دعهم يحلمون.. هذا لن يتحقق أبداً
بقلم: منذر مصري
وكأنه لم ينتبه أحد إلى استخدام السيد (فيصل مقداد)، نائب وزير الخارجية السوري، كلمة “يحلمون“، بتصريحه: “نحن لا نتحدث عن انتقال سياسي، ما يعني بالنسبة لهم أن تذهب القيادة كلها ويأخذوا هم البلاد. نحن لن نذهب إلى جنيف لإعطائهم هذا. هذا لن يحصل أبداً، نحن ذاهبون إلى جنيف لنجد تسوية سياسية وليس لتغيير الحكومة. التغيير الحكومي مسؤولية الشعب السوري الذي انتخب الأسد قائداً له… دعهم يطالبون بما يشاؤون، دعهم يحلمون، هذا لن يتحقق أبداً”. ورغم أن الغريب بالأمر، هو كيف لدبلوماسي مخضرم كالسيد (مقداد)، يراه الكثيرون الوجه الأليق للدبلوماسية السورية، ألا يعلم أنه بهذه الكلمة يقر بأن مطلب الطرف المعارض (حلم)، وكأنه لا يعلم ما لكلمة (حلم) من دلالات إنسانية عميقة. ولا أدري لماذا لم تسعفه قريحته بقول: “يتوهّمون” أو “يهذون” مثلاً. واللافت أنه سرعان ما جاء رد رئيس وفد المعارضة، وكأنه قد أعجب بهذا التعبير: “إن بقاء الأسد في الحكم هو مجرّد حلم لن يتحقّق”.
إنّ ما يهم أكثر بكثير من هذا التراشق بالأحلام، تكرار النظام رفضه الصريح لمرحلة (الانتقال السياسي)، وتأكيده أنه ذاهب إلى جنيف لإيجاد (تسوية سياسية) لا أكثر، واضعاً (محاربة الإرهاب) بنداً أولياً لأي اتفاق. رغم أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، المعني حصراً بهذه القضية، والذي أعلنت سوريا قبولها به، يورد تعبير (الانتقال السياسي) حرفياً، مرة في مقدمته، وثلاث مرات في فقراته: (1+2+5).
المفاوضات
وبما أنني لست ممن يأخذون تصاريح المسؤولين السوريين، على محمل الخفة والتفكه، لا اليوم ولا البارحة ولا أول البارحة، فأنا أرى أن السيد (مقداد) حقيقة يعلم تماماً معنى كلمة “يحلمون”. كما أن لديه القناعة التامة بأن المطالب التي وصفها القرار 2254 بالتطلعات المشروعة للشعب السوري، ليست سوى أضغاث أحلام لن تتحقق أبداً. نعم.. (أبداً..أبداً). وأنه يعني بكل جدية أن وفد النظام لم يأت لبحث ما أسماه (التغيير الحكومي)، مشيراً إلى أن منصب الرئاسة، أمر يعود تقريره للشعب السوري وحده، الذي قال كلمته وانتخب الرئيس لثلاث ولايات متتالية. يؤكد هذا التفسير، اتهامات المعارضة المتكررة لوفد النظام بالسعي لإفشال المفاوضات، وأيضاً اتهامها للنظام بالتصعيد العسكري لإفشال عملية (جنيف4) بالكامل، كما أفشل كل الجنيفات والفينّات السابقة!، ذلك أنه برأيهم لا مصلحة للنظام بأي حل سياسي حقيقي، سوى الذي لم يتوقف يوماً عن إعلانه والعمل به، وهو متابعته الحرب على الإرهاب، أي كل من يحمل السلاح ضد النظام ومؤسساته وجيشه، باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، واستمراره في تحرير المدن السورية المحتلة من قبل الإرهابيين، الواحدة تلو الأخرى، كما سبق وفعل في حمص وحلب.
التنازلات
أعلم أن هناك، بين الذين يخالفونني الرأي بطبيعة وبنية النظام السوري، وأيضاً بين الذين يوافقوني عليه، من سيرى أن هذا الكلام لا ينم عن معرفة بالسياسة، ولا عن فهم لما آل إليه وضع النظام بعد ست سنوات من حرب طاحنة، خليقة أن تستنفد قوى وقدرات أي نظام في العالم. إضافة إلى أنه لا يوجد في الواقع طبيعة أو بنية ثابتة لأي حكم سياسي مهما كان. كما سيكون هناك من يذكرني بأن النظام السوري، ليس أبداً كالنظامين العراقي والليبي، اللذين ذهبا بالمواجهة إلى ما بعد خط النهاية، فكثيراً ما أظهر المرونة المطلوبة تجاه الضغوطات والمتغيرات، وقام بالعديد من التنازلات التاريخية، كما عند سحبه لقواته من لبنان 2005، أو إلغائه المادة 8 من الدستور ووقف العمل بقانون الطوارئ.. 2011، وكذلك تسليمه ترسانته الكيماوية 2013، وأخيراً قيامه بالمصالحات مع المسلحين خلال السنوات الثلاث الأخيرة. إلاّ أن الإجابة الحاسمة تأتي.. بأن هذه التنازلات كافة، كانت غايتها بكل وضوح استمرار بقائه وربما زيادة قوته، وليس تخلّيه عن السلطة. أي أن جميع التنازلات قد تكون ممكنة وقابلة للتفاوض،ماعدا………التنازل الأخير..