أدلب وجع اليسار "المثقف"
بقلم: عصام خوري
منسق مركز التنمية البيئية والاجتماعية
“كان هناك خطأ من قبلي باتهامي جبهة النصرة بأنها طرف بعيد عن أهدافنا، إنها جزء أساسي يعمل لتحقيق تطلعات الشعب السوري الثائر” نسب هذا التصريح للجنرال سليم ادريس “وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة” ولكن ادريس نفى ان تكون هذه التغريدة قد كتبها على موقع تويتر وادعى انه يمتلك موقعا آخر. بغض النظر ان كانت هذه التغريدة لادريس او لشخص تقمص منصبه، الا ان هذه التغريدة فتحت المجال واسعا لان نتمعن بأهواء المعارضة الحقيقية.
اغلب المعارضين وان كانوا يكرهون النصرة الا انهم ضمنيا فرحين بهزيمة نظام الاسد في ادلب، ولكنهم لا يعلنون عن هذا صراحة كي لا يتهموا بالارهاب خاصة وان الجهة الاهم في عملية طرد النظام في ادلب هي تنظيم النصرة المدرج على قوائم الارهاب.
وبسبب الاستقطاب الطائفي الواضح في المنطقة نتيجة تنامي النفوذ الايراني سواء في العراق او سوريا او لبنان وحتى في اليمن فان العموم السني سواء اكان علماني الهوى كغسان عبود “صاحب قناة اورينت” او الرسام العالمي “علي فرزات” او رئيس تيار الوعد “فراس طلاس”، فانهم توحدوا في فرحتهم مع الجمهور السني المتدين الذي هلل للنصرة عندما بدوأ بتدمير تمثال الاسد الاب مقابل مبنى محافظة ادلب…
في حين بدأ النشطاء اليساريين الحقوقيين في طرح اسئلة جدلية حول ماذا سيحدث في ادلب بعد هيمنة النصرة ومن ابرزهم “حازم نهار” وبدؤوا في انتقاد ادارة الاتلاف الوطني السوري التي لا تمون على جبهة النصرة والكتائب الاسلامية في ان تتسلم ادارة مدينة ادلب وتحولها لنموذج يحتذى به في المناطق المحررة…
بينما غردت “مرح البقاعي: رئيسة الحزب الجمهوري السوري” من واشنطن مطالبة كوادر حزبها باخذ دورهم الريادي في ادارة ادلب المدينة، وظهرت انتقادات ساخرة بحقها مفادها “هل تمون على النصرة وهي السافرة!!”..
مجمل هذه التصريحات تعكس بداية هوى عام مفاده ان النظام سقط في ادلب، وهذا النظام لا يمثل شيء قيم عند أي من السوريين المعارضين وهذا بحق يلغي أي اهلية للتفاوض على مشروع تسوية سياسية.
ولكن في تضارب تلك التصريحات نرى حسرة مكبوته عند البعض كونهم لم يكونوا صانعين لهذا الحدث وانتقادهم له يحمل رغبة في حب اظهار الذات.
فعليا الحركة السياسية السورية هي حركة منعزلة عن الحراك العسكري، ولا تمتلك مقومات التأثير فيه، فالمانحون الماليين للاجنحة العسكرية لا ينسقون منحهم مع الكتل السياسية، مما جعل سوريا مقسمة لثلاثة اقسام رئيسية:
1- قسم النظام: الذي بات مدارا من قبل الحرس الثوري الايراني وبعض قادة الاجهزة الامنية السورية.
2- المعارضة السياسية: التي تتفاوت في حجم تمثيلها الشارعي من خلال قدرتها على توظيف كوادر ضمن فريقها.
3- المعارضة العسكرية: وهي متفاوته بقوتها وفق هوى المانحين من الخارج، ويرى المجتمع الدولي ان اقوى قوة عسكرية فيها هي تنظيم القاعدة الممثل “بالدولة الاسلامية، والنصرة”.
سياسيا الملف السوري ليس ملفا سوريا محضا، بل هو ملف مركب تلعب فيه القوى الاقليمية والدولية دورا مركزيا، حيث يرى المجتمع الدولي القضية السورية العسكرية بانها قضية منحصرة بين قوتين مركزيتين هما (القاعدة، والنظام السوري)
مع ملاحظة هامة مفادها ((ان النظام السوري هو نظام جذاب للارهاب، وهو احد مؤسسي الارهاب في المنطقة))… من هنا يتعذر على المجتمع الدولي التفكير الجدي بان يدعم طرف على طرف آخر، فبرايه كلا الطرفيين ارهابيين او منتجان للارهاب، وعملية الاتصاق باي منهما تعني الاتساخ، ومن المفيد ان يترك كلا الطرفين في حرب ضروس لتنهكما وتنهك مانحهما طالما هما عاجزان عن التأثير السلبي على المجتمع الدولي.
