الاتفاق النووي مع طهران 2015
خطوة لحرمان إيران من تطوير سلاح نووي على المدى القصير
كانت الطريق طويلة وكانت نتائج المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني مفتوحة حتى اللحظة الأخيرة. صحيح أنَّه قد ظهر أنَّ هناك نتيجة ما سيتم التوصُّل إليها في الأيَّام الأخيرة قبل انتهاء المدة التي حدَّدتها جمهورية إيران الإسلامية والدول الخمسة التي تملك حقّ الفيتو في مجلس الأمن زائد ألمانيا من أجل التوصُّل إلى اتِّفاق مبدئي، ولكن عندما تم مرة أخرى ليل الثلاثاء-الأربعاء 01 / 04 / 2015 تمديد المحادثات في مدينة لوزان السويسرية، كانت توجد في أماكن كثيرة شكوك كبيرة في أنَّ هذا سيكون كافيًا لبيان يعتبر أكثر من غامض.
تنازلات إيرانية بعيدة المدى
بيد أنَّ خطة العمل التي تم تقديمها للعالم عشية الخميس – بعد يومين من نهاية الفترة المحدَّدة – مثَّلت بعد ذلك في الواقع التقدُّم المأمول منذ فترة طويلة. فهذه الخطة لا تعتبر فقط أوضح بكثير مما كان يخشاه المرء في آخر المطاف، بل لقد جاءت أيضًا أكثر شمولاً مما كان العديدون من المراقبين يتوقعونه في النهاية. فالاتِّفاق الذي من المفترض الآن أن يتم تحويله حتى نهاية شهر حزيران/ يونيو القادم 2015 إلى صيغة اتِّفاق شامل، يحتوي على تنازلات إيرانية بعيدة المدى في أهم النقاط الشائكة الخاصة بتخصيب اليورانيوم وبمدة الاتِّفاق.
وينص هذا الاتِّفاق بالتفصيل على خفض طهران عدد أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم لمدة خمسة عشر عامًا من تسعة عشر ألف جهاز عامل حاليًا إلى ستة آلاف جهاز من الجيل الأوَّل، من بينها سوف يتم فقط استخدام خمسة آلاف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز النووية. وكذلك يتعيَّن خفض الأجهزة في المنشأة النووية الثانية المحصَّنة في فوردو إلى ألف جهاز طرد مركزي وأن يتم استخدامها حصرًا لأغراض البحث العلمي. أمَّا جميع أجهزة الطرد المركزي الأخرى فمن المقرَّر أن يتم وضعها تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA.
وبالإضافة إلى ذلك من المفترض أن يُسمح لإيران في المستقبل بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 في المائة فقط، وكذلك يتعيَّن التخلـُّص إلى حدّ كبير من مخزونات اليورانيوم المتبقِّية والمخصَّبة بنسبة أعلى. ومن المفترض كذلك أن يتم تعديل مفاعل الماء الثقيل نصف المنتهي تشييده في أراك، بحيث أنَّه لا يعود قادرًا على إنتاج بلوتونيوم يمكن استخدامه لصناع الأسلحة الذرية. ومن المفترض أن يتم نقل الوقود المستهلك من المفاعل إلى خارج البلاد. وبالإضافة إلى ذلك فقد وافقت طهران على عدم بنائها أية منشأة لإعادة استخدام المواد المشعة، وكذلك على عدم تشييدها أية محطات تخصيب جديدة أو مفاعلات ماء ثقيل لمدة خمسة عشر عامًا.
التزام بحظر الأسلحة النووية
وبالإضافة إلى ذلك تعهَّدت الجمهورية الإسلامية بأن تجعل منشآتها النووية ومناجم اليورانيوم وكذلك منشآت الإنتاج المرتبطة مفتوحة أمام الرقابة الشاملة من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعلاوة على ذلك فقد باتت إيران تريد المصادقة على البروتوكول الإضافي، الذي يمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حقوق رقابة موسَّعة. وفضلاً عن ذلك فقد تعهَّدت القيادة الإيرانية بتسجيل المرافق النووية الجديدة في وقت مبكر. وحتى بعد نهاية مدة هذا الاتِّفاق سوف تبقى إيران عضوًا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تسمح بإجراء عمليات تفتيش من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتمنع تصنيع الأسلحة النووية.
