حوار بين مسلمين ويهود عبر موسيقى السفارديم في عاصمة ألمانيا برلين
مزيج بديع بين عناصر ثقافية موسيقية يهودية إسلامية مشتركة
جاء في الأثر، أن الموسيقى هي اللغة الأم للإنسانية، بل أنها اللغة الوحيدة التي لا تحتاج إلى كلمات، أو كما قال الشاعر الألماني إرنست تيودور: “عندما تصمت اللغة تبدأ الموسيقى”. إنها آلية لتجاوز الحدود. ولا تخرج موسيقى السفارديم هي الأخرى عن هذه القاعدة، فهي مزيج بديع بين عناصر الثقافة اليهودية والإسلامية.
وفي هذا السياق نظم المتحف اليهودي في برلين، أمسية موسيقية جمعت بين المغنية التركية اليهودية هاداس بال ياردنHadass Pal Yarden والمغني الجزائري الألماني مومو دجاندر Momo Djender.
تضم ألمانيا -كبلد للهجرة- العديد من الأقليات والثقافات. وتقدر الاحصاءات الرسمية أن 20 في المئة من السكان في ألمانيا ينحدرون من أصول مهاجرة. إنها وضعية ليست سهلة، خاصة في ظل مناخ جيو سياسي متأزم، غالبا ما ينعكس على مجتمع الاستقبال.
وفي هذا الإطار ترى كيلي كوغلمان Cilly Kugelmann المشرفة على التنظيم في المتحف اليهودي في برلين، أنه “في كل مجتمعات الهجرة، لا يكون التواصل بين الأقليات الإثنينة متينا. وأحيانا يصل الأمر إلى حد الصراع”.
انطلاقا من هذه الخلفية، أقدم المتحف اليهودي في العاصمة الألمانية على تأسيس منتدى للحوار اليهودي الإسلامي، وعن هذه المبادرة تضيف كوغلمان قائلة: “عندما فكرنا، قبل سنتين، في توسيع برنامج فعالياتنا، اتفقنا على الانكباب على محورين مهمين. يهتم الأول بتبعات الهجرة في ألمانيا، في حين يتعلق الثاني، بتأسيس منتدى للنقاش بين اليهود والمسلمين، يركز على قضايا عميقة تتقاطع فيها القضايا الفلسفية واللاهوتية للوقوف على القضايا المشتركة والمتقاطعة بين الديانتين”.
الرأي نفسه تتقاسمه معها رفيقة يونس Rafika Younes، الشابة المسلمة والباحثة في الأكاديمية التابعة للمتحف اليهودي، حيث تقول: “يتجلى الهدف من جهة، في خلق أرضية مشتركة بين اليهود والمسلمين للتعارف وتبادل الأراء في أفق تمتين التشبيك وإعطاء دفعة جديدة لدعم التعاون بيننا في المستقبل، وتعزيز تعددية المجتمع وتنوع الثقافات من جهة أخرى”.
فصل الدين عن السياسة لتسهيل التعايش
هل من السهل إيجاد طريق مشترك، خاصة وأن الصراع في الشرق الأوسط يلقي بظلاله على التعايش المشترك بين اليهود والمسلمين في ألمانيا؟ تحاول ياسمين شومان Yasemin Shooman المشرفة على برنامج الهجرة والتعددة بأكاديمية المتحف اليهودي، الإجابة على هذا السؤال من خلال قولها: “أعتقد أنه من الضروري أن نضع الصراع في الشرق الأوسط على جانب وأن نركز على المواضيع التي تهم اليهود والمسلمين في ألمانيا بشكل مشترك، وذلك من أجل كسب الثقة بيننا وبعدها ننكب على القضايا الشائكة”.
أما رفيقة فتشيد بعدد من الفعاليات، خاصة في برلين والتي تبذل مجهودا “استثنائيا للتخفيف من الاستياء السائد لدى الجالية اليهودية والمسلمة في ألمانيا“. وفي هذا السياق تضيف قائلة: “هناك العديد من المبادرات إبان الحرب في غزة التي عملت على تقوية هذا الشعور، محاولة فصل الدين عن السياسة. ومن جهتنا نعمل على تعزيز هذا الاتجاه من أجل تعايش مشترك وسلمي بين الطرفين”.
الجدل حول الختان كأرضية مشتركة
لقد وضع المنتدى هدفا أساسيا له، يتجلى في البحث عن القضايا المشتركة بين المسلمين واليهود في ألمانيا، أو كما تقول ياسمين شومان: “من أجل إيجاد أجوبة على الأسئلة المتعلقة بالعيش المشترك بين الطرفين. ويبقى أحد الأسئلة المعلقة، ذلك الخاص بالجدل الذي واكب عملية الختان في ألمانيا، قبل سنتين، عندما ارتفعت أصوات تنادي بتجريم الختان، أو القيام به في مستشفيات فقط. ولقد أظهرت هذه القضية أنه بالإمكان التنسيق بشكل مشترك لتحقيق ما تراه الجاليتين اليهودية والمسلمة في ألمانيا ضروريا لهما، بحسب كيلي كوغلمان.
لقد انطلق هذا التعاون من أجل البحث عن لغة مشتركة. وفي هذا السياق تأتي أهمية هذه الفعالية الموسيقية التي تعتبر الأولى من نوعها. مبادرة يرى فيها الموسيقي الجزائري مومو دجاندر أهمية بالغة، أو كما يقول: “لا ينبغي لنا أن نكتفي بالنظر إلى النصف الفارغ من الكأس فقط. يجب أن يكون المرء إيجابيا في حياته. فبدل تضييع الوقت في البحث عما يفرق بين اليهود والمسلمين، لا بد في نظري من تركيز على البحث عما يجمعنا والأمور التي نتشترك فيها”.
محمد مسعاد – برلين
(المصدر: قنطرة)