رقمي فقراء سوريا
لطالما عرفت سوريا ببراعة تجارها، ولطالما حكم التجار ببراعتهم كرسي السلطة على مر العصور وإن لم يعتلوه في اغلب الأحيان.
لكن وزارة التموين السورية المشهود لقطاعها الوظيفي براعة التسلط على أغلب متاجر تجار الطبقة الوسطى، كشرت عن أنيابها هذا العام وقالت لا للغلاء… نعم لقد انتفضت وزارة التموين بصيغ عصرية هذا العام فخصصت رقمي (119-120) لشكيا المواطنين المتضررين من الأسعار.
ومع اتصالنا معهم للاستيضاح حول سبب غلاء الأسعار في أسواق الهال، وفي المحال الشعبية في محافظة اللاذقية . يأتينا الرد لطيفا من قبل الموظف المسؤول عن استقبال الشكوى، حيث بين لنا كشوف الأسعار الأسبوعية التي تصدرها وزارة التموين، فعلى سبيل المثال يوم 21/9/2007 في هذه الكشوف لمحافظة اللاذقية:
كيلو البطاطا يتراوح بين ثلاثة أسعار: (40 ليرة سورية) الممتازة، (32 ليرة سورية) المبردة، (37ليرة سورية) العادية.
كيلو الليمون الماير 18 ليرة سورية .
كيلو الليمون البلدي 36ليرة سورية.
لكن من جراء متابعتنا الميدانية للوائح الأسعار ضمن سوق الهال الرئيسي نجد أن سعر الكيلو غرام الواحد يباع من قبل الفلاح لمادة (الليمون الماير) كمثال وهو (منتج محلي) 12ليرة سورية. مما يستدعي أن نستدرك أن مربح التاجر يعادل 6 ليرات سورية موزعة بين التاجر الرئيسي والتاجر المفرق، أي ما يعادل نسبة 50% من قيمة المنتج.
ولو تمعنا في كلفة إنتاج هذه المادة على الفلاح نرى إنها تكلف وسطيا ما بين صناديق وإيجار قطاف وإيجار نقل وأسمدة وري مياه… ما لا يقل عن قيمة تسع ليرات سورية أي أن إجمالي مربح الفلاح الذي ينتظر هذا الموسم طيلة عام كامل هو ثلاث ليرات سورية لا غير. في حين يتقاسم تاجران (عاملان على أراضي الجمهورية العربية السورية ولديها ترخيص لمزاولة العمل من قبل وزارة التموين السورية) وخلال مدة لا تتجاوز اليوم الواحد مبلغ وقدره 6ليرات سورية.
وبما أن المجتمع السوري مجتمع زراعي بامتياز “69% من الفئة العاملة فلاحين” حسب المكتب المركزي لمديرية الإحصاء السورية، فإن فئة التجار تنتهك مرابح هذه الطبقة بصيغ قانونية ودون التلاعب بأي من الأسعار.
وفي مثال آخر نجد سعر كيلو البطاطا الممتاز في الجمهورية العربية الشقيقة لبنان 45ليرة سورية، وهو سعر يقارب سعر مبيع الأسواق السورية رغم أن سوريا بلد منتج ومصدر للبطاطا، في حين يستورد لبنان البطاطا، كما أن النظام الاقتصادي السوري مدعم وفق البعد الاشتراكي الذي لطالما تغنى به مدرسوا مادة القومية في مدارسنا وجامعاتنا، في حين النظام الاقتصادي في لبنان هو نظام رأسمالي منفتح السوق. كما أن متوسط دخل الفرد اللبناني رغم كل الأزمات المنيطة بديمقراطيته التوافقية يعادل أربعة أضعاف متوسط دخل المواطن السوري.
ومن هذا العرض نستدرك أن إشكالية غلاء الأسعار الحالية، ليست نتيجة طمع التجار وإنما ناجمة عن غياب الدعم الحكومي للمنتج الغذائي للمواطن، وغياب وجود سياسة اقتصادية حكيمة.
فبدل التوافق التام بين وزارة التموين ووزارة الاتصالات ووزارة الإعلام لتنظيم برنامج أرقام الشكاوى (119-120) كان من الأجدى لهذه الوزارة كتوجه سديد. أن تتدارس الواقع الاقتصادي ما بين كل من وزارة المالية والاقتصاد واتحاد غرف التجارة في المحافظات من أجل تحقيق شعار لطالما تردد على شاشات التلفاز السوري بمختلف قنواته “رمضان كريم”.
فحتى هذا اليوم وفي كل عام رمضان بخيل على أبناء الطبقة الوسطى والفقيرة في سوريا، وهو حقيقة دائما كريم على تجارها.