حزب الحمير
رغم أنه الشعار الرسمي لأكبر حزب سياسي في أكبر دولة في العالم. وهو الحزب الديمقراطي في أمريكا، بينما اتخذ الحزب الجمهوري المنافس له من الفيل رمزا له. وهكذا تجري الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية. كل أربع سنوات بين الأفيال والحمير. وهي الانتخابات التي تستحوذ علي اهتمام العالم كله. الذي يشهد بدوره انقساما بين مؤيد للحمير ومؤيد للأفيال.
أما خارج الولايات المتحدة الأمريكية فلم يحظ الحمار بأي قدر من الاعتراف به كائنا له وزن.. رغم أن أمريكا هي قبلة العالم وقدوته في نظامها السياسى. الذي يسعي الكثيرون فيه من طلاب الديمقراطية والراغبين فيها إلي تقليده مثالا يحتذى. وكان يمكن لهؤلاء خاصة الديمقراطيين أن يتخذوا من الحمار شعارا لهم، كما هو شعار الديمقراطيين في أمريكا. ولكنهم أنفوا من ذلك خاصة في دول العالم الثالث التي كانت أولي بالحمار من الديمقراطيين الأمريكان، لأنهم ينتمون إلي شعوب أشبه ما تكون بالحمير، التي تحمل علي ظهرها الحمول ولا تأكلها.. وتحمل الماء علي ظهورها ولا تشربه. وتساق بالعصا إلي أداء المهام التي يكلفها بها الأسياد دون أن تعرف ما هي أو لماذا تؤديها.. وهي لا تناقش ما تؤمر به، ولا تدرك معني لما يراد منها أو بها.. ومن نعم الله أنها لا تفهم ولا تكفر ونعم الله تلك علي الأسياد وليست علي الحمير، ذلك لأن الحمير لو فهمت وأدركت لما أطاعت الأوامر، أو امتثلت للتوجهات. والتعليمات والقرارات. التي يلقيها عليها الأسياد تحقيقا لمصالحهم!!
ولأنني شديد الإعجاب بالحمير، فضلا عن إعجابي طبعا بالنظام الديمقراطى، ولأنني أيضا واحد من هذا الشعب الذي يحمل علي ظهره كل تلك الأثقال التي يضعها الأسياد حملا عليه. فقد فكرت في تشكيل حزب يتخذ الحمار شعارا له. وحتي يكون الشعار مطابقا للبرنامج الذي أعددته فقد قررت أن يكون اسم الحزب الجديد حزب الحمير واختصاره ح. ح أو حا. حا. وهو اختصار رأيته مناسبا حيث إن الأوامر التي يصدرها السيد لحماره تتلخص في كلمة حا!!
وما إن انتهيت من اختيار اسم الحزب الجديد.. وبرنامجه حتي سارعت إلي أخلص أصدقائي لأطلعه علي مشروعي السياسي الذي سيقلب موازين الحياة الحزبية في طول البلاد وعرضها. ولم أكد انتهي من شرح المشروع لصديقي حتي قام من فوره ودخل إلي إحدي الغرف ببيته وخرج منها برزمة من الأوراق قدمها لي طالبا مني الاطلاع عليها. وإذ بي أجد عنوانها مشروع برنامج حزب الحمير. فنظرت إليه مندهشا فقال لى. لقد فكرت فيما فكرت فيه أنت. وقد أقمت الحزب فعلا. وعندي عدد لا بأس به من الأعضاء الذين وقعو أمامي علي استمارة العضوية بالحزب. فسألته ولماذا لم تعلن عنه في الصحف. أو تتقدم به إلي لجنة الأحزاب؟.. فقال نحن حزب في طور السرية. وأنا أدعو سرا للحزب منذ أكثر من عام. فقلت له لماذا لم تدعوني وأنا صديقك. فقال: أولا لأنك ذكي وبتفهم. وهذا الحزب قاصر علي الأغبياء والحمير فعلا. ولا مجال عندنا للذين يفهمون ويتناقشون ويتحاورون من أمثالك.. نحن لا نقبل إلا الذين يعملون حسب تعليمات وتوجيهات السيد العربجي!!
وأخذت أدافع عن نفسي أمامه لعلني أجد مكانا في الحزب الذي أمضيت الأيام والليالي في الإعداد له. فإذا بي أري نفسي خارجه ولا أصلح حتي للانضمام إليه مجرد عضو يتمتع بالعضوية العادية.