وبالنسبة للارهابين حملة الجنسية الاوروبية الذين سيعودون لاوروبا واميركا بعد الانتهاء من مشروعهم حول سوريا فان المجتمع الدولي حسم خياره بمحاولة تنشيط الاستخبارات على اوسع نطاق لحصر هذه الشخصيات ومنعها من العودة لبلدانها الام، وهذا ما يتم الان عبر تبادل المعلومات بين عموم تلك الدول ودول الطوق السوري، من هنا ندرك ان عملية سقوط ادلب بيد ارهابي النصرة هي امر عادي بالنسبة للمجتمع الدولي، والهم اليوم هو معرفة من يقاتل هناك… والتأكد انهم لم يعبروا تركيا يوما نحو اراضي القارة العجوز.
هذا الامر يدركه بعض المعارضون السوريين، وهم ينظرون للحالة السورية وتنامي القاعدة فيها على انها حالة طارئة وستنتهي مع تقادم الزمن، ففي تغريدة سابقة لعلي فرزات يوضح فيها ما مفاده “ان الجسم السوري سيطهر نفسه بعد استئصال الورم الاصلي”.
بينما نرى عبود غير آبه بملكياته في ادلب، خاصة بعد استخدامها من قبل النظام كمستوطنات للشبيحة، حيث نراه يغرد على الفيس بوك غير آبه ان تدمر معمله والمهم ان تتحرر المدينة من وجود النظام، ويمتد الامر بعبود لان يخرج بحوار تلفازي على محطته الاورينت يوم 28آذار محللا الحدث على انه نصر للسوريين بينما عدسة كاميرا الاورينت تجري مقابلات مع عدة مقاتلين داخل ادلب ومنهم احد امراء النصرة.
بينما نرى طلاس محددا في هدفه وهو “الاسد عدوي الاول، واتمنى ان يرفع العلم الاخضر والقرار لمن قام بالعمل لاننا نتكلم وهم يفعلون”
النصرة بعيون عبود وطلاس وفرزات وغيرهم في هذه اللحظة لا تعني “تنظيم القاعدة” انما تعني مرحلة من مراحل سوريا، فالمقاتل الثائر الذي يتعرض هو وذويه وجيرانه المدنيين للبراميل المتفجرة هو ايضا ضحية للارهاب الاسدي الذي لا يميز بين مقاتل القاعدة ومقاتل الجيش الحر الوطني الهوى، من هنا أي خسارة للحرية الاجتماعية بفعل الديكتاتورية الدينية القادمة من القاعدة هو امر غير مهم مرحليا طالما النار مستعرة، فلا يمكن ان يتصدى للظالم الاكبر الاسد الا طرف مؤمن بالله الذي سينصره وهذا الطرف من الطبيعي ان يكون متدين ولا باس ان كان بعضهم متطرف في نزعنه الدينية طالما انه صلب في المواجهة الغير متكافئة عسكريا.
هذا الامر حاول توضيحه الشيخ معاذ الخطيب “الرئيس الاسبق للاتلاف” عبر مغازلته لزهران علوش حينما وصفه “صاحب مشروع امة مثله مثل اسامة بن لادن رغم انه يختلف معه ببعض القضايا” وهذا المنطق الفكري يغازل الهوية الطائفية في العرف الديني، حيث في الاسلام المعتدل رغبة في طرح رؤية تصالحية مع عموم المسلمين حتى المتطرفين منهم، وهذا الامر وضحه سابقا مفتي الازهر حينما ناقش سلوك داعش في الذبح وعده خطأ وطرح بدائل اخرى في القتل!!!…
ايضا معاذ لم يتراجع عن طرحه هذا في زيارته لواشنطن، بل حاول توضيح نقطة جدلية مفادها انه الثوار مضطرين للتحالف مع النصرة لانهم لا يمتلكون بديلا عسكريا نافذا ولا دعما عسكريا دائما ولا منطقة حظر جوي. في حين جورج صبرا الشيوعي يرى في تنظيم النصرة مكون طبيعي من الجسم الثائر السوري ولم يصفه كتنظيم ارهابي ليقينه انه يحوي عددا كبيرا من السوريين المنضمين لهذا التنظيم بدافع الثأر من قاتل اسرهم، ميشيل كيلو ايضا امتدح سلوك تنظيم النصرة في راس العين عند زيارته لها، ثم تراجع عن تصريحاته تلك في مسعى منه لايجاد طرف عسكري علماني يضغط على الحكم السوري من اجل صناعة تسوية سياسية تطيح بالاسد عن راس هرم السلطة.
