ما هي أسباب الصراع العربي-الكردي في شرق سوريا؟
منظمة غارنكي- 2312015
ترجمة: ديمة الغزي
اندلعت في السادس عشر من كانون الثاني اشتباكات عنيفة في مدينة الحسكة الواقعة شمال شرقي سوريا ما بين قوات بشار الأسد وميليشيات وحدات الحماية الشعبية (واي بي جي). وبذلك يكون قد تم خرق الهدنة الطويلة التي كانت قائمة بين الطرفين في سبيل التعاون لمواجهة المجموعة المتطرفة السنية المعروفة بالدولة الإسلامية.. والتي تسيطر على مناطق شاسعة من الريف المحيط بالحسكة. وتعد هذه الاشتباكات عنيفة بالمقارنة مع غيرها مما شهدته الحسكة سابقاً.
وقد اتهمت قوات الحماية الشعبية الحكومة السورية بإلقاء القنابل العنقودية في المنطقة مما أدى إلى مقتل العشرات من الجنود بحسب زعمهم. وكما هو متوقع اتخذ الصراع منحى طائفياً حيث يقاتل موالو قوات الحماية الشعبية من الأكراد ضد موالي النظام السوري من العرب. وقد حاولت الأقلية المسيحية السريانية وقواتها المعروفة ب؟؟؟؟؟؟ البقاء على الحياد ورغم ذلك تعرضت منطقتهم للقصف بالقنابل بالإضافة إلى الاعتداءات على كنيسة الحسكة الآشورية.
المجتمع العربي القبلي منقسم
يتسم الوضع في منطقة الحسكة بالغرابة. فالانقسام موجود ليس فقط بين الكرد والعرب بل بين قبائل وقرى العرب المختلفة كذلك. كما توجد أعداد كبيرة من الطوائف المسيحية كالسريان والأرمن معظهم بقي في صف النظام والبعض منهم اصطف مع قوات الحماية الشعبية التي تحتكر قوة السلاح بين الأكراد. ويعاني المشهد السياسي العربي من انقسامات عميقة للغاية. فنرى أكبر المتنافسين بين العرب السنة على السلطة هم الدولة الإسلامية من جهة والأسد (الذي ينتمي للطائفة العلوية) وحكومته التي تتكون من خليط من الانتماءات الدينية من جهة أخرى. ورغم أن الطرفين من ألد الأعداء إلا أنهما يحاولان استمالة نفس القبائل السنية في محافظة الحسكة لكسب دعمهم. ونلاحظ رجوح كفة النظام في مناطق العرب من مدينة الحسكة نفسها بينما تسيطر الدولة الإسلامية على الريف العربي.
وتمتد جذور العشائر الكبيرة في المنطقة –كعشيرة البقارة والشمار وجبور- إلى دول متعددة لكنها غير متصلة ببعضها اجتماعياً كما توهمنا بعض التعليقات السياسية. الولاء فيها أولاً يكون للعائلة ثم العشيرة ثم أبناء القرية وأخيراً للقبيلة كما هو الحال في الكثير من مناطق الريف السوري. وقد يصعب التمييز ما بين التنافس العشائري وبين الخلافات المحلية السياسية والاجتماعية الاقتصادية التي تنشب بشكل مستقل عن الولاء القبلي. وقد أضافت الحرب أبعادها المعقدة الخاصة بها إلى هذا المشهد.
وبالنظر للجمهور الذي يتطلع القواد السياسيون لاستقطابه لطرفهم نجد أنه يتألف من العشائر والميليشيات الشعبية والعصابات والشباب العاطل عن العمل’ مستخدمين في ذلك شتى الوسائل من إغراءات براتب ثابت إلى التهديد بالقوة. ويعرف عن الدولة الإسلامية أنها تحتضن الميليشيات الوصولية أو المنهزمة في العراق وسوريا. أما السكان المحليون فينضمون عادة إلى عدد من الميليشيات الموالية للنظام المتواجدة في الحسكة بما فيها قوات حزب البعث الحاكم والقوات التابعة للمخابرات وقوات الدفاع الوطني. ومع مرور الوقت شهدت جميع هذه القوات تنقلات العرب فيما بينها بحثاً عن حليف أقوى أو دفاعات حصينة أو راتب أكبر.