قلت له: من أين حكمت علي بالذكاء والفهم؟.. فلو كنت كذلك فعلا لفهمت أسباب ما نحن فيه الآن.. فأنا لا أفهم لماذا نحن متخلفون حتي عن المتخلفين أو الذين كانوا كذلك. ولماذا أصبحنا أفقر من الفقراء.. وأذل من الأذلاء.. وأضعف من الضعفاء.. وأنا لا أفهم كيف ولماذا يأتي الوزراء عندنا وكيف ولماذا يخرجون.. ولا أعرف كيف نكون دولة فقيرة وتتصرف تصرف وسلوك الدول الغنية. ولا أعرف كيف نقف علي قدمينا حتي الآن وفينا كل هذا الفساد. ولا من أين يأتي اللصوص بأموالهم. ولا أين يذهبون بها.
أرجوك اقبلني حتي ولو عضو. أو فراش في مقر الحزب.
فقال صديقي: إن إجراءات القبول عندنا ليست سهلة ولا مجال فيها للعواطف.. هناك اختبارات يجب أن تؤديها لنري مدي صلاحيتك للانضمام إلينا.
فقلت له: أنا تحت أمرك.. اسألنى. واختبرني كما تريد.
قال: طيب.. عندنا دولاب طويل وعريض. ونريد إخراجه من غرفة ليس لها سوي باب صغير. فكيف نخرجه؟
قلت له: نفك الدولاب. ونخرجه قطعة قطعة ثم نعيد تركيبه خارج الغرفة.
قال: ألم أقل لك إنك ذكي ولا تصلح للانضمام لحزب الحمير؟
قلت له: ما الحل الذي تراه يا كبير الحمير!
قال: نهدم أحد الحوائط ونخرج الدولاب ثم نقوم ببناء الحائط مرة أخري!
قلت: عظيم يا كبير الحمير!
قال: إليك بسؤال آخر.
قلت: هات ما عندك.
قال: كيف نعالج مشكلة الزيادة السكانية؟
قلت: بتنظيم الأسرة. ومنع الحمل. وزيادة الوعى. ورفع مستوي المعيشة للمواطنين.
قال: لا.. هذا عمل الأذكياء أما عندنا في حزب الحمير فنحن نعالج المشكلة السكانية. باستيراد المواد
المسرطنة واللحوم الفاسدة. ووسائل المواصلات المتهالكة كالقطارات وغيرها. وكل ذلك وغيره سيساعد علي حصد العديد من أرواح المواطنين دون حاجة للصرف علي وسائل تنظيم الأسرة أو رفع مستوي المعيشة.
قلت: عظيم يا كبير الحمير!!
قال: وكيف تحل مشاكل الصحة؟
قلت: بالقضاء علي أسباب المرض من فقر وجهل وتدني الأحوال المعيشية لدي المواطنين.
قال: كلا.. هذا أسلوب ذكى. أما عندنا في حزب الحمير. فنحن نترك الفقر والجهل وتدني الأحوال المعيشية، وتفشي الغلاء. ونترك المرضي يمرضون كما يحلو لهم فنحن ديمقراطيون ولا نريد أن نحرم أحدا من المرض الذي يختاره بنفسه. وكلنا نواجه المشكلة ببناء المزيد من المستشفيات دون الحاجة للصرف علي رفع مستوي المعيشة والقضاء علي الفقر والأمية. ويعني مثلا لو أن هناك مطب في أحد الشوارع تتكرر بسببه حوادث السيارات التي تودي بحياة المواطنين. فهل نعالج المطب ونزيله؟.. كلا.. بل سنترك المطب كما هو ونضع سيارات الإسعاف بجواره لتحمل القتلي والمصابين إلي المستشفيات القريبة. أو نبني مستشفي للحوادث بجوار المطب. حتي نوجد عملا للأطباء والسائقين والممرضين. وهكذا نحل مشكلة البطالة. كما نحل مشكلة المطب الذي يتسبب في الحوادث!
قلت صارخا: عظيم يا كبير الحمير!!
قال: كيف تحل مشكلة التعليم وزيادة الكثافة بالفصول؟!
قلت: ببناء المدارس وتأهيل المدرسين!
