خامنئي يحذر من إمكانية انهيار الاتفاق النووي
مهدي خلجي
9 نيسان/أبريل 2015
يُعَد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الصوت الإيراني الأهم في السياسة الخارجية والأمن. وفي 9 نيسان/أبريل خرج أخيراً عن صمته حول اتفاق الإطار النووي الذي أُعلن عنه الأسبوع الماضي في أعقاب مفاوضات عُقدت في لوزان. ولكن ذلك لم يكن بالخبر السار.
ما قاله
في خطاب تلفزيوني بارز توجه فيه إلى مجموعة هامة من الزعماء الدينيين، استهلّ خامنئي قوله: “أنا لا أؤيد [اتفاق الإطار] ولا أعارضه”. وقد يبدو ذلك مشجعاً نسبياً للوهلة الأولى، إلا أن التفسير الذي يتبع ذلك يبدد هذا الأمل، إذ أشار إلى أنه لم يعلّق على اتفاق الإطار لأن “شيئاً لم يحدث بعد”. ورداً على التكهنات التي انتشرت مؤخراً حول صمته أضاف: “يتساءل البعض ‘ لماذا لم يتخذ موقفاً بشأن المفاوضات النووية؟ ‘… وسبب عدم اتخاذ [القيادة] موقفاً حول الموضوع هو عدم وجود سبب لذلك. فالحكومة والمسؤولون النوويون يعتبرون أنه لم يطرأ أي جديد ولم يقم أي من الجانبين بأي التزام بعد.
وبالمثل، أشار إلى أن “ما حدث [في لوزان] لا يضمن الصفقة نفسها أو محتوى الصفقة. كما لا يضمن حتى أن تؤدي هذه المفاوضات إلى التوصل إلى اتفاق. لذلك، فإن التهنئة [الموجهة إليّ حول الإطار] هي هراء”. وبالتالي، فقد كان هذا توبيخاً واضحاً للرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي كان قد هنأ المرشد الأعلى بعد الإعلان عن اتفاق الإطار وشكره على إشرافه عليها.
يُذكر أن [خطاب] خامنئي تضمّن مجموعة متنوعة من الإهانات التي يفترض أنها استهدفت الولايات المتحدة قبل أي جهة أخرى، حيث وصف أولئك [الذين جلسوا] على الطرف الآخر من طاولة المفاوضات بأنهم “متصلبين وغشاشين وسيئي المعاملة ومُعتادين على الطعن من الخلف”. وحذر من أن ذلك “الطرف” يمكنه أن يضع المفاوضين الإيرانيين “في مأزق” عندما يحين الوقت لمعالجة تفاصيل اتفاق الإطار.
وفي الوقت نفسه، أعرب خامنئي عن دعمه المعتاد لفريق التفاوض الإيراني، ولكنه لم يعمل ذلك عبر إطلاقه تعابير حماسية بشكل خاص، حيث قال: “حتى الآن لم أشك بهم … ولكن أنا قلق للغاية حول المفاوضات النووية … فمطلبنا الرئيسي من المسؤولين [الإيرانيين] هو ألا يثقوا بالطرف الآخر، ولا ينخدعوا بابتسامته، ولا يثقوا بوعود يقطعها على نفسه، لأنهم عندما يحصلون على ما يريدونه [يخدعونك] ويضحكون عليك”. كما وحذر من أن أي صفقة لا تكون محترمة إذا كانت “تدمر كرامة الأمة الإيرانية ومصالحها”.
وبشكل عام، أظهر الخطاب أن مصدر القلق الرئيسي لخامنئي حول المفاوضات يتعلق برفع العقوبات بشكل فوري، وأنه لا شيء أقل من ذلك يستحق أن يقدم هو نفسه تنازلات بشأن البرنامج النووي، إذ اعتبر أنه “يجب رفع جميع العقوبات مرة واحدة وفي اليوم نفسه، وليس بعد ستة أشهر أو عام”. وأضاف، “لا معنى لربط تخفيف العقوبات بعملية أخرى، لأن الهدف من المفاوضات هو رفع العقوبات.” وهذه العبارة الأخيرة هي رفض ضمني لجعل تخفيف العقوبات منوطاً بالتصرفات الإيرانية الأخرى باستثناء مجرد التوصل إلى اتفاق.
