الأكراد وحق تقرير المصير
تتوالى الأيام يوما بعد آخر والعقلية الكردية في تزمت منقطع النظير نحو تحقيق دولة قومية تجمع عموم الشعب الكردي، مبينة مدى العصبية القومية التي تربط بين فئات هذا النسيج المشتت بين عدد من الدول لعل أبرزها (إيران، تركيا، العراق، سوريا).
ليس غريبا أبدا أن نشاهد تنامي ظاهرة القومية في دولة أو بين جماعة بشرية تقطن دولة، لكن الغريب عند الكرد في الدول سالفة الذكر هو تشتت قرارهم في اتخاذ أسلوب انتهاج الحصول على دولة موحدة تربط مصيرهم بعضهم البعض.
فالكل يناضل بطريقته التي تسيء للآخر، مما يبين أن المجتمع الكردي مازال يعيش عقلية الابتعاد عن الريف والعودة له، وبصيغة أخرى قد يكون المدني منهم مشرذم بين أعرافه العشائرية وزعاماته الحزبية أو المدنية الجديدة التي تمارس في صوتها مفهوم أنا أرفع صوتي أكثر فتعالوا التفوا حولي بدلا من ذاك…
لا يحق لي توصيف جميع الأكراد في الدول سالفة الذكر لعدم معرفتي بهم جميعا، لكن إقامتي بين السوريين منهم مدة تتجاوز العامين والنصف جعلتني أتلمس حماسة شبابهم واندفاع قياداتهم، وعشوائية تعاطيهم في المظاهرات وتنظيمهم العالي في بعضها، ودور الأحزاب وتنافسها على احتكار الشارع الكردي بدل توصيل آراء الشعب الكردي للسلطات السورية.
العشائر الكردية في الجمهورية العربية السورية:
يتمركز الكرد في سوريا في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا وفي الشمال الشرقي من محافظة حلب في منطقة عفرين والقرى المجاورة لها، ويعد القوميين الأكراد هذه الأراضي جزأ من كردستان الكبرى، ويتوجب عليهم النضال من أجل تحقيق حلمهم الكبير من خلال تحقيق حق المصير بتعايش جميع الكرد تحت لواء علم دولة واحدة، لكن تحت لواء أي حزب هذا ما لم يتفقوا عليه حتى اليوم؟.
فغالبية الكرد السوريين منتمين للعشائر التالية أسماؤهم في سوريا:
(عليكان، هسنان، دوركان، عربيان”وهي جيلكان- ديوانا- باسقلا- خليلان… وغيرهم”، آباسان، أوحركان، زروارا، شيخ بزنان، سيدا، دومانان، مسلمان، علوا، كوجرا “وهي فرعان. الأول: ميران وعمردلا وكزكا…والثاني شلد وباتيا وموسى رشا وخيركا وكجا وطي.
هفيركان، قلنك شمخالك، جلكزي، باولي، هارونان، دل ممكي، زاخراني، حسنا، حيدرا، ملان، كيكا، كابارا، بيدارا، همكي، بدرخان، دفورا، اومريان، شيتية، هاوركيه، ملافي خضر، بينار علي، الميرسينية، بوبلان، كاسكا، جوهري، برزنجي، جزيري، جوبرا، زخراني، بوتكي، عسفاتا، كيتكان، البرازي، شيخان، ملنان “الملية”، اشيكي، كوجرا…) “المصدر عصام خوري دراسة ميدانية عام 2005”.
يكنون أغلب الولاء للزعيم الكردي مسعود البرزاني وريث الأسرة الدينية التاريخية في مناطق كرد العراق (المنطقة الشمالية من العراق “كردستان العراق”) وأغلب أحزابهم في سوريا منذ بداياتها جاءت امتداد لتجربة ونشاط البرزانين في العراق، وحتى ضمن التيار العلماني الكردي تشاهد الاحترام والتقدير للبرزاني، ولمعة العيون الفرحة بالتذكر لماضي أسرته تجاه الكرد.
