء هورغان حقيقة لنشاطها.
فأي راغب في الانضمام لتنظيم إرهابي أو سلفي سيدخل من إطار فكري ضيق وهو (انبهاره بالنور الجهادي الذي يحمله هذا التنظيم “سواء أكان سياسي أو ديني”)، ورغبته بأن تكون عنصرا فاعلا في المجتمع.
وبما أن كل المجتمعات في كل دول العالم هي مجتمعات مادية بامتياز، ومفهوم المادية في المجتمع يرفض ويلفظ من لا يتماشي معه، فإن هذه الشخصيات ستتحول نحو الحركات الروحية مثل المؤسسات الدينية او الأحزاب المتطرفة التي ترفض مفهوم هيمنة المادية على المجتمع أو هيمنة كتلة سياسية واحدة على مادية المجتمع.
ومن خلال الاندماج المتواضع للفرد في التنظيم الإرهابي، فإن هذا الشخص سيلمس الحاجة لرسالة هذه الجماعة، وسيعزز من قناعته بهذه الرسالة مجموعة من قيادات هذا التنظيم الذين يقدمون له أمثلة جاهزة عن مدى الاضطهاد وتعنيف المجتمع الدولي برسالتهم السامية، ونضالهم الطويل والمحسوس للحفاظ على هذه الرسالة.
يتبع هذه المرحلة سلسلة من الأسئلة التي تشكل حالة عصف ذهني عند الراغب في الانضمام لهذا التنظيم، منها:
ما مكانتك في الحياة؟، كيف ترغب أن تعيش؟، كيف تحب أن ينظر لك الآخرين؟، هل أنت راضي عن العالم وعن مجتمعك؟، أنت مدهش لكن مقيد؟، حرر نفسك؟… هذا التنظيم يقدرك؟ وكل الأخوة فيه يحبونك؟… حافظ على نفسك؟
بعد مرحلة العصف الذهني يختار الراغب طريقين:
– الأول: إما المشاركة البسيطة في الاجتماعات. وأحيانا قد يكون الأمر سلبي بحيث يتجنب الراغب أية لقاءات مع عناصر هذا التنظيم، تمهيدا للهروب منه.
– الثاني: ويتمثل بالقناعة التامة بضرورة الإسهام مع عناصر الفريق.
في حالة الخيار الثاني فإن قيادات التنظيم تقوم على حضن العنصر الراغب في الانضمام، ولكنها لا تكثر عليه في الحقوق والواجبات، انما تريه مدى التزامها هي بالرسالة، وحرصها الدائم على السلوك السري، لهدف اتعاظه هو منها. طبعا يتخلل هذه الفترة مجموعة من النشاطات وخاصة تلك الاجتماعية مثل “الدروس أو المحاضرات الدينية أو السياسية، جمع التبرعات، التبشير بين جيل الشباب…”
مع مرور الوقت تأتي المرحلة الهامة، وهي مرحلة اختيار المنصب، وهذا يتم بعد عدة نقاشات بين القيادات والعضو نفسه، ويتكرر هنا سؤال العصف الذهني الدائم عند العضو نفسه “أين أنا من الجماعة؟”.
طبعا يتحدد منصب العضو من مدى اندفاعه ليكون أكثر فاعلية في الجماعة، وقبل قيامه بمهمات جهادية إرهابية واضحة يختبر العضو باختبارات لا يرغبها هو حقيقة، لكن تنفيذها إنما يدلل على مدى التزامه بقرار الجماعة والتنظيم، واحترامه للقيادة .
من هذه المرحلة يمكننا اعتماد العنصر الجديد مؤهلا، لتبني العقيدة الإرهابية، وهنا يتدرج في منصبه، من خلال نجاحاته في تنفيذ المهمات، وقد يصل لمرتبة أمير في الجماعات التكفيرية الإسلامية أو رئيس حزب سياسي.