وفي مقابل هذه التنازلات من المفترض أن يتم رفع الحظر المفروض على النفط الإيراني من قبل الاتِّحاد الأوروبي والولايات المتَّحدة الأمريكية وكذلك التخفيف تدريجيًا من العقوبات المالية والاقتصادية الأخرى المفروضة ضمن سياق النزاع حول البرنامج النووي الإيراني، فورما تقوم إيران بتنفيذ التزاماتها. ومن المفترض أيضًا أن يتم رفع كلِّ العقوبات التي قامت الأمم المتَّحدة وعلى مرِّ السنين بفرضها على إيران – ولكن مع ذلك يتعين أن يستمر العمل بموجب قرار جديد من الأمم المتَّحدة في تطبيق القيود التجارية الواردة ضمن تلك العقوبات على التكنولوجيا النووية والصاروخية وكذلك على الأسلحة التقليدية.
لقد تجاوزت بصورة خاصة الالتزامات الإيرانية بخفض تخصيب اليورانيوم وتعديل مفاعل الماء الثقيل ما كان يبدو ممكنًا في بداية المفاوضات في خريف عام 2013. كما أنَّ مدة تخفيض التخصيب التي ستستمر خمسة عشر عامًا، تعتبر أطول مما كان متوقعًا حتى فترة غير بعيدة. وبحسب الولايات المتَّحدة الأمريكية ستزداد من خلال ذلك الفترة اللازمة من أجل إنتاج اليورانيوم الضروري لصنع قنبلة نووية عامًا آخر – في حين أنَّ الخبراء يشيريون منذ فترة طويلة إلى أنَّه يجب حينئذ فقط أن يتم تطوير رأس نووي صالح وتجريبه.
خطوة تحدِّد اتِّجاه الأمن العالمي
وبالتالي فإنَّ هذا الاتِّفاق يعدّ خطوة مهمة لحرمان إيران من اغتنام فرصة تطوير أسلحة نووية على المدى القصير. لقد كانت ردود فعل الأطراف المتفاوضة إيجابية أيضًا – وخاصة من جانب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الأمريكي جون كيري، اللذين جاهدا في الأيَّام الأخيرة ومن دون كلل أو ملل من أجل التوصُّل إلى توافق. ومن جانبه أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطاب رزين وشديد اللهجة بهذا التوافق معتبره كخطوة من شأنها أن “تجعل الولايات المتَّحدة الأمريكية وحلفاءها والعالم أكثر أمنا”.
ومن طهران وردت أنباء عن حالة من السرور والبهجة عمَّت الشوارع، عندما انتشرت أخبار هذا الاتِّفاق. وذلك لأنَّ الإيرانيين يعانون كثيرًا منذ عدة أعوام من الحظر المفروض على النفط الإيراني وكذلك من العقوبات المالية والتجارية التي جعلت موارد الدولة تنقطع ودفعت التضخم المالي إلى مستوى مرتفع وأدَّت إلى خفض قيمة العملة الإيرانية وإلى نقص في المواد التموينية. ولذلك فإنَّ قسمًا كبيرًا من المواطنين الإيرانيين يأملون من رفع العقوبات التدريجي حدوث تحسُّن تدريجي في أوضاعهم المعيشية.
معارضة شديدة من إسرائيل
وفي إسرائيل تم تقييم هذا الاتِّفاق بشكل مختلف تمام الاختلاف، حيث انتقد وزير المخابرات الإسرائيلي يوفال شتاينتز الاتِّفاق بقوله إنَّه “بعيد عن الواقع المحزن في المنطقة”. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل الإعلان عن التفاصيل في مدينة لوزان أنَّه سوف يستمر في الأشهر القادمة في عمله ضدَّ هذا الاتِّفاق. وطالب بأنَّ أي اتِّفاق يجب أن “يُعيد قدرات إيران النووية وبشكل واضح إلى الوراء ويوقف إرهابها وعدوانيتها” – علمًا أنَّ هذا المطلب الأخير لم يكن قطّ جزءًا من المفاوضات.