من هذا العرض السريع نرى ان المعارضة السياسية بعمومها تحاول استثمار النصرة، وفي المقابل النصرة تستثمر عجز المعارضة عن ايجاد بديل لها، وكلما حاولت المعارضة ايجاد بديل فتتوجه النصرة بداية لتصفية هذا البديل كأولوية ثم تأخذ عملية محاربة النظام كمرحلة ثانية… بدوره النظام السوري رغم خساراته الا انه سعيد بهذه الاستراتيجية لانها استراتجية تنهك خصومه السياسيين وتجردهم من ادواتهم، وتبرز المعارضة العسكرية كمعارضة ارهابية دموية غير مسؤولة، وتسعى عبر هذا التوصيف لنيل شرف التواصل مع الغرب كشريك. طبعا الغرب ليس غبيا عن فهم هذه المعادلة فنراه يتعاطى مع النظام وفق منطق العصا والجزرة، حيث يشتمه في العلن ويرسل بعض مستشاريه او وسطاء لهدف تبادل المعلومات الاستخبارية، وفعليا كنز المعلومات الاستخباراتية لدى النظام بدأ يخبوا ويتقلص لانه فعليا مستنزف، كما ان النظام السوري عسكريا هو نظام مهترأ واكبر تأكيد على هذا الامر تنامي نفوذ المليشيات العراقية واللبنانية في مناطق النظام وهذا بحق يقدم مؤشر دولي مفاده ان النظام سينهار ان تخلت عنه تلك المليشيات التي تقتاد من المنح المالية لحكومة طهران، كما ان مدينتين استراتجيتين هامتين كادلب ونوى سقطتا خلال ثلاثة ايام فقط مما يقدم مؤشرا ان النظام السوري عسكريا هو نظام فاشل، فهذا النظام رغم ويل حمم قذائفه اليومية منذ عامين ونصف العام على حي جوبر المتاخم لاكبر تشكيلاته العسكرية في قلب العاصمة السورية الا ان لم يستطع التقدم ضمن هذا الحي الذي بات مدمرا عمرانيا.
رسائل النصرة الاستراتجية:
تنظيم النصرة الذي رفض مشاركة تنظيم “جيش الاسلام” في معركة ادلب اراد ان يصنع لنفسه اول نصر حقيقي على النظام لينافس فيه تنظيم الدولة الاسلامية، ويوجه رسالة لزهران علوش صاحب اقوى قوة في الغوطة المتاخمة للعاصمة مفادها اهتم بدمشق بدل تشتيت قوتك هنا وهناك، ادلب لنا ونحن قوتها الاهم.
وعبر انتصار النصرة السريع في ادلب وجه التنظيم رسالة واضحة لداعمي حركتي “جبهة ثوار سوريا”، “حركة حزم” مفادها:
((انكم قدمتم السلاح الهام لتنظيمات لا تمتلك الايمان باستخدام ذلك السلاح لتحقيق انتصارات حقيقية، ونحن من استحوذ على ذلك السلاح وأتممنا المهمة فاتركونا نعمل لنتمم باقي المهمات، وكما ترون نحن لن نتجاوز الخطوط الحمراء المتعارف عليها دوليا، فكتائبنا على تخوم اسرائيل لم تقم باي عمل ضدها، ليقننا ان الايرانيين والنصيريين اعوانهم في سوريا اكثر خطرا على سنة بلاد الشام وعموم المسلمين السنة من الاسرائيليين، لذا مشروعكم الهادف لتدريب جيش سوري قوامه 3آلاف مقاتل هو مشروع خاسر معنا، ولكنه قد ينجح ضد الدولة الاسلامية شرقي حلب. ))
الخفي في ظاهرة ادلب:
المكنون الطائفي للكثير من السياسيين السوريين السنة ظهر فجأة بعد حدث ادلب، وهذا امر طبيعي في ظل الاحتقان الطائفي الكبير في المنطقة، والتحالف السني المقاد من قبل السعوديين-والاميركيين في اليمن الذي مثل لعموم سنة المنطقة نوع من الصحوة السنية، وهو ما اعطى نوع من الارتياح لعموم السياسيين السنة المفجوعين بمدى الاستهتار الايراني بالشعب السوري ذي الغالبية السنية.