شريعتمداري: أفضل دليل على وجهات نظر خامنئي
كما هو الحال غالباً، فإن أفضل متكهن بمواقف خامنئي هو حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” وأحد المقربين من المرشد الأعلى. ففي افتتاحية صدرت قبل ساعات قليلة من خطاب خامنئي، تطرق شريعتمداري بالتفصيل إلى الحجج التي قدمها مؤخراً، وانصب موضوعه الرئيسي حول ضرورة عدم قبول المفاوضين الإيرانيين بأي اتفاق نهائي يسمح للعالم الخارجي بمراقبة الأنشطة النووية للنظام بشكل وثيق جداً. وبالمثل، رفض خامنئي بعض المقترحات الخاصة بعمليات التفتيش المعمّقة قائلاً: “إن المسؤولين العسكريين في البلاد غير مخوّلين بالسماح للأجانب بدخول مجالنا الأمني، كما أن دعمنا لإخوتنا في المقاومة في أجزاء مختلفة [من الشرق الأوسط] لا ينبغي أن يتأثر بالمفاوضات. لذا لن يتم قبول أي مراقبة غير عادية تجعل من جمهورية إيران الإسلامية دولة استثنائية في هذا الصدد”.
لقد أسهبت افتتاحية شريعتمداري، التي صدرت بعنوان “الجانب الآخر لاتفاق لوزان” في هذه المسألة. وبعد أن انتقد بقسوة فريق التفاوض الإيراني، واصفاً إياه بأنه “مهمل” في السماح للولايات المتحدة بأن تملي إرادتها عليه، ركز انتقاده على «البروتوكول الإضافي»، وهو الإجراء الذي اتخذته “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لتعزيز عمليات التفتيش. وقد قبلت إيران البروتوكول في عام 2003 ولكنها لم تلتزم به بعد ذلك. وبالتالي، تريد واشنطن وحلفاؤها الآن من طهران التوقيع عليه بشكل جدي. ووفقاً لشريعتمداري، إن البروتوكول سيسمح للأجانب بتفقد المنشآت العسكرية والأمنية الإيرانية دون إشعار مسبق: “وغني عن القول أن قبول مثل هذا البروتوكول لن يهدد بشكل خطير الأمن النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية فحسب، بل أمنها العسكري أيضاً”. واشتكى: “عندما سُئل الأعضاء الكرام في فريق التفاوض الإيراني عن سبب قبولهم «البروتوكول الإضافي»، الذي يتخطى البروتوكول، أجابوا بالقول إن قبول «البروتوكول الإضافي» أمر إختياري!” وفي رأيه، إن القبول الطوعي للبروتوكول سوف لن يتطلب موافقة قانونية من البرلمان الإيراني لأنه لن يكون عقداً ملزماً. وبعبارة أخرى، أوضح أن الأمريكيين أوقعوا المفاوضين الإيرانيين في فخ من خلال الطلب منهم قبول البروتوكول طوعاً من أجل تجاوز البرلمان.
إلى جانب ذلك احتجت افتتاحية شريعتمداري على أولئك الإيرانيين – بمن فيهم، وكما يرى، أعضاء فريق روحاني – الذين دافعوا عن اتفاق الإطار رغم مشاركتهم شعور خامنئي بانعدام الثقة تجاه واشنطن. وعلى وجه الخصوص، عارض الكاتب الفكرة القائلة بأنه إذا اتخذت الولايات المتحدة نهجاً مخادعاً، يمكن لإيران ببساطة أن تعود إلى الوضع الذي كان قائماً قبل التوصل إلى صفقة، لذا هناك خطراً ضئيلاً في التوقيع على اتفاق”. فقد قال إن “العديد من التزاماتنا في لوزان ليست قابلة للعكس” وذلك بشكل خاص في إشارة إلى «البروتوكول الإضافي» “الطوعي”. واختتم بالقول بأن “الحل الوحيد هو تجاهل اتفاق لوزان”.
التداعيات
يشير خطاب خامنئي إلى حد كبير أنه ليس سعيداً مما حدث في لوزان. وعلى الرغم من تأكيده بأنه لن يتدخل في المفاوضات التفصيلية، إلا أنه واصل الإدلاء ببيانات من شأنها أن تؤثر على العملية كما يُفترض. على سبيل المثال، بتحدثه عما إذا كان ينبغي التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية حزيران/ يونيو اعتبر خامنئي أنه يجب على فريق التفاوض الإيراني “أن لا يبالغ أو يندفع بشأن هذه المسألة؛ يجب أن ننتظر ونرى ما الذي سيحدث… فهذه الفترة الزمنية التي أمدها ثلاثة أشهر ليست غير قابلة للتغيير، وإذا امتدت [لفترة أطول من ذلك] لن يطرح ذلك مشكلة، إذ إن الطرف الآخر أخّر المفاوضات في الماضي لمدة سبعة أشهر… وإذا استغرق الأمر أربعة أشهر بدلاً من ثلاثة أشهر، لا بأس بذلك.”
