سوريا.. "سيرياتيل" و"MTN" فوق الدولة والمجتمع
تعمل في سوريا منذ العام 2000، شبكتان للهاتف الخلوي. الأولى، “سيرياتل”، مملوكة من قبل رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، والثانية، شركة “MTN” التابعة لـ”مجموعة جنوب افريقيا” التي تملك “عائلة ميقاتي” اللبنانية، حصة مهمة من أسهمها. وقد عملت الشركتان، حتى نهاية السنة الأخيرة، وفق نظام عقود التشغيل والبناء ونقل الملكية (BOT). ومنذ منح هاتين الشركتين التراخيص في عام 2000، تعرضت عقودهما الى انتقادات حادة، لأن إعلان المناقصة، الذي أعدته الحكومة آنذاك، وُضِع بشكلٍ يحرم الشركات المنافسة الأخرى، امكانية الدخول في منافسة عادلة. ويعتقد أنّ زج رياض سيف، رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب السابق، في السجن عام 2001 كان في الواقع نتيجة لانتقاده هذه العقود ولمحاباة الأقارب الذي سلط سيف الضوء عليها.
أما في ما يتعلق بهذين الترخيصين، فإن الحكومة الحالية لم تهتم حتى بالإعلان عن أية مناقصة، بل قامت، بكل بساطة، بتحويل عقود الـ BTO الى تراخيص، بعد التفاوض المباشر مع كل من الشركتين.
عندما قالت الحكومة في عام 2010 للمرة الأولى إنها تريد منح شركتي “MTN” و”سيرياتل” تراخيص لمدة 20 عاماً، فإنها أشارت، في حينه، الى أنهما ستدفعان رسوما بمبلغ 25 مليار ليرة سورية دفعة واحدة، أي حوالي 500 مليون دولار، وفقا لمعدل الصرف حينها، إضافة الى رسوم سنوية بمعدل 25% من المبيعات.
وعلى الرغم من أن هذا المبلغ يبدو كبيرا، فان الشركتين كانتا تدفعان للحكومة السورية، في ظل عقود الـ BOT، رسوما بمعدل 50%، وليس 25%. وبالاستناد الى حسابات أجريناها في ذلك الوقت، وبعد الأخذ في الاعتبار دفعة الـ 500 مليون دولار، فإنّ خسارة الحكومة خلال السنوات الخمس الأولى من فترة التراخيص الجديدة ستكون بحدود مليار دولار أميركي، مقارنة بما كانت ستحصل عليه الحكومة فيما لو استمرت بتطبيق عقود الـ BOT السابقة، وذلك بسبب انخفاض الرسوم السنوية من 50% إلى 25%. وبكلمات اخرى، فان ما تدّعيه الحكومة من تقدم بالنسبة لمصلحة الدولة والمواطنين، هو في حقيقة الأمر ربح للشركتين ولمالكي أسهمهما.
وبالرغم من غياب التفاصيل حول اتفاق التراخيص الذي تم التوصل اليه بين الحكومة والشركتين، فمن المرجح أن شروطه، على أقل تقدير، هي بالسوء نفسه الذي طبع الشروط التي تم التخطيط لها في عام 2010. وفي حقيقة الأمر، فان عدم افصاح الحكومة عن أية معلومات بخصوص الاتفاق، هو بحد ذاته مؤشر سلبي للغاية.
بالمحصلة يظهر الاتفاق مع “سيرياتل” و”MTN”، مرة أخرى، أن مصالح الطبقة الحاكمة في سوريا تسبق مصالح المجتمع السوري.
(المصدر: المدن)