وفي ظل هذه النشوة المترافقة مع هزيمة النظام السوري في نوى وخسائره اليومية في السلمية وحقل الشاعر وريف حلب، تجاهل السياسيين والنشطاء سالفي الذكر وغيرهم حقائق سبقت معركة ادلب، او ربما بعضهم لم يسمع بها، او تعاطوا معها كخبر عابر، وواجبنا ككتلة حقوقية مدنية ان ننبه لها لما فيها خطر على المكنون السوري بغض النظر ان كان موالي او معارض:
1- دوليا: تنظيم النصرة في عيون المجتمع الدولي هو تنظيم ارهابي. والمجتمع الدولي لن يستطيع تغيير وجهة نظره بهذا التنظيم بأي شكل، واي التصاق سياسي بهذا التنظيم سيعني انتحار سياسي لهؤلاء السياسيين، حتى وان كان هذا الالتصاق يجلب نوع من الشعبية التي قد يتم التغاضي مرحليا عنها لعدم جدية المجتمع الدولي في حسم الملف السوري.
ايضا دوليا قيام دولة اسلامية او امارة اسلامية في سوريا هو امر مرفوض بالمطلق، واكبر تأكيد على هذا الامر قرار مجلس الامن تحت الفصل السابع المخصص لتنظمي النصرة والدولة الاسلامية، لذا دور الكتل الاسلامية المقاتلة هو دور مرحلي ولا يمكن السماح لهم بتحقيق حلمهم واهدافهم، فقيام الامم والدول في دول العالم الثالث يحتاج دائما جملة توافقات دولية واقليمية.
2- اداريا:
- يتعاون تنظيم النصرة مع النظام السوري في مناطق ادلب في عدة قضايا اقتصادية وادارية مثل الكهرباء وعمل سد زيزون، ولعل آخرها سماح النصرة لعمال شركة سيرياتيل تشغيل ابراج الاتصالات في مناطق نفوذهم في قضاء جسر الشغور مقابل بدل مالي يدعم امراء النصرة.
- قبيل بدأ معركة ادلب باسبوع بادر النظام لتقليص خدماته الادارية للمواطنين، ونقل قسم من كادره الاداري الى جسر الشغور.
3- عسكريا: بادر النظام السوري قبل البدء بمعركة ادلب لنقل عدد كبير من قواته من ادلب نحو جسر الشغور، وقسم من هذه القوات كانوا استشاريين امنيين هاميين، مما يعطي تصورا ان النظام كان متفقا مع النصرة على تسليم المدينة، وعملية القصف والمعارك البسيطة التي قتل بها عشرات الجنود السوريين ماهي الا مسرحية لتسويق تسليم المدينة امام الراي العام، على ان يتبعها عملية تدمير صاروخية.
وهذا الامر لم يكن وليد اللحظة في علاقة النظام مع النصرة، بل هو قديم في محافظة ادلب، حيث تخلى الجيش السوري عن مواقعه في قرى “الملند والجديدة، الجانودية، الحمامة” كمرحلة اولى دون خسائر تذكر، وايضا تخلى عن قرية الغسانية الاستراتجية بصفقة مالية ودون معارك، واستمر مسيطرا على مدينتي جسر الشغور وادلب اللتان تحويان اهم الدوائر الادارية في المحافظة دون أي اشتباك فاعل ضد الجيش السوري رغم ان كلا المدينتين لا يمتلك النظام فيهما البيئة الحاضنة وهو مطوق بالمعارضة وهذا يعطي اشارات استفهام عديدة هل النظام هو من اوجد النصرة والتنظيمات الاسلامية المقاتلة المختلفة في مناطق محيطه او تغاضى عن تناميها، او سهل وجودها ضمن صفقة “دعي لي المدن الرئيسية كي تظل قبضة السلطة بيدي”
من هنا علينا في حدث ادلب الاخير ان نمعن النظر في صفقة ((خذوا ادلب واتركوا لي جسر الشغور فهي الاقرب للساحل وقرى العلويين التي ستكون حدودنا المستقبلية، خاصة وانتم ستنهكون بكامل ادلب وحلب والجزيرة السورية المدمرين)) اما بالنسبة للضحايا من كلا الطرفين فهم فقراء…
والفقراء كانوا دوما وقود الحرب احصوهم كأرقام وقيموهم كسنة وشيعة فهذا امر يعزز مشروعنا ومشروعكم الطائفي في المنطقة.