قال: لا.. بل باضطهاد المدرسين ورفع شعار امسك مدرس بحجة التورط في إعطاء الدروس الخصوصية. فتكون النتيجة أن يهمل المدرس في مدرسته ولا يقوم بواجبه كما ينبغى. فيتدني مستوي التلاميذ. وهكذا يجد المدرسون المبرر المنطقي لإعطاء الدروس الخصوصية خارج المدرسة لدي أولياء الأمور. فيسارعون مهرولين برجاء المدرسين إعطاء أبنائهم دروسا خصوصية لا يقدر عليها إلا القادرون. أما غير القادرين فينسحبون من الساحة ويتركون التعليم والمدارس خاصة أنها في نهاية الأمر تؤدي إلي نفق البطالة والعطالة. وهكذا تخلو المدارس والفصول إلا من القادرين وحدهم. فتقل كثافة الفصول. بل ويقل الإقبال علي الالتحاق بالمدارس فيزيد عدد الحمير. وتزيد فرصتنا في كسب التأييد عند إجراء الانتخابات. وضمان تسيير الأمور في الاتجاه الذي نريده تحقيقا لمصالحنا!!
صرخت بإعجاب شديد: عظيم يا كبير الحمير!!
فقال وقد بدت عليه مظاهر الخيلاء والإعجاب بالنفس:
أرأيت أن حزبنا يقدم رؤية متكاملة. وفكر جديد لا يقدر عليه إلا أمثالنا؟!
قلت: فعلا يا كبير الحمير.. هذا فتح مبين في العمل السياسي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
قال: نعم.. نعم. إن حزبنا يرفص الأفكار التقليدية. ليكسب كل الرافصين والمضطهدين والمقهورين.. ومهدودي الدخل!!
سألته: وهل ستشكلون جبهة للرفص مع بقية الأحزاب الأخرى، لتشكيل حكومة ائتلاف وطني؟
قال: وما حاجتنا للأحزاب الأخري حتي لو كانت رافصة؟!
سألته: وكيف ترون الحل للمشكلة الفلسطينية؟
قال: نحن وإسرائيل كويزين في لباس!!
قلت: لا أفهم.
قال: إذا لم نكن قادرين علي تذويب الإسرائيليين فينا. فنذهب نحن لنذوب فيهم. ونصبح نحن وهم في نفس الحظيرة!!.. في كويز واحد!!
قلت: عظيم عظيم.. وماذا عن العراق؟
قال: العراقيون أذكياء. وآدميون.. ونحن لسنا معنيين إلا بالمشكلات التي تعاني منها فصيلة الحمير فقط.
سألته: وبقية المشكلات العربية؟
قال: نحن أعضاء في العربخانة. كما أننا سننادي بتفعيل دورنا في منظمة الأمم الملتحدة!!
قلت: ودوركم في حل مشكلة النظافة؟
قال: يقتصر دور الحمير علي الوساخة والقذارة فقط، أما النظافة فقد تركناها للشركات الأجنبية. فلماذا نوسخ أيدي مواطنينا في جمع القمامة؟!
سألته: ومشكلة البطالة؟
قال: سنزيد من إنتاج المشكلات التي تحتاج إلي أيد عاملة وبذلك نفتح الأبواب لتوظيف المزيد من العاطلين.. بإنتاج المزيد من المشكلات والأزمات!!
صرخت من الإعجاب: عظيم.. عظيم يا كبير الحمير!!
ثم سألته: وهل ستغيرون الدستور والقوانين بمجرد وصولكم للحكم؟
قال: نحن الذين نتحكم في الدستور وليس الدستور هو الذي يتحكم فينا. وقد أذلنا الآدميون حين كانوا في السلطة.. ولن نغير الدستور لنتمكن من إذلالهم كما أذلونا. الدستور جعل لحكم الآدميين والأذكياء، أما نحن فلنا دستورنا القائم علي رفص أي إصلاح!!
تركته محييا.. وذهبت لأفكر في المستقبل المشرق الذي تنتظره البلاد حين يصل حزبنا إلي الحكم، والإنجازات العظيمة التي سيحققها لكل المرفوصين والمنبوذين والمضطهدين، ومهدودي الدخل، ووجدتني أجري معنطزا. فقد تملكتني مشاعر العنطزة وأنا أترك ساقي للريح فرحا، حتي إنني نسيت أن أقف في الطابور لأشتري حزمة البرسيم اللازمة لفطور الأولاد.. ولم أتذكرهم إلا بعد أن اعترض طريقي طابور طويل أمام أحد أفران العيش!