إلا أن الكرد القومين في السوريين لا يكنوا أي تحقير أو إساءة للزعيم الكردي المنافس للأسرة البرازية “الرئيس الحالي جلال الطالباني. لا بل على العكس يجدون فيه رمز للسياسي المناور لقاء مصالح الكرد، فالطالباني يحج أحيانا عند السوريين ويذوب في ديارهم، وفجأة تراه في حضن الأتراك ومرات يقبل الرئيس العراقي المعدوم صدام حسين، أو يحج عند حكومة الخامنئي وورثته في إيران، ويتكلم العربية بطلاقة ويشعر الجميع الآن بأنه نجح في تسيد الأكراد على العراق، بعد سقوطها في يد الأميركان…
من هذا التوصيف نجد أن الكرد السوريين يحبون فكرة الانتصار، سواء أكانت من زعامة تقليدية أو من زعامة أنجح سياسيا، رغم أن الحواجز بين منطقتي حزبي هذان الزعيمان لم تزل إلا قبل عام مضى، والدماء بين مريدي كل منهما لم تهدأ خلال عقود مضت!!…
كلا الحزبين وفر إمكانية التعليم المجاني للطلبة الكرد السوريين في الجامعات، وفي ظل ارتفاع اسعار الجامعات الخاصة في سوريا، وغياب التعليم الجامعي الرسمي عن مناطق الجزيرة السورية، هذا بالاضافة لارتفاع معدلات القبول الجامعية السورية. ففضل الكثير من أهالي الطلبة إرسال اولادهم نحو مدينتي السليمانية وأربيل لتحصيل الشهادات الجامعية من حكومة كردستان العراق.
مما بين تأصل شديد ورابط متين بين الطلبة المتخرجين وأقاربهم الكرد في العراق. فساهم هذا الأمر في ترسيخ الفكر القومي الكردي، عند الفئات المتعلمة عند الكرد السوريين، التي تحظى بتقدير شديد من قبل الكرد الريفيين.
ويلاحظ عند الكرد السوريين النهم للعلم والسرعة في تلقي المعلومة سواء اكانت مغلوطة أو صحيحة، والتقدير العالي للمدرسين، والخوف الشديد من انتقادات المدرسين لاهاليهم بحجة ضعف ابنائهم، مما يبين التوجة الكبير نحو العلم، وهو أمر ساهمت به الأحزاب الكردية الثلاث عشر السرية الفاعلة في سوريا.
طبعا ميزت حركة النضال الكردية المنطلقة من الأراضي السورية نحو التركية عبر حزب pkk بثوار يتجاوز تعدادهم 7-8 ألاف مقاتل أغلبهم من سوريا، قبل اعتقال عبد الله أوجلان “حسب ديفد مكدول، في كتاب تاريخ الأكراد الحديث”.
في ترسيخ هوية النضال الكردي خاصة بين بقايا الشباب الهارب من تركيا والمستوطن في سوريا “والذي مثل في جزأ منهم ظاهرة المكتومين والأجانب في سوريا” التي تتنامى مشاكلهم داخل النسيج السوري والمواطنة السورية.
هذا الواقع العام في مناطق تواجد الأكراد القوميين في سوريا، مما يجعلنا نوصف هذا الواقع، بأنه واقع بعيد عن التخديم والتعاطي الإنمائي الرسمي السوري سواء للأكراد أو العرب أو الآثوريين “كلدان، سريان، آشوريين” أو الأرمن المقيمين في ذات المناطق تاريخياً، مما جعل المنطقة في ظل تخلف علمي وغياب حركة ثقافية فاعلة توثر في النسيج العشائري أو الريفي المتوطن في المدن والبلديات.
حق تقرير المصير:
هل تستطيع اي جماعة بشرية تحقيق مصيرها ورسم تفاصيل بنوده، وهي مجزأة ومفتته بين اسس العشائرية والمفاهيم الحزبية التي تتبدل بتبدل دول القرار في العالم. هذا هو حال الأكراد في جميع الدول سالفة الذكر وبشكل خاص في سوريا.
ولعل الإشكالية البالغة في سوريا، هو وجود قوميات معاصرة لفترة تواجد الأكراد إن لم تكن أعرق منها تاريخيا داخل الأراضي السورية.
فالحركة الآثورية تطالب بتحقيق مصيرها في مناطق انتشارها تاريخيا بين ماردين والمناطق الجنوبية الشرقية من تركيا وامتدادها في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا. مما يبين عمق إشكالية تحقيق أحقية التعامل مع واقع حق تقرير المصير للجماعات البشرية المختلفة المتعايشة بمضدد في الجزيرة السورية.
وأكبر مثال على ذلك تراه من خلال ركوب أبناء الطائفة المسيحية شركة “إيزلا وزالين تورز، والرافدين تورز” للنقل الطرقي، وركوب المواطنين الأكراد شركة “دجلة تورز، وقامشلي تورز” في حين يتناوب أبناء العشائر العربية الركوب بينهما حسب الموقف السياسي، وإن كانوا ميالين حالياً للآثورين والأرمن بدافع عدم الانفصال عن دولة عربية، وبحكم تلوث اليد الكردي بدم الأرمن والسريان والكلدان أثناء مجازر الارمن.