ومنذ صيف عام 2014 تغيرت الأمور في الحسكة قليلاً إذ تحالفت قوات الحماية الشعبية وقوات شرطتها المعروفة بآسايش مع قوات الأسد والميليشيات العربية لاقتلاع الجهاديين من المنطقة تحت الضغط المتصاعد من تمدد الدولة الإسلامية. تقسمت حينها المدينة بفعل نقاط التفتيش وأعيد تقسيم المناطق التابعة لكل مجموعة مع اتفاقية مرور لحملات الإغاثة والبضائع. كانت تسوية مؤقتة تمت على مضض أكثر من كونها تحالفاً حقيقياً لكنها كانت تفي بالغرض.. حتى الآن.
علاقات ممزقة
لماذا بدأت الخلافات في هذا الوقت بالذات؟ تشير العديد من التقارير إلى أن الاشتباكات بدأت بسبب خلاف على تموضع نقاط التفتيش والحرس ويلقي كل طرف اللوم على الآخر في ذلك. كان الصراع في البدء ضد ميليشيا عشائرية عربية حديثة العهد تعرف باسم المغاويرأو الكوماندوز ثم دخل الجيش العربي السوري لاحقاً في الصراع.
من المرجح أن يكون هذا النزاع قد نشب من أجل السيطرة على مساحة من الأرض وتفاقم إلى أن خرج عن السيطرة. ومن المرجح أيضاً أن تكون الأسباب سياسية من البداية أو أن تكون قد ظهرت فيما بعد. كما يشير البعض إلى إثارة حنق الأكراد بسبب تسريب محضر اجتماع حزب البعث في تشرين الثاني الذي جاء فيه أن الأسد رفض احتمالية الاعتراف بالأكراد دستورياً أو حصولهم على حكم ذاتي كسبب وراء توتر العلاقات. في حين يرى بعض أفراد المعارضة أن الجناح السياسي غير الرسمي لقوات الحماية الشعبية المعروف بحزب الاتحاد الديمقراطي يطمح إلى تلميع صورته كطرف معارض للأسد بهدف المشاركة في محادثات السلام في موسكو إن تبلورت.
بينما يرى البعض الآخر الموقف يتماشى مع مغازلة وحدات الحماية الشعبية للغرب بعد صعود نجم الدولة الإسلامية في الصيف الفائت. فالسلاح الجوي الأمريكي يوفر غطاء جوياً للأكراد في كوباني ويبدو أن الجيش الأمريكي ينسق على مستوى عالٍ مع الحماية الشعبية التي رفض سابقاً التعامل معها. وبناء على هذه الفرضية فإن الحماية الشعبية تحاول الآن أن تنأى بنفسها عن النظام وتظهر بشكل مستقل عنه لتروق أكثر للمشككين من صانعي القرار في الغرب.. أو أنها ببساطة تستفيد من وضعها الحالي الأفضل لتضغط على الجيش وتحصد المزيد من التنازلات.
ماذا عن الدور الإيراني؟
ومن المثير للاهتمام قيام القسم الأوروبي من وحدات الحماية الشعبية بإصدار بيان شديد اللهجة بخصوص النزاع أدان فيه النظامين السوري والإيراني كمحتلين وألقى فيه بالقسم الأكبر من اللوم على إيران. واتهم الحكومة الشيعية في طهران ب”تقديم الدعم والمشورة للنظام السوري لزرع الفتنة والخراب في مدينة الحسكة مفسحاً بذلك المجال للنزاعات الطائفية ما بين الكرد والعرب والسريان.” وأشار أيضاً إلى أنه “من الواضح أن للنظام الإيراني يداً في بدء هذا الصراع في التحريض عليه وتنفيذه”. للأسف لا يوجد تفسير مفصل عما تفعله إيران في الحسكة مؤخراً.