ومن المثير للاهتمام، أنه أشار أيضاً إلى أن المحادثات النووية يمكن أن تؤدي إلى إجراء مناقشات مع الولايات المتحدة حول قضايا أخرى. فبعد إصراره على أن إيران تتفاوض فقط حول المسائل النووية، قال خامنئي: “التفاوض بشأن القضية النووية هو عبارة عن اختبار. فإذا تخلى الطرف الآخر عن تصرفه السئ، يمكن تكرار هذه التجربة مع القضايا الأخرى”. إلا أنه خفف من هذه النقطة من خلال توجيهه المزيد من الإهانات لواشنطن لعدم جدارتها بالثقة: “إذا استمر الطرف الآخر بسوء التصرف، لن يكون الأمر سوى إضافة إلى تجاربنا [الماضية] التي برهنت عن عدم الثقة بالولايات المتحدة … لم أكن أبداً متفائلاً بشأن التفاوض مع الولايات المتحدة. ولا ينبع ذلك من الوهم بل من التجربة … وإذا أصبحت تفاصيل القضايا والأحداث والملاحظات حول المفاوضات النووية الجارية متاحة للجمهور في المستقبل، فإن الجميع سيدركون مصدر هذه التجربة”. بالإضافة إلى ذلك، لم تترك وجهات النظر التي أعرب عنها حول القضايا الإقليمية الأخرى، مجالاً كبيراً للتفاؤل بشأن انخراط الولايات المتحدة وإيران بصورة أوسع نطاقاً. على سبيل المثال، خلص كلمته بوصف الحملة التي تقودها السعودية في اليمن، بأنها “إبادة جماعية” تبرّر أجراء “محاكمة دولية” وأدان الولايات المتحدة لدعمها السعوديين.
أما على الجبهة السياسية الداخلية، فقد أشار المرشد الأعلى إلى أنه ينبغي على المسؤولين الإيرانيين النظر في مداخلات النقّاد البارزين بشأن القضية النووية: “فإذا كانت وجهة نظر النقّاد صحيحة، فإنه يجب على [المسؤولين] استخدامها من أجل تحسين عملية التفاوض، وإن لم يفعلوا ذلك، ينبغي إقناعهم”. إن هذه الملاحظة قد تعطي المتشددين الضوء الأخضر لزيادة ضغطهم على روحاني وتحدي استراتيجيته التفاوضية بطريقة يمكن أن تؤثر على سير المحادثات. وقد وصف مناصرو الرئيس روحاني باستمرار منتقدي المحادثات بأنهم إما دعاة حرب أم مستفيدين من العقوبات الدولية، لذا قد يطلق خامنئي إشارة تحذير له من خلال الطلب منه الاعتراف بمخاوفهم.
ويتماشى الانتقاد الأخير الذي وجهه خامنئي للمفاوضات بشكل جيد مع أسلوبه في وضع نفسه في الموقف الأكثر أماناً بغض النظر عن النتيجة. فهو يدعم المفاوضين الإيرانيين ولكن ينأى بنفسه أيضاً عنهم عبر التعبير عن الشك في النتائج. وهو يجعل الجانبين، أي فريق روحاني و«مجموعة الخمسة زائد واحد»، مسؤولين بالكامل إذا فشلت المفاوضات من خلال وضع خطوط حمراء دقيقة ومحددة، مما يعني أنه إذا تخطى أي من الطرفين هذه الخطوط فإنه سيرفض الاتفاق الناتج عن ذلك. ويعمل جاهداً لترك الانطباع بأنه هو الشخص الأكثر صرامة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية والنووية. وربما الأهم من ذلك، تشير كلماته إلى انه يفكر بدقّة بالفشل المحتمل لعملية التفاوض ومستعداً لهذا السيناريو، ربما أكثر من أي شخص آخر من بين مسؤولي النظام.
مهدي خلجي هو زميل “ليبيتزكي فاميلي” في معهد واشنطن.
(المصدر: معهد واشنطن)