وفي لقاء واسع مع أطياف كردية حزبية سورية، نشاهد تأكيد هذه الكتل الحزبية على ضرورة تحقيق الديموقراطية في دولة الكرد الحلم.
لكن مفهوم الديموقراطية هو مفهوم جدلي وتتمايز فيه المجتمعات المتخلفة عن تلك المتطورة، وقد تكون الديكتاتورية أسؤ شرا من الديموقراطية إن تمكنت في مجتمعات رعوية أو عشائرية أو طائفية، فكيف إن كانت في الجزيرة السورية التي تمتاز بالنزعة الدينية المتشددة والعرقية المخيفة والعشائرية المدهشة…
في نسيج غني بالطوائف والعرقيات.
طبعا تطالب الكثير من شعوب العالم بالديموقراطية، في ظن أنها إن مثلتها سياسيا ستنتهي كافة الإشكاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وستربو مجتمعاتها نحو توافق مجتمعي يحقق الاستقرار السياسي في ظل التنامي لهياكل المؤسسات القائمة على القيادة الرشيدة “الحكم الرشيد”.
طبعا تحقق ذلك هو من المسلمات التي لا رجوع عنها في المجتمعات المهيأة شعبيا واجتماعيا للتغير، وأي تجاوز في بنية تكوين هذه المجتمعات المهيأة سيؤدي لتغير في أسس الديموقراطية.
وكمثال المجتمع اللبناني المفتت نتيجة الحرب الأهلية بين طوائفه لم يستطع تحقيق ديموقراطية واضحة المعالم، وإن كانت أفضل إعلاميا مع جميع دول الجوار لها، بل سعى سياسيو لبنان لتحقيق ديموقراطية داخل الكتل التابعة لزعامات الحرب الأهلية المتمثلة بالطوائف ذاتها، مما استدعى تسميتها بالديموقراطية التوافقية، وتقوم هذه الديموقراطية على مراعاة دستور يدعى الطائف وهو دستور مبني على توافقات طائفية عجيبة.
واذا تمعنا بالكتل الحزبية الرئيسية في ما يدعى كردستان، لوجدنا أن كل من حزبي البرزاني والطالباني حزبان يصفان حزب PKK بأنه حركة ارهابية في ظل حكومة التوافق العراقية التي يرأسها عراقيا الطالباني، ويسود فيها على اقليم كردستان العراق سياديا البرزاني، والتساؤل الهام من اين لحزب PKKكل هذا السلاح وامكانية التدريب التي تجعله شوكة في حلق الحكومة التركية الجديدة…
مما لا ريب فيه أن كل من الحزبين الحاكمين في كردستان العراق يمولان المجاهدين في ال PKK لتحقيق مشروع أضخم من كلا الحزبين، والتساؤل البالغ الأهمية في حال تحقق هذا المشروع كيف سيكون وضع الكرد توافقيا؟
فهل من الممكن أن تخلق دولة قومية جديدة في المنطقة، محققة ربط مصير الأحزاب الكردية المتنازعة على السلطة، وفي ظل تخلف علمي وآكاديمي واضح وممتد من ديار بكر شمالا حتى إربيل جنوبا وعين عرب غربا، وكيف ستتعاطى الحكومات المستهدفة في هذا المشروع مع إعلاناتها السابقة عن مشاريعها القومية السالفة الذكر… فمازال الأتراك الطورانيون وخاصة العسكر منهم يحلمون بدولة القومية الأتاتوركية التي تجمع بين أفراد القومية التركمانية من كركوك وجنوبي أرمينا وشمالي غربي ايران وشمالي غربي سوريا. كما أن الأحزاب العربية القومية “كحزب البعث العربي الاشتراكي” أو الحزب الاقليمي “الحزب القومي الاجتماعي” والعشائر العربية المنتشرة في هذه البلدان تحلم بتحقيق القومية العربية أو دولة عشائرية، كما تم الحديث سابقاً عن دولة شمرية إلى جانب الدولة الكردية من قبل زعيم عشيرة شمر في سوريا.
كل هذه المعايير ستطرح أسئلة قبل الخوض في الدخول لنفق حرب أهلية ستشهدها أراضي كردستان، إن نجحت مساعي الولايات المتحدة في تزكية مشروع كردستان في المنطقة، تحت عنوان “حق تقرير المصير”. وسنذكر دائما أن كل من السيدان “ماما” برزاني وطالباني يعيشان ترف السلطة، وعموم الشعب الكردي يعيش فقر وعوز المادة.