إلا أنه بات من المسلمات أن إيران هي الممول الرئيسي والمنظم لميليشيات الدفاع الوطني في سوريا. وطبعاً تم اتهام قوات الكوماندوز التي كانت أول من دخل في صراع مع وحدات الحماية الشعبية من العرب بأنها تعمل تحت رعاية إيرانية منذ تأسيسها في ديسمبر 2014.
ويقول النشطاء في الحسكة أن الكوماندوز يتم تجنيدهم من العشائر السنية العربية المحلية ومن ميليشيات النظام الأخرى كالدفاع الوطني التي تحظى بالدعم العشائري. ولفهم تكوين الكوماندوز علينا أن نأخذ بعين الاعتبار محاولات الحكومة استمالة القبائل في الحسكة إلى صفها في الحرب. فقد استدعت أربعة وعشرين شيخاً من مختلف القبائل إلى دمشق وكان من ضمنهم محمد الفارس شيخ قبيلة طيء والعضو السابق في البرلمان السوري الذي كان معروفاً عن رجاله في القامشلي أنهم وكلاء النظام في المنطقة.
ومن هذا الاجتماع انبثق الكوماندوز… تلك الميليشيا القبلية التي تتدرب في جنوب القامشلي. يقول النشطاء أن “الحاج ماجد” يقوم بالإشراف على تدريباتهم وهو عضو في حزب الله .. وكيل إيران في سوريا ولبنان. ولو صحت فرضية أن إيران تمول الكوماندوز – وهي محتملة جداً – فإن ذلك يعطينا تفسيراً لقرار حزب الاتحاد الديمقراطي محاربة النظام الإيراني.
التوتر المتصاعد ما بين العرب والكرد
من الملاحظ أن محاولات الحكومة السورية تحميل مسؤولية الأمن في المنطقة لقواد العشائر العرب والبعثيين تسببت بتوتر العلاقات مع وحدات الحماية الشعبية. لقد عانى الأكراد من العرب الأمرين عبر التاريخ كما أن حزب البعث يعادي الأكراد بطبيعته. لذا لا يمكن للحماية الشعبية أن تطمئن حيال الاستراتيجية المتبعة من قبل حزب البعث وإيران والتي تقضي بتوفير الأسلحة لخصومهم التقليديين. وبالفعل صرح مصدر من حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل واضح أن النزاعات بدأت “بعد تصريحات بشار الأسد ضد الأكراد وبعد أن أسس النظام ميليشيا الكوماندوز”.
لقد تميزت النزاعات العربية-الكردية في الحرب الأهلية السورية بأنها تشتعل بعنف ثم تخمد بلا ضجة بما في ذلك النزاعات السابقة في الحسكة. ولكن في حال استمر القتال هذه المرة فقد يؤثر كثيراً في التوازن العسكري في المدينة والريف المحيط بها.
قد يستفيد النظام من حملة التوظيف التي يقوم بها في قبائل العرب في تعويض النقص الذي يعاني منه في القدرات البشرية. ولكن قد تكون الحماية الشعبية تسعى إلى ذلك تماماً بما أنها تخشى أن ينقلب توازن القوى ضدها. إن انحل التحالف الضمني بين الحماية الشعبية والنظام في الحسكة فإنه بلا شك سيضعف من الجبهة التي تقف في وجه الدولة الإسلامية.. التي بدورها تنتظر الفرصة المناسبة لتنقض. لا بد من الوصول إلى توازن جديد بين العرب والأكراد لإنهاء الصراع في الحسكة.
(المصدر: السوري الجديد)