ونتنياهو يشبه منذ فترة طويلة رجل الدولة الروماني كاتو الأكبر بقوله الأسطوري “بالمناسبة أعتقد أنَّ قرطاج يجب أن يتم تدميرها”، عندما يحذِّر مرة أخرى من أنَّ إيران باتت على وشك الحصول على القنبلة النووية. وفي بداية شهر آذار/ مارس الماضي 2015 أغلظ نتنياهو القول حتى بأهم حلفائه، عندما حذَّر – في انتهاك صارخ للبروتوكول الدبلوماسي ومن دون الاتِّفاق على ذلك مسبقًا مع البيت الأبيض الأمريكي في خطاب ناري ألقاه أمام الكونغرس الأميركي – من أنَّ باراك أوباما يدع إيران تخدعه.
والجمهوريون في الولايات المتَّحدة الأمريكية ليسوا أقل من نتنياهو في رفضهم للمفاوضات. حيث قامت في بداية شهر آذار/ مارس 2015 مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي حتى بخطوة غير مسبوقة من خلال تحذيرها القيادة الإيرانية في رسالة مفتوحة من أنَّ الاتِّفاق يحتاج إلى موافقة الكونغرس وبوسع الرئيس القادم أن يلغيه “بجرة قلم”. وبذلك لم يشكِّك الجمهوريون فقط في أولويات الرئيس والصلاحيات التي يمتاز بها في السياسة الخارجية، بل أثاروا أيضًا شكوكًا أساسية في التزام الولايات المتَّحدة الأمريكية بتعهداتها.
لا يوجد اتِّفاق من دون حلّ وسط
وبعد هذا الاتِّفاق في لوزان طالب زعيم الأغلبية الجمهورية جون بوينر من جديد بعرض هذا الاتِّفاق على الكونغرس من أجل الموافقة عليه. وقبل ذلك أعرب باراك أوباما عن أنَّ الكونغرس يراجع الاتِّفاق، بيد أنَّه حذَّر من تحويله إلى موضوع خلاف سياسي. وقال محذِّرًا: إذا أفشل الكونغرس هذا الاتِّفاق، فعندئذ سيقوم المجتمع الدولي بتحميل المسؤولية للولايات المتَّحدة الأمريكية. واستشهد بقول سلفه الرئيس جون إف كينيدي: “علينا ألاَّ نتفاوض أبدًا تحت وطأة الخوف. ولكن علينا ألَّا نخشى أبدًا من التفاوض”.
إنَّ ردود الفعل الأقرب إلى الهستيرية في إسرائيل ولدى الجمهوريين الأمريكيين تجعلنا نفترض أنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية بصدد الإذعان من دون قيد أو شرط للمطالب الإيرانية. ولكن مع ذلك إنَّ مسار المفاوضات وكذلك اتِّفاق لوزان لا يعطيانهم الحقّ. إذ يبدو أنَّ النقَّاد ينسون أنَّه في المفاوضات لا يمكن من دون حلّ وسط التوصُّل إلى اتِّفاق. ولكن الحلّ الوسط يتطلب تقديم تنازلات من كلا الطرفين. التمسُّك بالمطالب القصوى يفقد الدبلوماسية والواقع من كلِّ معنى.
وفضلاً عن ذلك يجب على النقَّاد الإجابة على السؤال التالي: كيف ينبغي أن يكون شكل البديل؟ أوباما كان محقًا تمامًا عندما حذَّر في خطابه قائلاً: يُخطئ مَنْ يعتقد أنَّ إيران سوف تُدفَع إلى التخلي عن برنامجها النووي من خلال فرض عقوبات إضافية عليها. وكذلك كان محقًا في قوله إنَّ الهجمات الجوية سوف تُعيد البرنامج النووي الإيراني فقط بضعة أعوام إلى الوراء، ولكن مقابل ذلك سوف تغرق المنطقة في حرب أخرى. فالدبلوماسية وبكلِّ وضوح هي الحلّ الوحيد. وفي هذه الحالة فقد حقَّقت الدبلوماسية نتيجة جيدة لكلا الطرفين.
أولريش فون شفيرين
ترجمة: رائد الباش
(المصدر: موقع قنطرة)